يحاول البعض أن يزين العلمانية باعتبارها نظاماً يساوي بين الناس جميعاً وأن الناس في ظلها يعيشون أعزاء كرماء، ويصرون على أنها لا تتناقض مع الدين، ولذلك يقول أحدهم أنا مسلم علماني!
فما هي العلمانية وما هي حقيقتها وما هو حكم الإسلام فيها؟
إن معرفة أي مصطلح لا بد فيه من الرجوع إلى أهله الذين وضعوه حتى لا يدّعي أحد تعريفاً حسب هواه، ولذلك سنقف على مصطلح العلمانية في معاجم أهلها الذين هم أدرى بتعريف المصطلح من غيرهم كونهم هم من وضعه واصطلح عليه:
فمثلاً تقول دائرة المعارف البريطانية عن العلمانية "هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا". ويقول معجم أوكسفورد شرحاً للعلمانية "دنيوي أو مادي ليس دينياً ولا روحياً مثل التربية اللادينية الفن أو الموسيقى اللادينية، السلطة اللادينية، الحكومة المناقضة للكنيسة". ويقول المعجم الدولي الثالث الجديد عن العلمانية "اتجاه في الحياة أو أي شأن خاص يقوم على مبدأ أن الدين أو الاعتبارات الدينية يجب ألا تتدخل في الحكومة أو استبعاد هذه الاعتبارات استبعاداً مقصوداً فهي تعني مثلاً "السياسة اللادينية البحتة في الحكومة". ويقول المستشرق البريطاني جون آرثر في كتابه: "الدين في الشرق الأوسط": (إن المادية العلمية والإنسانية والمذهب الطبيعي والوضعي كلها أشكال لللادينية، واللادينية صفة مميزة لأوروبا وأمريكا ومع أن مظاهرها موجودة في الشرق الأوسط فإنها لم تتخذ أي صبغة فلسفية أو أدبية محددة والنموذج الرئيسي لها هو فصل الدين عن الدولة في الجمهورية التركية). أما الشائع في الكتابات المعاصرة لأبناء المسلمين في تعريفهم للعلمانية فهو "فصل الدين عن الدولة"، وهو في الحقيقة لا يعطي المدلول الصحيح والكامل للعلمانية الذي ينطبق على الأفراد وعلى سلوكهم الذي قد لا تكون له صلة مباشرة بالدولة، ولذلك فإن الصواب أن نقول إن العلمانية تعني فصل الدين عن الحياة فهو المدلول الصحيح لها، وهو إقامة الحياة على غير الدين سواء في الدولة أو المجتمع. هذا هو واقع العلمانية، فما هو حكم الإسلام فيها؟
إن العلمانية تعني بداهة الحكم بغير ما أنزل الله، فهذا هو معنى قيام الحياة على غير الدين، ومن ثم فهي نظام جاهلي لا مكان لمعتقده في دائرة الإسلام. والجاهلية ليست حقبة زمنية معينة وإنما هي صفة لازمة لكل أمة أو جيل يخرج عن طاعة الله وشرعه القويم وطريقه المستقيم إلى طاعة الكبراء وشريعة الأهواء... روى الطبراني في المعجم الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله e قال: «أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ مُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ» ومراده من ذلك e بيان أن الجاهلية صفة تلحق كل من حكم بغير ما أنزل الله وليس فترة تاريخية انتهت بظهور الإسلام؛ فالمسلم مأمور بطاعة الله سبحانه وطاعة رسوله e طاعة كاملة في جميع شؤون حياته. وهذا الإمام المفسر ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ يقول: (يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يحكّم الرسول e في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً، ولهذا قال: ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليماً كلياً من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة).
هنالك شبهة يطلقها بعض من يظن أن العلمانية لا تتعارض مع الإسلام، ولذلك القول بأنها نظام كفر أو جاهلي لا تنطبق عليها بذريعة أن العلمانية الديمقراطية لا تنكر وجود الله ولا تمانع في إقامة الشعائر التعبدية، وأن بعض العلمانيين يتلفظون بالشهادتين ويصلون ويصومون ويحجون فكيف نطلق عليهم أنهم جاهليون؟! إن من يطلقون مثل هذه الأقاويل لا يدركون حقيقة العقيدة الإسلامية؛ حقيقة لا إله إلا الله محمد رسول الله e، كما لا يدركون حقيقة العلمانية إن أحسنا الظن بهم. فإن تاريخ الدعوة الإسلامية وصراعها مع الباطل لَيقطع الطريق على الذين يقولون بهذه الشبهة. وهنا نتساءل هل تحمّل الرسول e وصحابته الكرام العنت والمشقة والحرب والجهاد ثلاثاً وعشرين سنة متوالية، وهل نزل القرآن الكريم موجهاً وآمراً وناهياً طوال هذه السنين من أجل أن يقول الجاهليون باللسان فقط لا إله إلا الله ويقيموا الشعائر التي يمنُّ دعاة العلمانية على الله أنهم يسمحون بها؟! وما الفرق بين قول قريش يا محمد اعبُد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة وبين قول العلمانيين لفظاً أو حالاً نعبد الله في المسجد ونطيع غيره في الحكم وفي البرلمان؟! أهو شيء آخر غير أن قسمة الجاهليين من قريش زمنية وقسمة العلمانية مكانية أو موضوعية؟!
إن الله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ والسلم هو الإسلام بجميع أنظمته وأحكامه.
إن الذي نخلص إليه في الختام هو أن العلمانية كما الديمقراطية أنظمة كفر يحرم تطبيقها أو الدعوة اليها.
الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع