يتعجب المرء من عظم المؤامرات التي يحوكها الغرب ضد سعي الأمة الإسلامية للانعتاق من هيمنته عليها، بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، كتعجب رسول الله e من قريش، التي عادته وحاكت له المكائد وصدّت عن سبيل الله وعذّبت أصحابه... الخ، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: «يَا وَيْحَ قُرَيْشٍ! لَقَدْ أَكَلَتْهُمُ الْحَرْبُ، مَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ؟ فَإِنْ أَصَابُونِي كَانَ الَّذِي أَرَادُوا، وَإِنِ اللَّهُ أَظْهَرَنِي عَلَيْهِمْ دَخَلُوا فِي الإِسْلامِ وافِرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا قَاتَلُوا وَبِهِمْ قُوَّةٌ، فَمَا تَظُنُّ قُرَيْشٌ؟ فَوَاللَّهِ لا أَزَالُ أُجَاهِدُهُمْ عَلَى الَّذِي بَعَثَنِي اللَّهُ حَتَّى يُظْهِرَنِي اللَّهُ أَوْ تَنْفِرَد هَذِهِ السَّالِفَةُ».
يعلم مفكرو الغرب وسياسيوه يقينًا أن الإسلام عقيدة ينبثق عنها نظام، وأن حضارتهم أعجز من مواجهة الحضارة الإسلامية التي مصدرها الوحي، وليس العقل البشري الناقص والمحدود. لذلك فإنه كلما حاول بعض مفكري الغرب تحدي الحضارة الإسلامية بالحضارة الغربية، فإنهم سرعان ما ينهزمون ويميز الله الخبيث من الطيب. فبالرغم من تقدم الغرب المدني وانضباع كثير من المسلمين به، إلا أن المسلمين لم يرتدوا عن دينهم، ولم يتبعوا الحضارة الغربية، وظل تقليدهم للغرب محصورًا في التقدم المدني، الذي كانت الأمة الإسلامية مصدره، ولم يصل بهم الحال إلى التقليد الحضاري إلا بالقدر القليل الذي يجهله المسلمون، وما ذلك إلا لهشاشة أصل ذلك التقدم المدني وبطلانه، ألا وهو العقيدة العلمانية. وبالرغم من بطش الشيوعية، وتعقيد فكرتها ومحاولتها لتغليفها بالعدالة والمساواة، إلا أن المسلمين لم ينخدعوا بتلك الشعارات، والذين انخدعوا سرعان ما انفضوا عنها وعادوا إلى الإسلام ودخلوا فيه أفواجًا، فأصبح في روسيا القيصرية أكثر من 30 مليون مسلم، إضافة إلى جل سكان بعض الولايات السابقة في الاتحاد السوفيتي من المسلمين، الذين صدعوا بإسلامهم فور أن رفع بطش الاتحاد السوفيتي عنهم.
إن الغرب العلماني - كما كان الاتحاد السوفيتي سابقًا - يرقب حركة الأمة وانفعالاتها تجاه مبدئه، لذلك راح يمكر ويكيد بالأمة بطرق عدة، منها شراء ذمم بعض الذين اتخذوا الإسلام للتجارة ولجني المال، ممن سُموا زورًا وبهتانًا "دعاة"، وأسند إليهم مباشرة، ومن خلال الأنظمة السياسية القائمة في العالم الإسلامي، مهمة تضليل الأمة عن حقيقة دينها، بأنه ليست منه دولة وأنه دين عبادات وأخلاق، لا يتعدى الفرد إلى المجتمع والدولة، ففتح حكام الضرار في العالم الإسلامي والغرب في معقله لهؤلاء "المشايخ" المنابر والفضائيات، وحجزوها لهم وحدهم، من أجل مخاطبة المسلمين بالعبادات والأخلاق حصرًا، وإن تحدثوا عن غير ذلك، عن الحكم بالكتاب والسنة والسياسة والجهاد والانتصار لقضايا المسلمين...، فإنهم يطرحونها طرحًا معوجًا باهتًا لا يؤسس لفكر يُحدث تغييرًا في تلك القضايا، ولا نهضة عند الأمة، تماشيًا لما يصبو إليه الغرب من تحويل الإسلام بمفاهيمه: الجهاد، والكفاح، والصراع... إلى ما أسمَوه "بالإسلام المعتدل"، وهو بعيد كل البعد عن القسط والقوام الذي أمر به الإسلام، قال الحق سبحانه وتعالى: ﴿فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾.
لم يقتصر الغرب على استخدام العملاء السياسيين من الحكام الذي يحكمون الأمة بغير ما أنزل الله، ويبطشون بكل من يعمل للإطاحة بأنظمتهم، ولم يركن الغرب إلى هؤلاء الحكام في تنفيذ مخططاته في كثير من الأحيان، فكان يقوم بأعمال إجرامية، من قتل وتفجير وتشكيل حركات تقوم بأعمال إجرامية باسم الإسلام؛ ليضعف ثقة المسلمين بإسلامهم، وليحترز كثير من غير المسلمين ومنهم الغربيون من الدخول في الإسلام ومن مساندة قضايا المسلمين العادلة، ولتبرير الاعتداء على الأمة لسحق حركة نهضتها بالإسلام من خلال إقامتها لدولة الخلافة على منهاج النبوة. والوظيفة الرئيسية للسفارات الغربية في العالم الإسلامي وشركات القتل مثل شركة "بلاك ووتر" هي القيام بعمليات القتل والجرائم وإسنادها لحركات هي نفسها أوجدتها وموّلتها وغضت الطرف عن نشاطاتها حتى تقوم بالأعمال الإجرامية، أو يقوم الغرب بمثل تلك العمليات ويلصقها بهم، وطبعًا لتبعية تلك الحركات للغرب وجهلها في الإسلام والسياسة فإنها إما أن تتبنّى تلك الأعمال الإجرامية أو تستنكرها، والمحصلة هي محاولة تضليل العالم ومنه المسلمون بأن دين الهدى هو دين قتل وإجرام، وبأن ممارسات الغرب ضد الأمة مبررة لأنها ضد مجرمين، والعياذ بالله!
لقد عمد الغرب إلى إثارة الغرائز البشرية بإثارة النعرات الوطنية والمذهبية والقومية، حتى يفرّق الأمة ويشغلها في نفسها عوضًا عن توحدها في وجه عدوها الذي يتربص بها وهو الغرب، فإضافة إلى تبنّي الأنظمة العميلة القائمة في العالم الإسلامي لفكرة القومية والوطنية في بناء أشباه الدول التي يحكمونها، فإن الغرب قام بأعمال كثيرة لإثارة تلك النعرات، من مثل التفجيرات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية التابعة له ولعملائه من الحكام، والتي تأخذ الطابع المذهبي أو الوطني.
إن السبيل لإحباط تلك المكائد التي يحوكها الغرب ضد الأمة مغبة انعتاقها وإقامة دولتها، دولة الخلافة على منهاج النبوة، هو العمل مع العاملين لهذه الغاية النبيلة، مع حزب التحرير الفقيه بالإسلام عقيدة ونظامًا، والمدرك للخبايا السياسية ومكائد الكفار، لتتعاظم مسيرة الأمة نحو إقامة الخلافة على منهاج النبوة، التي ستضع حدّا لمكائد الغرب وتحبطها.
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾
رأيك في الموضوع