على الرغم من السعي الحثيث للنظام في باكستان في ملاحقة المجاهدين على جانبي الحدود بين باكستان وأفغانستان وشنّ الهجمات العسكرية المتتالية ضدهم، وعلى الرغم من سنّه وتبنّيه مشاريع أمنية وقضائية في البلاد من مثل قانون "الحماية الوطنية"، وتقديم المجاهدين والسياسيين من العاملين لإقامة الخلافة على منهاج النبوة إلى محاكم عسكرية، وعلى الرغم من رفع النظام يده عن دعم المجاهدين في كشمير المحتلة وتركهم يواجهون الدولة الهندوسية بعدتهم وعتادهم المتواضع، بالرغم من كل هذا، فإن سيدة النظام أمريكا لم يكفها ذلك، حيث حضّ وزير الخارجية الأمريكي جون كيري باكستان يوم الثلاثاء 30 آب/أغسطس على بذل المزيد من الجهود لإيقاف الجماعات المتطرفة التي تنطلق من أراضيها لتنفيذ هجمات، وفي إشارة إلى المجاهدين الذين يقاومون الاحتلال الهندي لكشمير، قال كيري خلال زيارته إلى الهند في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرته الهندية سوشما سواراج: "لن ولا يمكننا أن نفرق بين إرهابيين جيدين وإرهابيين سيئين... (الإرهاب هو الإرهاب)"، ومن أجل حثّ باكستان على تجفيف منابع الجهاد ضد أمريكا في أفغانستان وضد الهند في كشمير قال: "إنه من المهم للغاية أن تتحرك إسلام آباد لحرمان أية جماعة مسلحة من أن يكون لها ملجأ"، وتابع: "إن الحكومة الأمريكية أجرت محادثات صريحة مع جميع دول المنطقة حول الجهود التي يجب أن تبذلها ضد (الإرهاب) الذي ينطلق منها".
قبل ذلك بأيام قالت مصادر عسكرية ودبلوماسية ومسؤولو مخابرات وخبراء أمريكيون إن استمرار دعم باكستان لجماعات متشددة تعادي الولايات المتحدة يقلص بشكل كبير من أهمية إسلام أباد الاستراتيجية كحليفة لواشنطن وبخاصة مع توطيد الأواصر العسكرية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والهند.
يبدو أن هذا الحث الشديد من قبل أمريكا لباكستان زاد من حدة التوتر القائم بين الجيش الباكستاني وأمريكا، وخصوصًا بعد إلغاء أمريكا دفع ثمن المقاتلات الأمريكية من طراز F-16 والدعم الأمريكي لعضوية الهند في (مجموعة موردي المواد النووية)، وبعد تلقي باكستان ضربة موجعة على الحدود الفاصلة بينها وبين أفغانستان في منطقة (تورخام) بسبب انصياعها للأوامر الأمريكية بفرض الرقابة المشددة على الحدود.
إن السبب الرئيسي لهذه التوترات بين البلدين وهذه التصريحات الأمريكية ضد باكستان هو استياء أمريكا من باكستان، حيث فقد أوباما الأمل من قدرة باكستان على السيطرة على حركة طالبان الأفغانية، بسبب أن مفاوضات السلام مع طالبان انهارت بعد أن تم تسريب خبر وفاة الملا عمر إلى وسائل الإعلام، ورفضِ المجاهدين المخلصين من الأفغان قبول (أختار منصور) خلفًا للملا عمر بسبب ولائه لباكستان، وبسبب تنصيب حركة طالبان (مولوي هبة الله اخوندزاده) أميرًا عليها، وهو من العلماء وليس رجلًا سياسيًا وليس من المتعاونين مع باكستان ولا يُعرف عنه الفساد وقد كان قاضي قضاة المحاكم الشرعية في حكومة طالبان ويُقال إنه كان مسؤولًا عن إصدار أكثر الفتاوى لحركة طالبان؛ لذلك يبدو أنه لا يوجد أمل الآن في المفاوضات مع حركة طالبان.
لذلك بعد فقدان باكستان السيطرة على حركة طالبان، وتعاظم شأن الجهاد في أفغانستان والحمد لله، وبعد تمكّن المجاهدين من تحقيق العديد من الإنجازات الجديدة في أفغانستان، كان رد أوباما على ذلك الإعلان عن زيادة عدد القوات الأمريكية في أفغانستان واستمرار الوجود العسكري الأمريكي القوي حتى فيما بعد انتهاء فترة ولايته، على الرغم من أنه كان قد تعهد بإنهاء الحرب خلال فترة رئاسته، ويُعدّ هذا الملف أحد إخفاقاته الكبرى كرئيس.
مع ذلك، فإن القيادة السياسية والعسكرية الباكستانية غير قادرة على رفض أوامر أمريكا وإملاءاتها، حيث ليست لديها الشجاعة الكافية لفعل ذلك، فبعد استمرار استياء إدارة أوباما من الأداء الباكستاني، أرسلت أمريكا السيناتور (جون ماكين) لتهدئة أوجاع باكستان في بداية شهر تموز/يوليو 2016م، وتم أخذه لزيارة (ميرانشاه) في شمال وزيرستان على الحدود الأفغانية، حتى يثبت له الجيش مقدار ما يقوم به ضد "الإرهاب"، وبعد حوالي أسبوع، أي في التاسع من تموز/يوليو 2016، اغتالت أمريكا (عمر منصور) في هجوم طائرة أمريكية بدون طيار في محافظة (نانغارهار) في أفغانستان في مقر اقامته، وكان (عمر منصور) رئيس مجموعة (طارق غدير) من حركة طالبان الباكستانية، التي كانت مسؤولة عن الهجوم على مدرسة الجيش في بيشاور في كانون الثاني/يناير 2014م الذي أودى بحياة أكثر من 130 طفلاً، وقد كان منصور أحد أهم المسلحين المطلوبين لباكستان، لذلك ساعدت الغارة الجوية التي أدت إلى مقتل منصور في تخفيف حدة التوتر بين باكستان والولايات المتحدة والتي امتدت لعدة شهور، وبلغت ذروتها بعد الضربة الأمريكية التي قتل فيها زعيم حركة طالبان الأفغانية (أختار منصور) في جنوب غرب باكستان في أيار/مايو الماضي.
إن الذي تطلبه أمريكا من باكستان، من ملاحقة المجاهدين الذين يقاتلون أمريكا في أفغانستان والمقاومة في كشمير، والقضاء على المعارضة المخلصة في باكستان، إن هذه المطالب يصعب جدا تنفيذها، فعقيدة الجند والمسلمين في باكستان تقوم على الجهاد ضد كل محتل وغاصب لأرضهم، وقد كانت المدارس الإسلامية التي ينتمي إليها مئات الآلاف - إن لم يكن الملايين - إلى زمن قريب منبع المجاهدين الذين قاتلوا الاتحاد السوفيتي وهزموه واستمروا في جهادهم ضد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، لذلك فإن مسألة الإطاحة بالنظام العميل في باكستان إنما هي مسألة وقت، حتى يهدي الله المخلصين في القوات المسلحة ليعطوا النصرة للمخلصين العاملين لإقامة الخلافة على منهاج النبوة، حيث تلتحم عقيدة الجهاد في نفوس المسلمين مع القيادة السياسية المخلصة فيهم، وعندها لن تكون أمريكا قادرة على مواجهة خير أمة أخرجت للناس ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾
رأيك في الموضوع