دعت القمة العربية التي عقدت الخميس 16/5/2024م في البحرين في البيان الختامي لها إلى العمل على نشر قوات حفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة، في "الأراضي الفلسطينية" تعمل على حماية المدنيين إلى حين تنفيذ حل الدولتين. ووجَّه القادة العرب دعوة جماعية لعقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة، لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، ووفقاً لقرارات الشرعية الدولية، للعيش بأمن وسلام إلى جانب كيان يهود. ودعت الدول إلى وقف فوري للحرب، وانسحاب جيش كيان يهود من جميع مناطق القطاع، وتقديم المساعدات الإنسانية. ودعا البيان كافة الفصائل الفلسطينية للانضواء تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية التي اعتبرتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
إن الناظر في قرارات القمة العربية يجد أنها مزيج من الخذلان والخيانة، فحيث مظنة المساعدة والتقديم، اكتفى هؤلاء الرعاع بالدعوة إلى تقديم المساعدات الإنسانية ووقف الحرب وانسحاب جيش يهود من القطاع، وكأن جل ما يحتاجه أهل غزة هو إذن أو موافقة هؤلاء الرعاع، وبعدها ستذلل كل الصعوبات!!
وأظنهم هم أنفسهم يدركون أن هذه الدعوات لن تغادر جدران قاعتهم التي اجتمعوا بها، وما أطلقوها إلا من باب رفع العتب والتزاما ببروتوكولات القمم الهزيلة، تماما كما يخاطبون أنفسهم داخل القمة بأصحاب الجلالة والفخامة والمعالي، وهم يدركون أنهم ليسوا أكثر من إمعات وأتباع للمستعمر الأمريكي والبريطاني والأوروبي، وما أدوارهم إلا التنفيذ والتفاني فيه تحت عنوان "حاضر سيدي"، ولكنهم أمام الكاميرات والحواشي يبدؤون كلماتهم بتلك الألقاب والمسميات التي ليس لهم منها نصيب، وكذلك الأمر فيما يتعلق بدعواتهم التي أطلقوها فيما يتعلق بوقف الحرب وإدخال المساعدات، فهم يدركون أنها مجرد كلمات تخرج من أفواههم ليلتقطها إعلامهم ويرددها دون جدوى أو قيمة.
فوقف الحرب وإنهاء الاحتلال وإدخال المساعدات يتطلب تحرك القوى والجيوش الرابضة في ثكناتها في بلاد المسلمين، وهي القادرة على خلع الاحتلال من جذوره خلعا، وتحرير فلسطين، وإغاثة أطفال غزة ونسائها ورجالها، وهم، أي الحكام، يعرفون هذه الحقيقة، ولكنه الخذلان والخوار الذي بات جزءاً من شخصيتهم وأنظمتهم، ولا يتصورون لهم دور في ذلك، بينما هم يعرفون في مقامات أخرى ومنازل غير البطولة والشهامة كيف يحركون تلك الجيوش ويستنفرون القوات، لحماية عروشهم أو مشاريعهم الاستبدادية أو لتلبية أوامر أسيادهم في واشنطن ولندن وباريس!
أما العمل الأبرز والفعال الذي قام به هؤلاء الإمعات في قمتهم فهو مواصلة مشوار تعزيز الخيانة والتفريط، فهم عادوا وأكدوا على المشروع الأمريكي المسمى بحل الدولتين لتصفية قضية فلسطين، وهو الذي يعني منح ثلاثة أرباع فلسطين لقمة طرية سائغة لكيان يهود مقابل دويلة هزيلة بلا سيادة ولا سلطان على أقل من ربع مساحة فلسطين، بل ووفق الرؤية الأمريكية المتطورة، فإن المقصود بالدويلة الهزيلة هو شكل دولة، بلا قوة ولا جيش ولا حدود حقيقية، بجانب دولة قوية ليهود معترف بها ومطبَّع معها، وتحيا بسلام ووئام مع بلاد المسلمين.
