كشف تقرير لمعهد لندن الدولي للدراسات الاستراتيجية - وهو معهد دراسات بريطاني أُسس في العام 1958 ويُعد نفسه سلطة عالمية رائدة حول الأمن العالمي والمخاطر السياسية والصراعات العسكرية - أن العام الماضي كان دموياً بالرغم من تراجع عدد النزاعات المسلحة، إذ سقط نحو 167 ألف إنسان جراء هذه النزاعات، ثُلثهم في سوريا وحدها. وحسب الدراسة التي أعلن عنها الخميس 5 أيار 2016 في لندن فإن 80 بالمئة من هؤلاء قتلوا في ستة صراعات مسلحة كبيرة في سوريا والكاريبي والمكسيك وأفغانستان ونيجيريا والعراق.
كما أشار الخبراء إلى أن «عدد الضحايا ارتفع بشكل سريع جراء النزاع في أفغانستان، حيث قتل 15 ألف شخص عام 2015، بالمقارنة مع 3500 ألف شخص عام 2013، حين كانت قوات (إيساف) الدولية تقدم المساعدة الأمنية للبلاد».
وقتل ثلث هذا العدد في سوريا وحدها حسبما أبرز التقرير السنوي، حيث «بلغ عدد قتلى الحرب الأهلية في سوريا العام الماضي نحو 55 ألفا، في حين قتل أكثر من خُمس ضحايا الصراعات المسلحة في العالم العام الماضي في المكسيك أو أمريكا اللاتينية».
وفقد عدد أقل من الناس حياتهم في دول أفريقية واقعة جنوب الصحراء الغربية، وذلك على الرغم من الحرب على منظمة «بوكو حرام» في نيجيريا. وأظهر التقرير أن الحكومات في كل من العراق وسوريا والصومال واليمن نجحت عام 2015 في استعادة مناطق كانت تحت سيطرة متمردين، وحدث ذلك غالبا بمساعدة مدفعية أجنبية، حسبما قال رئيس المعهد، جون تشيبمان.
ونقل التقرير السنوي عن المدير العام للمعهد، جون تشيبمان، قوله إن «عدد اللاجئين والنازحين في العالم جراء النزاعات المسلحة ارتفع من 33 مليون شخص في عام 2013 و43 مليونا في عام 2014 إلى 46 مليونا في منتصف عام 2015 بحسب المعطيات المتوفرة».
من جانبها، قالت أنستاسيا فورونكوفا، إحدى المساهمات في وضع التقرير، إنه «رغم تراجع عدد النزاعات المسلحة في العالم، إلا أن عدد الضحايا ارتفع كثيًرا».
مصطلح النزاعات المسلحة لفظ بديل لما كان يعرف بالحروب، وهي نوعان حسب التعريف القانوني؛ حروب دولية بين دول، وحروب داخلية، أو ما يعرف بالحروب الأهلية التي يمكن أن تتحول من نزاع مسلح داخلي إلى نزاع مسلح دولي عند تدخّل طرف دولي أجنبي فيه؛ على أن تقديم المساعدة المادية أو الدعم التكتيكي والاستراتيجي للأفرقاء لا يغيّر من الطبيعة القانونية للنزاع، بمعنى أنه يبقى نزاعا أهليا بنظر القانون الدولي وعلى هذا فما يحصل في سوريا واليمن والعراق وليبيا نزاع أهلي بغض النظر عن تدخل الدول الكبرى والصديقة وصراعها في هذه الدول.
(تقوم الحكومات والجماعات المسلحة، في شتى أنحاء العالم، بمهاجمة المدنيين بشكل روتيني... أظهرت القوى العظمى رغبة لئيمة بالتلاعب بالمؤسسات الدولية أو تطبيق معايير مزدوجة، وغالبا ما تقوم هذه الدول بتسليح القوات المعروفة بارتكابها لانتهاكات جماعية وتنكر مسؤوليتها عن المذابح. ويتغذى العنف المستمر على تظلمات عالقة نابعة من سنوات من النزاع المدمر يرافقه تقاعس عن محاسبة الجناة على ما يرتكبونه من انتهاكات خطيرة. ولهذا السبب فثمة حاجة ملحة إلى استحداث نظام صارم يحقق المساءلة)... هذا النص بين قوسين من موقع منظمة العفو الدولية.
