إن المتتبع للأحداث بعد انهيار الجولة الثانية من مفاوضات جنيف والتصريحات التي صرح بها «ستافان دي ميستورا» مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا في بيان بتاريخ 26/5/2016، أن الجولة الجديدة من مباحثات السلام السورية لن تعقد قبل أسبوعين أو ثلاثة على الأقل، إن المتتبع يرى بوضوح محاولة نظام طاغية الشام استغلال الفرصة التي منحته إياها الهدنة في السيطرة على مناطق عدة وإحراز تقدم على المستوى العسكري؛ مستغلا وقوف المجتمع الدولي خلفه، فبعد أن قام بالسيطرة على بعض المناطق في الغوطة الشرقية مستغلا اقتتال الفصائل مع بعضها البعض، نراه يركز على مدينتي حلب وإدلب؛ حيث شهدت محافظة حلب في الأيام الأخيرة تصعيدا مكثفا تجلى بإلقاء مئات البراميل المتفجرة وآلاف الغارات الجوية التي أدت إلى سقوط المئات من الشهداء وأضعافهم من الجرحى خلال أيام قليلة، وذلك في محاولة لمحاصرة مدينة حلب عن طريق استهداف المنفذ الوحيد الذي يربطها بريفها الغربي بعد الضوء الأخضر الذي تلقاه من سيده أوباما مطمئنا إياه بعدم استخدام الخيارات العسكرية لحل المشكلة السورية؛ حيث قال أوباما في 24/4/2016م إنه من الخطأ أن تستخدم الولايات المتحدة أو بريطانيا قوات برية للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد. وأضاف أوباما في حوار مع قناة "بي بي سي" البريطانية، بث يوم الأحد 24/4/2016، أن الخيارات العسكرية لن تكون حلا للمشكلات التي طال أمدها في سوريا.
كما وقامت طائرات طاغية الشام بقصف مدينة إدلب إلى جانب الطائرات الروسية مما أدى إلى وقوع الكثير من الشهداء والجرحى وإلى نزوح عدد كبير من أهالي المدينة، مما دفع جيش الفتح لإعلان مدينة إدلب خالية من المقرات العسكرية ليوثق بعدها خروقات النظام، هذا الموقف الذي أعلنه جيش الفتح يدفعنا للتساؤل لمن سيرفع هذا التوثيق وكلنا يعلم تآمر المجتمع الدولي وكذبه وخداعه؟! فقد أخلت روسيا مسؤوليتها عن قصف مدينة إدلب وسارت على خطاها أمريكا معلنة أننا لا نستطيع معرفة من قام بقصف المدينة، كما أن القصف طال المستشفيات والتجمعات السكنية ولن تعجز أمريكا ولا روسيا عن إيجاد الحجج لقصف أهل الشام سواء في إدلب أو في غيرها. كما يحاول طاغية الشام تحقيق انتصارات على تنظيم الدولة في ريف حماة الشرقي، وبذلك يكون طاغية الشام قد استغل الوقت لكسب الجولة الجديدة من المفاوضات وذلك عن طريق تقديم المزيد من التنازلات من قبل ما يسمى الهيئة التفاوضية بعد أن وضعت أمريكا قطار حلها السياسي على السكة وحددت محطاته وسرعته بعد أن أدخلته في نفق المفاوضات، وليستخدم المزيد من الضغط على أهل الشام لتركيعهم وقبولهم بالحل السياسي الأمريكي وذلك في الوقت الذي تتقدم فيه قوات سوريا الديمقراطية باتجاه منبج مدعومة بغطاء جوي كثيف من طيران التحالف الأمريكي بعد أن بسطت سيطرتها على مناطق واسعة في ريف حلب الشمالي تحت غطاء الطيران الروسي لتشارك في حصار الريف الشمالي لمدينة حلب.
لقد وجدت أمريكا وروسيا ضالتهما في وحدات حماية الشعب الكردي الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، مستغلة مطالب الأكراد في السعي لإنشاء دولة كردية تمتد على طول الشريط الحدودي مع تركيا من عفرين في ريف حلب باتجاه الحسكة. تريد أمريكا استخدام الأكراد في حرب بالوكالة ضد تنظيم الدولة وتحاول عن طريقهم تضييق الخناق على المناطق المحررة لعزل من وضعتهم على لائحة الإرهاب ومحاولة تطويقهم وخاصة وهم لا يبعدون إلا بضعة كيلومترات عن معبر باب الهوى الحدودي والذي يعتبر المنفذ الرئيس لدخول المواد الغذائية إلى الداخل السوري المحرر. وقد أشارت ماريا زاخاروفا الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية خلال مؤتمرها الصحفي الأسبوعي يوم الخميس 2/6/2016 إلى ضرورة إغلاق الحدود السورية-التركية من أجل وقف تدفقات الأسلحة والمقاتلين الجدد إلى صفوف التنظيمات الإرهابية التي تواصل انتهاكاتها للهدنة في سوريا، كماوضح الناطق الصحفي باسم وزارة الدفاع الروسية خلال مؤتمر صحفي، أن الصور الجديدة التي نشرتها وزارة الدفاع الروسية متعلقة بمعبر "سرمدا-الريحانية" الذي يستخدم لنقل الأسلحة والمواد الأخرى للإرهابيين الذين يسيطرون على مدينتي حلب وإدلب. وأضاف أن معظم التوريدات عبر هذا المعبر تنفذ ليلا.
إن ما يجري من استغلال للأكراد في حرب بالوكالة ضد تنظيم الدولة ليس ببعيد عن النظام التركي رغم المواقف المعلنة من قبله بالتدخل العسكري فقد وضع النظام التركي خطا أحمر يستعد للتدخل السريع في حال تم خرقه، ويتجلى هذا الخط بقيام دولة كردية متاخمة لتركيا على الجانب السوري، وما دام هذا الأمر بعيد المنال فلا بأس من استغلال الأكراد في هذه الحرب.
إن ما يجري على أرض الشام لم يكن ليحدث لولا ارتباط بعض قادات الفصائل بالمال السياسي القذر الذي صادر قراراتهم وأدخلهم في هدن مع قاتل أطفالهم ومنتهك أعراضهم، ووضع لهم خطوطا حمراء باتت معروفة للجميع وتتمثل في العاصمة دمشق سهل الغاب حيث حاضنة النظام الشعبية، فلا بد حتى تعود الثورة إلى مسارها الصحيح من قطع كل العلاقات مع الغرب الكافر وأذنابه والتوجه نحو العاصمة دمشق لإسقاط النظام فيها، فنظام طاغية الشام لا يسقط في حلب ولا إدلب.
بقلم: أحمد عبد الوهاب
رأيك في الموضوع