في مؤتمر صحفي بمقر الأمم المتحدة الإنمائي بالخرطوم يوم (الأربعاء ٢٢/٢/٢٠١٧م)، قطع ما يسمى بالخبير المُستقل للأمم المتحدة المعني بمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في السودان، بأن الأوضاع الحالية في إقليم دارفور تستدعي بقاء بعثة حفظ السلام المشتركة في دارفور "يوناميد" لحماية النازحين في المعسكرات التي لا وجود للحكومة في أروقتها، مؤكداً وجود انتهاكات يتعرض لها النازحون من قتل واغتصاب للنساء واستهداف على أساس العرق والنوع ما يستدعي بقاء البعثة حتى استتباب الأمن بشكل كامل، بالرغم من أنه وصف الأوضاع في دارفور بالمُستقرة، ولكنه نوه إلى مخاوف رئيسية أكد أنها لا تزال تؤثر على السلام والأمن والتعايش بين المجتمعات المحلية، تتمثل في قطع الطرق والنهب المسلح، والاعتداءات، وجرائم القتل، والاغتصاب، حيث قال تم إبلاغي بوقوع (9) حالات اغتصاب بأحد المعسكرات وهناك حالات لم ترصد، كما أشار إلى عمليات الاختطاف التي يتعرض لها النازحون داخلياً، فضلاً عن الصراعات بين الجماعات السكانية المختلفة بسبب الأراضي الزراعية.
ولا يخفى على أحد أن قضية دارفور كشفت ضعف الحكومة في إدارة شؤون دولتها، سواء أكان ذلك بإهمالها لتلك المنطقة، ولربما بتواطؤ منها، وهذا ما سأشير إليه في معرض الحديث عن التدخلات الأجنبية في دارفور أدناه، ثم إن انفلات الأوضاع جعل اللغة السائدة هي لغة السلاح مما دفع كل قبيلة لتجييش نفسها والتسلح لحماية أفرادها، أو للمطالبة بالحقوق بناء على قاعدة "القوي يأكل الضعيف"! مما أدى إلى شلالات الدم وقتل النفس المعصومة بغير حق، وقد خلفت الأوضاع في دارفور مآسيَ وآلاماً يشيب لها الولدان، فقد أكد المدعي العام لجرائم دارفور، الفاتح محمد طيفور، أكد في كانون الثاني/يناير الماضي تدوين 100 بلاغ اغتصاب بولايات دارفور، خلال العام الماضي (موقع سودان تريبيون الخميس ٢/٢/٢٠١٧م). وكذا أحداث القتل وترويع الناس وإزهاق الأرواح ما زالت مستمرة، ففي منتصف شهر شباط/فبراير الماضي شهدت مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور معارك ضارية بالأسلحة الثقيلة والخفيفة في الأحياء شرق المدينة بين القوات الحكومية ومليشيات مسلحة، وأن المعارك اندلعت في البورصة وهو الميناء البري الرئيسي بالمدينة، مما أدى إلى تعطل جزئي في حركة مرور الباصات السفرية المتجهة إلى العاصمة الخرطوم، كما تم حرق البورصة، واستشهاد عدد من المدنيين بالرصاص، بالإضافة إلى ضابط بالقوات المسلحة. (التيار ١٨/٢/٢٠١٧م).
خطورة قضية دارفور لا تكمن فقط في عجز الدولة عن حلها سياسيا، وإن كان هذا الجرم الذي لا تعفى الحكومة منه، ولكن أيضا لا يقل جرماً السماح للمليشيات المسلحة وحمايتها بالقانون وإطلاق يدها على البلاد العباد، خاصة أن هذه المليشيات لها انتماءاتها القبلية، وولاءاتها الخاصة بها، بالإضافة إلى عدم وجود عقيدة قتالية تنضبط بها، مما يجعل الوضع كارثة حقيقية إذا تمردت هذه المليشيات مع وجود الدعم والحماية القانونية لها، وهذا لا يقل خطورة عن جرم الحكومة والمعارضة والحركات المسلحة، في تدويل القضية مما جعل البلاد تمتلئ بالمبعوثين والجواسيس والمنظمات المشبوهة، وغيرها فرهن هذا التدويل لقضية دارفور، الإنسان في دارفور إلى الأطماع الغربية الاستعمارية، بل أصبحت دارفور كأنها ولاية في أمريكا، أو مقاطعة في أوروبا؛ من كثرة المبعوثين الغربيين الطامعين.
ففي مطلع كانون الثاني/يناير الماضي كان في السودان سايمون ماكدونالد، وكيل وزارة الخارجية البريطاني الذي زار دارفور مع وفد له، وقد سبقته زيارة رئيس وحدة السودان بوزارة الخارجية البريطانية، كريستوفر تروت بصفته مبعوثاً بريطانياً إلى السودان، ولا تقل هذه الزيارات عن زيارات وفود الاتحاد الأوروبي، فقد صرح في حوار مع صحيفة السوداني بتاريخ، 16 شباط/فبراير 2017م، السفير البريطاني بالخرطوم مايكل أرون قائلاً: (نحن كدبلوماسيين نزور العواصم، زرت نيالا والفاشر وخرجنا قليلاً من العواصم لكن مع قافلة كبيرة من اليوناميد... وزرنا بعض المشاريع التي ندعمها في جنوب وشمال دارفور...).
وعلى الجانب الأمريكي فقد توالت الزيارات؛ آخرها زيارة المبعوث الأمريكي للسودان وجنوبه دونالد بوث، الذي التقى بالأفراد والجماعات والنازحين في المعسكرات والطلاب كباراً وصغاراً؛ كأنَّه حمامة سلام أو كأنَّ أمريكا جمعية خيرية؛ وليست تلك الدولة التي تقتل طائراتها دون طيار؛ النساء والأطفال الأبرياء في اليمن وباكستان وأفغانستان...الخ!!
وهذه الزيارات والتدخلات السافرة في شؤون البلاد الداخلية لها توابعها القبيحة التي يتضرر منها أهل السودان فكل من هؤلاء المبعوثين والزائرين له أجندته الاستعمارية الخفية التي يسعى لتنفيذها، فكلٌّ يعمل على مصلحته، لتأجيج الصراع على قاعدة فرق تسد، ورأينا الاستقطاب الحاد لهذه القوى الغربية الاستعمارية المتمثلة في أوروبا وأمريكا، للحركات المسلحة وللحكومة، كل حسب مصالحه، ليتواصل العمل لتركيع الأمة الإسلامية، وتغيير هويتها، ومحاربة دينها، ونهب ثرواتها، خاصة عندنا في السودان فالأمر جلي وواضح، فقد كشف الخبير المستقل (نوننسي) خلال مؤتمره الصحفي المذكور أعلاه، الأربعاء الماضي، عن موافقة الحكومة السودانية على 180 توصية من بين 244 توصية ذات صلة رئيسية بالإصلاح الدستوري والقانوني، وأوضح (نوننسي) أن البرلمان السوداني أبلغه اعتزامه النظر في مزيد من التعديلات على الدستور ومجموعة من القوانين، من بينها قانون الأمن الوطني والقانون الجنائي، لجعلها تتماشى مع معايير حقوق الإنسان الدولية.
وقال "أود أن أحث المجلس الوطني على النظر بصورة شاملة، وإلغاء جميع الأحكام - التي تتضمنها تلك القوانين - والتي تتعارض مع حقوق الإنسان الدولية للمواطنين السودانيين". (سودان تريبيون).
قضية دارفور لا تحلها إلا دولة مبدئية تأخذ معالجاتها من رحم عقيدتها، وتؤسس حياتها بناء على مبدأ الإسلام العظيم؛ الذي يؤمن به أفرادها، وحكومة الإنقاذ لن تحل مشاكل السودان حلا جذرياً، لأنها لا تملك نظاماً أصيلاً يحوي معالجات ناجعة لتطبيقه غير الإسلام، ومنذ ١٩٨٩م وحكومة السودان فاقدة للبوصلة؛ مرة تعد الناس بتطبيق الإسلام، ومرة بإقامة دولة ديمقراطية (علمانية) حديثة، وما زال التحدي قائماً أنه لن تحل مشاكل السودان إلا دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي منذ عهد الخلفاء وحتى هدمها، لم يُقم حكام المسلمين دولة مثلها؛ راعية لشؤون المسلمين، وقاطعة ليد المستعمرين، ولقيامها فليعمل المخلصون، فإنه فتح الدنيا والآخرة.
بقلم: محمد جامع (أبو أيمن)*
* مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع