إن سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم الدولة منتصف عام 2014م، ووقوع أهلها الأبرياء أسرى لديه، لم يكن نتيجة لمعركةٍ شرسةٍ خسرتها القوات المسلحة العراقية التي قدّر تعدادها بحوالي (50 - 70) ألف مقاتل بعد قتال ضارٍ مع قوّة جبّارة أضخم منها..! بل سقطت جراء مؤامرة دنيئة اضطلع بتنفيذها أجير أمريكا الغازية (نوري المالكيّ) وبأوامر عليا، تمّ التكتّم على حقيقتها، وأسدل عليها ستار من التشويش الإعلامي مدفوع الثمن، فتمّت الخطة بإحكام وبأسلوب رخيص: بأن يفر كل أولئك الرجال أمام عدّة مئات من مقاتلي تنظيم الدولة تاركين بزّاتهم العسكرية وعدتهم وأسلحتهم بكل صنوفها الثقيل منها والخفيف لكسر معنويات الرّجولة لدى أفراد الجيش، ولتحقيق أهداف جمّة خبيثة، وخلق فوضى عارمة، لم يستفد منها غير أعداء العراق من الكفّار والحاقدين، مع ارتهان قراراته السياسية والاقتصادية، واستنزاف كلّ طاقة خيّرةٍ ونافعة في هذا البلد وصولا لتنفيذ مشاريع خطيرة قدم من أجلها الكافر المستعمر الأمريكيّ.
واليوم، بعد ما يزيد على عامين كاملين من إهمال الموصل، وبعد تباطؤ وإجراءات مخادعة من جانب ما يعرف بالتحالف الدولي لمكافحة (الإرهاب)، بقيادة أمريكيّة لكسب الوقت بما يناسب الوضع المتأزّم في سوريا الجريحة، وكمٍّ هائل من تصريحات قادة سياسيّين ودبلوماسيّين وعسكريّين من كل بقاع الأرض عن خطورة المعركة وما ينبغي العمل عليه من الإعداد والتدريب وتقديم المشورة واختيار الزمان المناسب لها... تصريحات يعسر انتظامها بخيط واحد، ولم يكن غير شياطين الكفار ومن سار في ركبهم من العملاء - الذين باعوا شرفهم ودينهم وآخرتهم خدمة لأسيادهم المجرمين - لم يكن غيرهم يملك قراراً لوضع نهايةٍ لمعاناة الناس.
إذن، أمر العراق المحتلّ إنما هو بيد أمريكا - في الوقت الرّاهن - فلا قيمة لحكومة بغداد ولا لرئيس وزرائها المتوّج كالطاووس المزيّن داخل قفصٍ لا يحيد عنه ولا يحيص، بل ولا يملك من أمر الحكم والسّيادة شيئاً، إنما هي أدوار يقوم بها طائعاً أو مًكرهاً..! وما تلك الحركات والمماحكات المسرحيّة بينه وبين أجير آخر هناك في تركيا - أعني (أردوغان) - حول الوجود العسكريّ التركيّ في معسكر بعشيقة ووصف (العبادي) له بأنّه "قوة احتلال" إلا لصرف الأنظار عمّا يجري من خطط جهنّميّة، ولتبييض وجوه (حكام) العراق الكالحة وحفظ قدر من كرامتهم المهانة. لقد صدق فيهم - وفي أمثالهم من الطواغيت (حكام) المسلمين - قول ربّنا عزّ وجلّ: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾.
فالحقّ أنّ تلك الخلافات المعلنة لا قيمة لها على أرض الواقع بدليل أن تركيا كان لها (إذن) بدخول الأراضي العراقية منذ وجود الطاغية المقبور "صدام" وكذا بعد الاحتلال، وقد تواترت التصريحات للمسؤولين العراقيين العرب منهم والأكراد بتصديق ما نذكر من أنّ الوجود التركيّ تم بعلم الحكومة العراقية. وكانت وكالة الأناضول قد كشفت عن وجود تسجيل مصور لزيارة وزير الدفاع العراقي المقال (خالد العبيديّ) إلى معسكر بعشيقة الذي يوجد فيه عسكريون أتراك لتدريب متطوّعين عراقيّين من سكان الموصل، وقول (العبيدي) في خطابه للمتطوعين من الحشد الوطني: "إن (العبادي) أرسله خصّيصا لزيارة المعسكر" (حيث كان الوزير لا يزال في منصبه) (جريدة العرب في 15/10/2016). وبطبيعة الحال فإن تركيا لن تجرؤ على دخول عرين أمريكا: العراق، بغير إذنها، لا سيّما وهي عضو في حلف الأطلسي والتحالف الدولي المزعوم؟! ولقد سبق أن قررنا أن وجود تركيا في الأراضي العراقية يتعدى حدود التدريب العسكري لمقاتلي العشائر العربية في الموصل، الذين يقدر تعدادهم بـ(15) ألف مقاتل من ضمنهم ضباط من الجيش العراقي السابق، وتدريب قوات البشمركة الكردية. ونقلت (العربية - الحدث): أنّ الحشد الوطني يرسم سيناريو جديداً لمستقبل الموصل قبيل المعركة المرتقبة لتحريرها، وبعيداً عن سياسيي بغداد، وفقاً لصحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية...! الأمر الذي يدعم ما قلناه سابقاً أنّ تلك القوة العشائريّة أشبه شيء بحرس للإقليم المزمع إنشاؤه هناك، لا وفّقهم الله.
فالمعركة باتت وشيكة، بحسب أخبار رشحت عن مغادرة كبار قادة "التنظيم" مدينة الموصل إلى سوريا، وإطلاقهم سراح السّجناء من أفرادهم...! وأنّ تركيا ستشارك فيها، إذ أكّد أردوغان يوم السبت 15/10/2016 تصميم بلاده على المشاركة في معركة تحرير مدينة الموصل العراقية من تنظيم "الدولة" قائلاً: "لن نسمح بتسليم مدينة الموصل إلى "التنظيم" أو أي منظمة إرهابية أخرى" (روسيا اليوم). كما سبقت وكالة الأنباء الإيرانية فارس، السبت، المسؤولين العراقيين في الإعلان عن انتهاء التحضيرات لمعركة الموصل، وأكدت الوكالة على لسان أحد قيادات الحشد الشعبيّ أنّ المعركة ستنطلق الأسبوع الجاري. ويؤيّد ذلك أنباء عن قطع الحكومة للاتصالات الهاتفية والإنترنت، وبالتزامن مع ما أعدّته وكالات الأمم المتحدة لإغاثة النازحين الذين يتوقّع خروجهم من المدينة عند احتدام المعارك... ونحن بدورنا ندعو الله تعالى أن يلطف بأهلنا في الموصل وغيرها من بلاد المسلمين ويحقن دماءهم، ويعجّل ببزوغ شمس الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوّة، لتعلو راية الحقّ والعدل، فتملك الأمة الإسلامية زمام أمرها بعد انعتاقها من التبعيّة البغيضة لأمم الكفر، فيعمّ الخير والسلام أرجاء المعمورة... ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
رأيك في الموضوع