يقول ابن خلدون "إن الأوطان الكثيرة العصائب قلّ أَنْ تَسْتَحكمَ فيها دولة". وهذا ما فعله الغرب ودوله في حالة دولة الخلافة العثمانية التي كانت تحكم هذه البلاد، فمسألة الصراعات الداخلية العربية لها جذور تاريخية تصب في دور القوى الخارجية الغربية على إثارة الفتن الداخلية، فأثيرت المسألة الشرقية التي انطوت على طرح امتيازات للطوائف المختلفة في المنطقة العربية، في إطار السعي الأوروبي لاقتسام الولايات الخاضعة للخلافة، وهذا يعني زيادة التدخلات الأوروبية بدافع المصالح التجارية والاستراتيجية في الدرجة الأولى، وإن اقتضت هذه التدخلات تحريك الطائفية والمذهبية والإثنية في فترة ما قبل سقوط الخلافة بقليل، وبعد مؤامرة هدم الخلافة بعد الحرب العالمية الأولى وتقسيم البلاد الإسلامية التي كانت جزءاً من دولة الخلافة وأصبحت دويلات تابعة سياسيا لنظام دولي غربي رأسمالي، وبدأت بذرة النزاع والشقاق فيما بين هذه الكيانات المصطنعة، ولاحقا فيما بين أهل هذه الكيانات، والتاريخ القريب شاهد على ذلك؛ فقد كانت سوريا والعراق على حافة المواجهة، والجزائر والمغرب، والكويت والعراق، وليبيا ومعظم الدول العربية، وأثيرت قضية الأمازيغ في الجزائر والأقباط في مصر والأكراد في العراق والشيعة في البحرين وهكذا.
وبعد أن بدأت الأمة تصحو من سباتها وظهر للغرب أن هذه النماذج من أنظمة الحكم غير مستقرة وانتهت صلاحيتها ولا تخدم مصالحه، ونتيجة للصراع الطبيعي بين الدول المؤثرة في المسرح الدولي، قام بافتعال الحروب وإشعالها؛ فكانت حرب العراق وإيران، ثم حرب الخليج، ثم أفغانستان وتلاها احتلال العراق مع كل ما رافق ذلك من إزهاق لأرواح المسلمين في هذه البلاد. وبعد ما سمي بالربيع العربي وتحرك الأمة لاستعادة سلطانها المغصوب، أشعل الفتن وأججها في كل البلاد التي تحرك فيها أهلها طلبا للانعتاق من ظلم أنظمة الجور والاستبداد، فليبيا ومصر واليمن والشام لا يزال أهلها يعانون وإن بدرجات مختلفة وأشكال مختلفة، فالقتل مستحر فيها وفي الشام أشد والرقم المذكور في التقرير ليس حقيقيا، فالعدد أكثر بكثير من 55 ألفا ولكن هذا الرقم الذي وصل رسميا لأصحاب التقرير، والدور الأمريكي في مأساة أهل الشام بالذات واضح ولا يحتاج إلى دليل، فأمريكا هي التي تقرر وتسمح بالدمار والقتل، وأفغانستان التي ذكرها التقرير، ازدادت فيها أعمال القتل والتفجير نتيجة الصراعات القبلية والعرقية التي تغذيها أمريكا وأخواتها في الإجرام من الدول الغربية، والتي يحاول التقرير ربطها بمغادرة القوات الدولية (إيساف) للبلاد، فالأمن والأمان بوجوده (الكفر) أو وجود من يمثله، والدمار والقتل سيزداد في حالة مغادرته للبلاد وتحررت البلاد من سطوته وجبروت عملائه.
رأيك في الموضوع