إن زيارة الجنرال المتقاعد بيني غانتس عضو مجلس الحرب ورئيس "حزب الدولة" إلى الولايات المتحدة تعني سياسيا الكثير من النقاط المهمة التي ينبغي الوقوف عليها بدقة. وقبل الحديث عن الزيارة لا بد من وضع النقاط على الحروف في نقاط يجب ألّا تغيب عن الذهن في بيان وتحليل علاقة يهود بالولايات المتحدة وهي:
- الولايات المتحدة أول دولة اعترفت بكيان يهود كدولة مستقلة في 14 أيار/مايو 1948 عندما أصدر الرئيس هاري ترومان بيان اعتراف عقب إعلان ما يسمى بالاستقلال، فقد جاء في تقرير لجنة الخبراء الأمريكية إلى الرئيس ويلسون في 12 كانون الثاني/يناير 1919م حول فلسطين واستيطان اليهود فيها ما يلي: ([7] توصي اللجنة بإنشاء دولة منفصلة في فلسطين تحت الانتداب البريطاني، ويتم توجيه الدعوة إلى اليهود للعودة إلى فلسطين والاستيطان فيها وتقديم جميع المساعدات اللازمة والتي لا تتعارض مع الحفاظ على حقوق السكان من غير اليهود)، هذا من حيث النشأة.
- العلاقة بين كيان يهود والولايات المتحدة الأمريكية، وأهم ما فيها:
* البعد الاستراتيجي: فكيان يهود مشروع غربي أُقيم لأهداف سياسية، وهذا الكيان تتولاه الآن الدولة الأولى عالميا لأهدافها العالمية والإقليمية في منطقة استراتيجية خطيرة وهو في النشأة كيان تابع لإرادة من يدعمه (كيان وظيفي) والأصل ألّا يخرج عن أهداف نشأته.
* البعد العقدي: حيث يؤمن البروتستانت بالعهد القديم، بل إن مؤسس المذهب ألف كتابا أسماه (المسيح ولد يهودياً) ودافع فيه عن اليهود حتى قال: "اليهود هم الأسياد وهم أبناء الرب وما نحن إلّا عبيد تأكل فتات مائدتهم"، لذا ينظر البروتستانت إلى اليهود نظرة تختلف عن الكاثوليك ذات النظرة التاريخية العدائية، ومعلوم اضطهاد النصارى الكاثوليك لليهود في أوروبا ولجوؤهم للأندلس التي كانت تحت الحكم الإسلامي ثم لجوؤهم بعد سقوط الأندلس إلى الدولة العثمانية.
هاتان قضيتان لا ينبغي عند الحديث عن العلاقة بين أمريكا وكيان يهود إغفالهما.
من هنا يفهم وبدقة أن أي خلاف بين الطرفين لن يكون على بقاء المشروع الغربي، فالكيان مشروع استراتيجي غربي وُجد ليبقى ولأهداف معينة، وقد ظهر في حرب غزة كيف تجمع الغرب كله لحماية يهود.
وقد يكون الخلاف مع أشخاص كما هو الحال مع نتنياهو وبعض اليهود الذين يعطلون المشروع الأمريكي أو قد يخرجون عن الخط المرسوم لهم في استراتيجية أمريكا في المنطقة ما قد يهدد الأمن القومي الأمريكي، لكنه ليس خلافا على المشروع ولا على اليهود.
ومن هنا ننطلق في فهم زيارة غانتس لأمريكا.
أولا: إن زيارة غانتس حدثت بدون موافقة رئيس وزراء الكيان بل رغما عنه، فسفير يهود في واشنطن، مايكل هرتسوغ، تلقى تعليمات من مكتب نتنياهو بعدم التعامل مع زيارة غانتس. وهو ما يشير إلى عدم موافقة نتنياهو على ذهابه إلى واشنطن. وهذا يدل على مدى الانقسام الداخلي بين الطرفين حيث وصل إلى حد تحدي رئيس الوزراء وإجراء محادثات بعيدا عن الحكومة المنتخبة.
ثانيا: إن برنامج الزيارة (وهو التقاء إدارة لجنة الشؤون العامة الأمريكية (الإسرائيلية) ورئيسها التنفيذي هوارد كوهر، وكذلك منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط وأفريقيا بريت ماكغورك، ونائبة الرئيس كمالا هاريس، ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، ومع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن)، هذه الزيارة ليست مع شخص الرئيس فهي ليست مفاوضات بل قرارات تنفيذية ليست محل نقاش، وهذا معلوم في البرتوكولات الأمريكية.
ثالثا: هذه الزيارة رسالة لشخص نتنياهو أنك شخص غير مرغوب فيك وأن الولايات المتحدة تبحث عمن يقود دفة القيادة لكيان وظيفي ملتزم بسياسات أمريكا وهو غانتس، وقبل الانتخابات دعمت أمريكا نجاح حكومة لابيد وهذا معلوم، وقد قالت صحيفة هآرتس اليهودية إن دعوة الإدارة الأمريكية للوزير في حكومة الحرب بيني غانتس لزيارة واشنطن، هي "رسالة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو". وذكرت أن "اجتماع غانتس مع مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في ذلك الوقت وكان في حينها مجرد رئيس لحزب معارض، بعث برسالة واضحة إلى نتنياهو والمؤسسة السياسية (الإسرائيلية) والشرق الأوسط الكبير على حد سواء، مفادها أن هذا هو الرجل الذي يعتقد الرئيس جو بايدن أنه قادر على المساعدة في وضع (إسرائيل) على المسار المتوافق مع أهداف السياسة الأمريكية".
أما لماذا لا يطرد نتنياهو غانتس من مجلس الحرب وهو يملك قانونيا صلاحية طرد أي وزير لا يلتزم بمواقف الحكومة؟ فلأنّه يخشى العواقب المتمثلة في زيادة التوتّر مع المؤسسة الأمنية، وكذلك يحسب نتنياهو ألف حساب لإمكانية اندلاع احتجاجات واسعة ومؤثّرة تطالب بانتخابات سريعة. وأكثر ما يُرعبه هو أن تؤدّي مثل هذه الإقالة إلى المزيد من ارتفاع شعبية غانتس العالية أصلا في كل الاستطلاعات، بل هو يريده أن يستقيل ويترك الحكومة، ليسهل بعدها اتهامه بالهروب من المسؤولية وتفضيل المصلحة الشخصية والحزبية على أداء واجب المشاركة في الدفاع عن الدولة وهي في حالة حرب.
إن طوفان الأقصى قد قض مضاجع الكفر ووضع كيان يهود على المحك، فاجتمع الغرب كله وأدواته لحماية هذا الكيان من حكومة متعجرفة لا تدرك المخاطر الحقيقية لوجود كيان منبوذ من أمة عقائدية تعمل لتحقيق بشارة رسولها ﷺ، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تُقاتِلُوا اليَهُودَ، حتَّى يَقُولَ الحَجَرُ وراءَهُ اليَهُودِيُّ: يا مُسْلِمُ، هذا يَهُودِيٌّ وَرائي فاقْتُلْهُ»، وفي رواية أخرى في صحيح مسلم قال ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ».
رأيك في الموضوع