وإلى حين تحقيق هذا المشروع الخياني فقد دعا هؤلاء الحكام الإمعات إلى احتلال إضافي لفلسطين، إذ دعوا إلى نشر قوات احتلال دولي لفلسطين، تحت مسمى القوات الدولية وقوات حفظ السلام، لتصبح فلسطين بذلك تحت براثن يهود وأمريكا وبريطانيا وكل دول الاستعمار المجرم الخبيث، لتجتمع على فلسطين وأهلها قوى الشر ومخططات الاستعمار والإفساد والفساد.
وحثوا الفصائل والحركات الفلسطينية على الانضواء والعمل تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية التي أخذت على عاتقها التفريط بفلسطين وإعطاء الشرعية الكاملة ليهود في الأرض المباركة فلسطين، وأكدوا على ضرورة الالتزام بقرارات الشرعية الدولية التي شهد القاصي والداني على أنها لا تعني سوى خدمة الاستعمار والاحتلال وتثبيت أركانه.
وبالنسبة لهؤلاء الحكام، فهم إمعات أتباع لأمريكا والغرب، فهم يكررون ما تقوله أمريكا دون الحاجة حتى ليقترحوا خطوات فعلية للتنفيذ، فأمريكا نفسها لم تعد متشجعة أو مستعجلة على حل الدولتين، على الأقل في القريب المنظور، وإنما أقصى ما تريده هو بقاء حل الدولتين هو المشروع المتاح والقابل للتنفيذ في المستقبل كحل للصراع، لأنه هو الحل الذي يراه الأمريكان يحفظ كيان يهود ويرسخ جذوره في وسط بلاد المسلمين، ويحقق لأمريكا والغرب أهدافهم الاستعمارية بعيدة المدى في المنطقة، كونه يحافظ على بقاء يهود خنجرا مسموما في خاصرة الأمة، وقاعدة متقدمة للغرب في بحر بلاد المسلمين، حتى إذا ما جد الجد وحانت ساعة المواجهة مع الأمة الإسلامية، وجد الغرب كيان يهود قاعدة قوية ومتقدمة ينطلقون منها لمواجهة الأمة ومارد الإسلام العظيم.
وعند الأمريكان صناع القرار وأصحاب الأوامر على حكام العرب، فإن مسألة شكل الدولة الفلسطينية الموعودة وطبيعتها وتفاصيلها ليست مقدسة عندهم، بل بات قادة أمريكا يتحدثون عن أي شكل من أشكال الدول، ولو كان بالطبع هزيلا فارغا من مضمونه طالما يحقق مصلحة يهود والغرب المستعمر، والحكام بدورهم يواصلون العزف على السمفونية الأمريكية نفسها في كل لقاء لهم أو محفل من محافلهم النجسة.
وعلى الجانب الآخر، يبقى يهود وأهل فلسطين والأمة الإسلامية، ...
فيهود لطبعهم المنصوص عليه في القرآن؛ الجشع والطمع، ولقصر نظرهم المبني على جشعهم، فإنه لم يعد أكثرهم يقبل بهذا المشروع، بعد أن ظنوا أن بإمكانهم ابتلاع فلسطين كلها حاليا وما بين النهرين لاحقا، لذلك هم ماضون في عرقلة مشروع حل الدولتين وفرض وقائع في غزة والضفة تجعل من الحل صعبا أو مستحيلا.
وأما الأمة الإسلامية وأهل فلسطين، فهم خاصة بعدما شاهدوا أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر وما تلاها من صمود أسطوري لثلة من المجاهدين، رغم تكالب كل قوى الكفر والاستعمار عليهم، فإن ذلك أحيا فيهم حب الجهاد والاستشهاد، وجعل النظرة إلى التحرير الكامل لفلسطين أنها مسألة ممكنة وسهلة، فقد ذهبت الغشاوة وتحطم جدار الصمت والوهن، وبان وانكشف ما كان محروسا بهالة القوة التي لا تقهر، فأدرك المسلمون أنهم أقوياء بربهم، وأن مسألة التحرير مسألة وقت وإرادة، ولمس المسلمون مدى حاجة فلسطين والأمة لتحرك ثلة من المخلصين من أهل القوة لقلب عروش الحكام، حماة يهود والاستعمار، وتنصيب خليفة راشد يوحد الأمة ويقودها نحو النصر والتحرير.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع