أعلنت حركة حماس، في بيان مساء السبت، أنها سلمت الوسطاء المصريين والقطريين ردها على اقتراح هدنة مع كيان يهود في قطاع غزة. وشددت الحركة على "التمسك بمطالبها ومطالب الشعب الوطنية التي تتمثل بوقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب الجيش من كامل قطاع غزة، وعودة النازحين إلى مناطقهم وأماكن سكناهم، وتكثيف دخول الإغاثة والمساعدات، والبدء بالإعمار". وهو ما عده كيان يهود بمثابة رفض للهدنة، وهكذا بعد ست جولات من المفاوضات الماراثونية بدأت في نهاية كانون الثاني/يناير الماضي، لم ينجح الوسطاء في مصر وقطر والولايات المتحدة في الوصول إلى اتفاق بين حركة حماس وكيان يهود، وسط تمسك كلا الطرفين بمطالبهما، ورفضهما تقديم تنازلات.
وهكذا يمكن لأي مراقب ومتابع للأحداث والتصريحات المتعلقة بمباحثات التهدئة في قطاع غزة أن يلحظ حرصا أمريكياً ويهودياً كبيرين على التوصل إلى اتفاق هدنة يتم خلاله تبادل للأسرى، في مقابل إصرار حركة حماس على شروطها المفصلية التي إن بقيت متمسكة بها ستفشل مساعي أمريكا ويهود للانتصار الحاسم في الحرب على غزة.
فأمريكا المتوحشة وربيبتها كيان يهود إنما يريدون خطوة الهدنة لإنقاذ ما تبقى من الأسرى أحياء قبل أن يموتوا أو يذهب مصيرهم إلى المجهول بعد العملية المقررة في رفح، وهذا هدف ليس بسيطا لدى يهود وأمريكا الداعمة لهم، لأنه بمثابة دليل انتصار للمغضوب عليهم في الحرب على غزة، فهم لا يريدون أن تنتهي المجازر الوحشية التي شنها يهود وأمريكا على أطفال ونساء وشيوخ غزة بالدمار والدماء والإبادة دون إنقاذ الأسرى، فيفشلوا في تحقيق الهدف الذي يعتبرونه أحد ثلاثة أهداف للحرب منذ بدايتها، لأن من شأن ذلك أن يعمق تراجع شعبية بايدن وإدارته لدى الناخب الأمريكي، ويرسخ الصورة اللاأخلاقية واللاإنسانية التي انتشرت عالميا عن الإدارة الأمريكية وسلوكها في الحرب على غزة.
والفشل في استعادة الأسرى أو بعضهم أحياء سيتسبب في إحراج نتنياهو كثيرا لدى الشارع اليهودي، وسيؤدي إلى تراجع شعبيته أكثر وأكثر، هو ومن معه في مجلس الحرب الذي يشد على يديه منذ بداية الحرب، وستكون صورتهم حتى لو تمكنوا من إنهاء حكم حماس واجتياح رفح وتفكيك خلايا المقاومة بأنهم عجزوا عن استعادة أبنائهم أحياء كما وعدوا، رغم تفوقهم العسكري وتلقيهم كل الدعم الدولي والعالمي، فتشكل نتيجة الحرب انتكاسة لدى نتنياهو ومجلس حربه، خاصة أن نهاية الحرب لن تعني نهاية المقاومة والمجاهدين، فتفكيك الخلايا وتدمير الأنفاق وقتل القادة لن يعني ذلك استتباب الأمن وعودة الهدوء، فهذه مسألة حتى ينجحوا فيها - لا سمح الله -، هم بحاجة إلى سنوات وسنوات، لأن الجهاد لدى المسلمين ليس حركة أو تنظيماً، بل فكرة، ستبقى لدى كل المجاهدين لتعلقهم بربهم وإيمانهم بعقيدتهم، ولن تنتهي ما دام القرآن موجودا، نعم قد تتراجع وتضعف ولكنها لن تنعدم ولن تنتهي، وهذا ما سيعكر صفو النصر وزهو الانتصار على نتنياهو ومجلس حربه.
ولذلك هم يستميتون في التوصل إلى هدنة وتهدئة تؤول إلى إنقاذ الأسرى أو ما تبقى منهم، ولكنهم لا يريدون أن يكون ثمن ذلك هزيمتهم في العجز عن الانتصار في الحرب.
وهو الثمن الذي تطلبه حماس، فحماس تضع شرط وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب الجيش من كامل قطاع غزة، وتشترط لذلك دولا ضامنة، وهذا الشرط يعني بالنسبة إلى يهود وأمريكا هزيمتهم في غزة، لأنه يعني عدم القضاء على المقاومة وحماس في غزة، وبذلك تعود أمريكا ويهود بعشرات الآلاف من الشهداء والجرحى وآلاف المجازر في رصيدهما دون أن يحققوا الهدف الذي من أجله شنوا الحرب، وهو سيعني بالنسبة لهم الهزيمة مهما حاولوا حينها أن يظهروا الإنجازات.
ولذلك تقوم استراتيجية يهود على مواصلة القتل والدمار وتضييق الخناق، وهم صرحوا بذلك، ليمارسوا الضغط على حماس وقادة المقاومة للتنازل في المفاوضات.
وتقوم استراتيجية أمريكا بممارسة الضغط على من يسمون بالوسطاء كمصر وقطر لممارسة مزيد من الضغوط لتقبل حماس بالتنازل، وفي موازاة ذلك تواصل أمريكا توفير الغطاء الدولي والأممي ليهود لمواصلة جرائمهم وحربهم، وتواصل البحث عن خيارات وبدائل لتكون الملجأ في حال فشلت الخطة الأصلية، من مثل ما تردد من خيارات مطروحة لإكمال مشروع تصفية المقاومة في غزة، كتسليم قطاع غزة إلى قوات من حلف شمال الأطلسي أو إلى قوات عربية من مصر والإمارات والأردن، مع السيطرة على محور فيلادلفيا وضمان إغلاق ما تحته من أنفاق.
وعلى ما يبدو فإن حماس وقادة المقاومة يدركون هذا الأمر ويعرفون أنهم إنما يستدرجونهم إلى حتفهم، ولذلك هم متمسكون بشروطهم المفصلية التي تحول بين يهود وأمريكا وبين ما يريدون من نتيجة للحرب، وفي سياق الإصرار والتمسك بالشروط نفهم ما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال، السبت، أن القيادة السياسية لحركة حماس تبحث احتمال نقل مقرها إلى خارج قطر، وذلك مع تزايد ضغوط أعضاء الكونغرس الأمريكي على الدوحة بشأن الوساطة التي تقوم بها بين كيان يهود والحركة. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين عرب قولهم إن الحركة تواصلت في الأيام الأخيرة مع دولتين اثنتين على الأقل في المنطقة، إحداهما سلطنة عمان، بشأن ما إذا كانتا منفتحتين على فكرة انتقال قادتها السياسيين إلى عواصمهما.
فهدف أمريكا ويهود من الهدنة يبدو أنه بات واضحا لدى حماس وقادة المقاومة ولذلك هم يسربون أخباراً عن مسألة مغادرة قطر حتى يُسقط في يد أمريكا ويهود، وتعفي قطر من المسؤولية.
وفي الوقت نفسه تحاول حماس تقديم أطروحات لعل أمريكا تقبل بها وتتراجع عن مخططها، فقد صرح إسماعيل هنية للأناضول: "نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية إذا كانت تساعد شعبنا على التحرر لا أن توفر حماية للاحتلال"، وهو ما يعني القبول بأحد البدائل التي تبحثها أمريكا منذ فترة لتكون نهاية للحرب في حالة عدم القدرة على حسم المعركة حسما فاصلا.
لذلك حماس وقادة المقاومة متمسكون بورقة الأسرى وثبات الأهل في غزة على أرضهم لأنهم يعلمون أنها أوراق القوة التي بأيديهم بعد أن خذلهم القريب والبعيد، وتخلى عنهم كل دعاة المقاومة ووحدة الساحات وحب فلسطين، وعلى رأسهم إيران التي أرسلت مئات الطائرات المسيرة والصواريخ من أجل بضعة نفر من رجالها بينما لم ترسل شيئا من أجل 34 ألف شهيد، و75 ألف جريح! وكذلك أردوغان يرسل الأغذية والملابس والقنابل ليهود بينما يرسل لنا الجعجعات والكلام الفارغ.
هذا ما يمكرونه بغزة وأهلها ومجاهديها، ولكن الله يمكر بهم، ولعل مشاهد القتل والدمار والإجرام يطفح بها الكيل فتحرك أهل النخوة والقوة في جيوش المسلمين، لينصروا إخوانهم المستضعفين في غزة وفلسطين، ويحرروا أقصاهم ومسرى نبيهم محمد ﷺ، ويقيموا الخلافة الثانية على منهاج النبوة، تشفي صدور قوم مؤمنين.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع