أوردت وكالات الأنباء العالمية تفاصيل خفايا الاتفاق الذي تم بين ممثلين من جيش الفتح في ريف إدلب وبين الوفد الإيراني ممثلاً عن النظام القاتل في سوريا وبضمانة من الأمم المتحدة، ومما جاء فيه أن الاتفاق يمر بمرحلتين تبدآن بإخراج المقاتلين من الزبداني مع عائلاتهم بعد تدمير أسلحتهم الفعالة التي أذاقت النظام وأحلافه في إيران ولبنان أشد الويلات، وتنتهي بإخراج المقاتلين من وادي بردى كله بما فيها بقين ومضايا، وهو تسليم تام للمناطق التي تمد دمشق بأسباب الحياة والتي أذاقت الويل والثبور لبشار ونظامه فيها. هكذا يُكافأ النظام بعد سنوات من حصاره الإجرامي للغوطة عامة ولوادي بردى خاصة وبعد أن استعصت عليه وأصابه فيها الوهن والضعف وشارف على الانهيار، يُكافأ بسحب الثوار وتدمير أسلحتهم وبخروج ذليل لهم ورميهم في أقاصي البلاد حيث لا أهمية لوجودهم هناك وبتسليم المناطق كلها لإيران وروسيا في خطوة تسجل نصراً واضحاً لنظام بشار المتهالك. هذا ناهيك عن أن هذا النظام الآثم الذي خبره أهل الشام لا يفاوض ولا يهادن إلا عندما تنكسر شوكته فيقبل ليغدر بعدها، وتاريخه القذر يشهد عليه بذلك. ولا شيء يمنعه من اعتقال الآلاف من المدنيين بعد أن يفرج عن بضع مئات منهم.
والمدقق في تفاصيل الاتفاق الذي تم برعاية تركية وبضمانة من الأمم المتحدة التي ستشارك في لجنة الارتباط المولجة بالتنفيذ يجد نفسه أمام نسخة مصغرة من اتفاق جنيف الذي أعاد دي ميستورا صياغته بمبادرته الداعية الى الانطلاق من هدن محلية تنمو لتؤدي إلى هدنة كبرى هي الحل السياسي الذي فصل في واشنطن. وبالتالي فهذه الهدنة عمليا هي تنفيذ للحل الأمريكي باتباع سياسة "خطوة خطوة" خلال سيرها لإيجاد البديل، بعد أن عجزت أمريكا عن فرض حلها القاتل دفعة واحدة لعدم نضج البديل العميل التالي لعميلها الحالي!
لا نريد هنا الدخول في إصدار تصنيفات من مثل الخيانة والانهزامية وما شاكل ذلك من النعوت، فالواقع شهد بالصمود البطولي لأهالي الزبداني وضواحيها والمقاتلين الصادقين الذين أعجزوا الماكينة الحربية لأمريكا التي ترفع شعار المقاومة والممانعة، ولكن لا بد من طرح تساؤلات محددة تسلط الضوء على حقيقة المكر الذي تمكره الدول الإقليمية (وعلى رأسها السعودية وتركيا) وتنفذه الأدوات المحلية في أوساط الثوار:
- لقد صدرت مناشدات عديدة من ثوار الزبداني لسائر إخوانهم في الجبهات من جيش الإسلام في الغوطة، إلى جيش الفتح في إدلب بالمسارعة لنجدتهم قبل فوات الأوان بالعمل على كسر الحصار الخانق الذي فرض عليهم. وقد تذرع زهران علوش في رده على مناشدة الشيخ أحمد الصياصني له بعجزه عن نصرة الزبداني، مع أنه لاحقا، وبعد أن فات الأوان، قام بحركة تجميلية سماها معركة "الله غالب" ليغطي عورته بصمته القاتل عن نجدة الزبداني... والكل يعلم أن لديه من القوة والقدرة ما يمكنه من كسر الحصار على الزبداني لو أراد ذلك.
- وكذلك تباطأ جيش الفتح في إدلب عن القيام بعمل عسكري حاسم قادر على تهديد الساحل معقل نظام الأسد، ولو فعل لانتهت معركة الزبداني بانسحاب القوات الغازية للدفاع عن الساحل وهذا ما لم يحصل. وما قام به من تكثيف الهجمات على الفوعة وكفريا لم يكن أكثر من ورقة تفاوضية الغرض منها كان تكريس الدور السياسي المهيمن وتقديم حركة الأحرار أوراق اعتمادها شريكا فاعلا في الصفقات السياسية للمشاركة لاحقا في تنفيذ كامل مبادرة دي ميستورا.
أيها المسلمون في ثورة الشام ثورة الأمة الإسلامية!
نعم لقد خذلتكم جيوش المسلمين بعد أن خذلكم حكامهم، وقد تقاعس غالب المسلمين عن نصرتكم فلم تتابع ثورات الأمة التي انطلقت في ربيعها فحملتم مشعلها وأي حمل حملتموه، إنه حملٌ لراية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تشرفتم برفعها ورفع شعارات أصبحت ثوابت عند الأمة فحواها "الموت ولا المذلة" و"يا الله ما لنا غيرك يا الله"، لكن هذا كله في كفة وأن الله معكم وهو ناصركم من حيث لا تحتسبون هو في كفة أخرى. ألا يكفيكم أن الله معكم وهو ناصركم؟ ألا يكفيكم أن الله مع الصابرين وأنتم منهم بإذن الله؟
أيها الثوار المخلصون المرابطون في الزبداني وما حولها:
أَذُلٌّ يغضب الرب بعد عزّ يرضيه سبحانه وتعالى؟! لقد أذهلتم العالم كله بثباتكم وانتصاراتكم، واحتارت رأس الكفر أمريكا بكم وبصمودكم، فأرسلت عليكم أدواتها تترى، من إيران وحزبها في لبنان وعصائبها في العراق حتى جيش روسيا، فلم يفتوا في عضدكم ولم يوهنوا عزيمتكم، رغم ضعفكم وقلة حيلتكم إلا أن الله ثبتكم ونصركم وأفشل أعداءكم. فصارت الزبداني أسطورة تؤرق إيران وحزبها في لبنان، وهي كلها تباشير نصر لثورة الأمة في الشام. فلا يغرنكم مَنْ زعم أنها هدنة يقبل بها الإسلام ولا من افترى على رسول الله، الذي جاهد في الأمة حق جهاده بأنْ زعم أنها كصلح الحديبية - تعالى الله ورسوله عن ذلك علواً كبيراً -، فماذا بكم أيها الثوار لو فوضتم أمركم إلى الله وحده وصبرتم وصابرتم بعد أن أراكم الله آيات من التثبيت والنصر في صمودكم وثباتكم؟ فما هذه الهدنة إلا تثبيت للنظام وتسليم أرض الشهداء في الغوطة له بثمن بخس. فانبذوا هذه الهدنة الخيانية واتقوا الله في أمتكم وسطروا صفحات بيضاء بثباتكم وعدم تنازلكم واعلموا أن النصر من عند الله وحده. وخذوا على أيدي هؤلاء اللاهثين وراء سراب دي ميستورا وسادته في البيت الأبيض، وانصروا دين الله ينصركم، ولا يهولنكم شياطين الإنس والجن والمرجفون الذين يحاربونكم بسيف أمريكا وعملائها، واتبعوا قول الحق: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾.
﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾
رأيك في الموضوع