إن الناظر في ثورة الشام المباركة وما آلت إليه أحوالها، إما أن ينظر بسطحية من التفكير وضحالة من الرأي وضعف من الملاحظة فيرى أنه لا قبل ولا طاقة لأهل الشام بالعالم ومنظومته الدولية فكيف لهم ولمجاهديهم أن يصمدوا أمام طائرات روسيا وأسلحتها الفتاكة وتطورها الحربي والتكنولوجي فهي تبقى دولة عظمى ومجرد الصمود أمامها والتصدي لعنجهيتها يعتبر إنجازا عظيماً بل ومفخرة كبرى، ويرى كذلك أنه من الصعب أو المستحيل تغيير اتفاقات دولية وقرارات أمريكية تم إرساؤها برضا المجتمع الدولي، ثم وبعد تصويب النظر على زوايا المشكلة يسارع بقوله (إيش بطلع بدينا) ويقصد بذلك انعدام إمكانية التغيير أو ضعفها، نعم قد يقولها حتى لو كان قائد فصيل يضم مئات العناصر وأنواع الأسلحة، أو زعيم عشيرة يسير برأيه شباب وشيّاب، أو تاجر أنعم الله عليه بالأموال والعقارات، فليست العبرة في إمكانية التغيير بالأموال والسلاح والزعامة والشباب إنما العبرة بالقناعات والتفكير كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.
وإما أن ينظر باستنارة من التفكير وسداد من الرأي وشدة من الملاحظة فيرى أن روسيا ومن خلفها المجتمع الدولي وعلى رأسهم أمريكا مهما تعاظمت قوتهم فلن تبلغ قوة الله العلي القدير الذي قال في محكم تنزيله: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ﴾ [الأنفال: 59].
ويرى أن الذي أهلك فرعون وأفنى سلطانه بالماء، وأذل النمرود وأنهى طغيانه بالبعوض، وقتل قارون وجلل به الأرض بالخسف هو ذاته القادر على إنهاء الحكم الجبري وإسقاط النظام الرأسمالي الذي يرزح العالم تحت شره وبطشه وهو القادر على نصرتنا إن نحن نصرناه، ولكن كيف ننصره؟
نعم لا بد من هذا السؤال.. لأن النظرة المستنيرةَ شاملةٌ ولا تقتصر على الهدف دون طريقته وكيفية الوصول إليه..
فإن قال أحد ننصره بتطبيق شرعه والتزام أمره.
قلنا له لا يكفي لأنه كلام عام يشترك في لفظه أكثر من معنى فيحتاج إلى توضيح وتحديد.
وحتى توضع الأمور في نصابها الصحيح أبين ما يلي:
1- نصرةُ الله ليست بعتادنا وعددنا بل بعهد نقطعه على أنفسنا أن نسير بنهجه مقتفين أثر نبيه متخذين الوحي مقياساً لأعمالنا فما كان حلالاً فعلناه وأمرنا به، وما كان حراماً اجتنبناه ونهينا عنه حتى لو خالف ذلك مصلحة نراها أو منفعة قدرناها، بل حتى إن ظهر لنا في تطبيق الوحيِ الشرُ أو الضرُ مكشراً عن نابه.
2- التزامنا بالوحي يقتضي أن نفهم الحكم في مناطه وواقعه الصحيح فلا يُستشهد بصلح الحديبية على جواز الهدنة مع نظام الإجرام، فتلك بوجود دولة وفي حالة جهاد الطلب أما نحن فبلا دولة، وفي حالة الدفع للصائل المعتدي ودفعه لا يتم بهدنة ومفاوضة بل قتال وسجال وجهاد وإثخان.
3- لا نريد مسكنات ومهدئات بل نريد علاجاً حقيقياً جذرياً ولن نجده إلا عند النبي e الذي قلب العالم رأساً على عقب في 30 عاماً وذلك أنه كان صاحب قضية وهدف غير قابل للتنازل أو التفاوض «والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه».
4- إنهاء النفوذ الغربي في بلادنا يعتبر هدفاً لا يمكن المساومة عليه لأن السياسة الغربية الخبيثة هي التي مزقت المسلمين وأضعفتهم بوطنيات وقوميات وحدود وسدود، وإن بقاء نفوذ المستعمر في بلادنا سيجعل إسقاطنا للنظام عملية استبدال وجوه لا أكثر.
5- قطع يد الداعم الذي رهن قرار أمتنا وفصائلنا فجعل من المتلقين للدعم أدوات تسير بأمره لا بأمر الله... يفتحون معركة ويغلقون أخرى إرضاء للداعم ويقتتلون فيما بينهم إرضاء للداعم ويضيقون على أمتهم إرضاء للداعم والله تبارك وتعالى يقول: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ» [هود: 113]
6- استعادة الأمة والمجاهدين لسلطانهم المسلوب ومعنى ذلك أن يستعيدوا حقهم في اتخاذ القرار ومحاسبة القادة والمسؤولين إن أخطأوا لأن الأمة هي المخاطبة بالتكاليف وهي المسؤولة عن تطبيقها وهي التي تبت في القضايا المصيرية، وعلى سبيل المثال قال رسول الله e: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» فالمطالب هنا بالتوحد على خليفة واحد حتى وإن قُتل الآخر، هو الأمة لأنها صاحبة السلطان.
7- معرفة المجاهدين بهدفهم وعدم الغفلة عنه فإن كانوا قد خرجوا لإسقاط النظام ولنصرة المظلومين وفك الأسرى وصيانة العرض يُنبهوا على أن النظام سيطر على المحافظات والمظلومين ازدادوا والأسرى قُتلوا فأُسِرَ غيرهم وما ذلك لضعف المجاهدين أو عدم صدقهم بل لوجود قيادات مرتبطة تحول بين المجاهدين وبين هدفهم، فعلى الصادقين أن يكونوا سوية ويتخذوا قيادة واعية غير مرتبطة فيفتحوا الجبهات الموجعة والمسقطة للنظام كجبهة الساحل. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119]
8- ساحتنا لا تفتقر للقوة العسكرية فلم تسقط حلب وتباع الغوطة وتسلم درعا بقوة العدو وضعف المجاهدين كما قلنا فنحن نحب الموت أكثر مما يحبون هم الحياة، بل ذهب منا ما ذهب بضعف الوعي السياسي ووقوعنا بالفخاخ السياسية (جنيف، وأستانة، وسوتشي، وخفض التصعيد، ووقف إطلاق النار، ومنطقة عازلة، وفتح الطرق الدولية، وهدن ومفاوضات...).
9- عوامل التغيير ثلاثة: قيادة سياسة واعية، وحاضنة شعبية بما فيها القيادة الشعبية من الوجهاء والمؤثرين، وأهل قوة ومنعة. وفقدان واحدة يعطل عملية التغيير، واختزال العوامل كلها في جهة واحدة كذلك يعطل التغيير بل يجعل منها عصابة غاشمة كالمنظومة الفصائلية المرتبطة وما ينبثق عنها من حكومات ممسوخة.
وحزب التحرير يعلن مشروعه السياسي لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ويدعو الأمة لتبنيه ويطلب من أهل القوة والمنعة نصرته؛ وبذلك نستأنف حياتنا الإسلامية فقد آن أوانها وحل زمانها كما بشر النبي e «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة». ﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [إبراهيم: 20]
بقلم: الأستاذ أحمد حاج محمد
رأيك في الموضوع