اختتم وزراء خارجية ومالية دول مجموعة العشرين اجتماعاتهم يوم الخميس 28/02/2024 في مدينة ساو باولو البرازيلية دون إصدار بيان ختامي مشترك جراء وقوع انقسامات حادة بين الأعضاء بسبب الاختلاف حول ما أطلق عليه بالأزمات (الجيوسياسية)، وشدّدت البرازيل التي تترأس مجموعة العشرين في دورتها الحالية على اعتبار أنّ الحلول المطلوب تمريرها للمجموعة ذات الاقتصادات الأكبر في العالم ليس مكانها هذا المنتدى كحل الخلافات بشأن الحربين في أوكرانيا وغزة، وقال وزير المالية البرازيلي فرناندو حداد في مؤتمر صحافي: "لم يتسنّ التوصل إلى بيان ختامي للخروج من المأزق وهو كالعادة يتعلق بالنزاعات الجارية"، ولفت الوزير البرازيلي إلى أنّ "الخلافات التي دارت خلال اجتماع وزراء الخارجية لمجموعة العشرين الذي بحث الصراعات الإقليمية قد أفسدت محادثات المسار المالي والجهود المبذولة للتوصل إلى بيان مشترك".
وقد تأسست مجموعة الــ20 التي تضم أكبر الاقتصادات في العالم سنة 1999، وكانت وقتذاك مجرد منتدى اقتصادي هامشي تتلقّى التوجيهات الاقتصادية والمالية من مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى وهي: أمريكا واليابان وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا، وكان الهدف من إنشائها في الأصل مُساعدة الدول السبع في تنظيم العلاقات الاقتصادية والمالية في العالم، ومواجهة التضخم والمديونية للدول الكبيرة الحجم من خارج مجموعة السبع لمنع وقوع هزات اقتصادية كبرى قد تتسبّب في انهيارات اقتصادية لتلك الدول كبيرة الحجم كإندونيسيا والمكسيك والبرازيل والأرجنتين، والتي بدورها قد تتسبّب في وقوع أزمات اقتصادية عالمية تضر بمصالح الاقتصاد العالمي، وبمعنى آخر تضر بمصالح الدول السبع الصناعية الكبرى.
وقد تمّ اختيار أكبر تسعة عشر اقتصاداً تُمثّلها تسع عشرة دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي ليكتمل العدد بذلك إلى العشرين، فتمّ توزيع واختيار تلك الدول من جميع المناطق والقارات، فمن أوروبا الغربية تمّ اختيار ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، ومن أوروبا الشرقية تمّ اختيار روسيا، ومن أمريكا الشمالية تمّ اختيار الولايات المُتحدة وكندا والمكسيك، ومن أمريكا الجنوبية تمّ اختيار البرازيل والأرجنتين، ومن شرق آسيا تمّ اختيار الصين واليابان وإندونيسيا وكوريا الجنوبية، ومن جنوب آسيا تمّ اختيار الهند، ومن غرب آسيا تمّ اختيار السعودية وتركيا، ومن القارة الأفريقية تمّ اختيار دولة جنوب أفريقيا فقط، ومن قارة أوقيانوسيا تمّ اختيار أستراليا.
وتمثل مجموعة العشرين الآن أكثر من 80% من الناتج الإجمالي العالمي، وثلاثة أرباع التجارة العالمية، وثلثي سكان العالم، وتمّ في هذه الدورة إضافة الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين ليصبح العدد واحداً وعشرين اقتصاداً.
وطغى على اجتماعات هذه القمّة، سواء على مُستوى وزراء المالية أم على مُستوى وزراء الخارجية، موضوع حرب غزة، وانفردت أمريكا عن سائر الأعضاء برفضها إيقاف إطلاق النار في غزة، بينما أصرّ الباقون على ضرورة ذلك، فأفسدت أمريكا أجواء المُحادثات بموقفها هذا، وتمّ توجيه انتقادات لاذعة ومتكرّرة لأمريكا خلال اجتماعات وزراء خارجية مجموعة العشرين على مدار يومين، فظهرت أمريكا كدولة معزولة في المؤتمر.
وبدأ وزير الخارجية البرازيلي ماورو فييرا الاجتماع بالتنديد بـما أسماه بـ"الشلل" في مجلس الأمن الدولي نتيجة استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرار ثالث لوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وأشار إلى أنّ "حالة التقاعس هذه تؤدي إلى خسائر في الأرواح البريئة".
وعرض وزراء الخارجية في الاجتماع الوزاري مواقفهم المُتباينة من القضايا الجيوسياسية وخاصة الحرب في غزة، وتناقضت مواقف وزيري الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والروسي سيرجي لافروف في مسألتي حرب غزة وحرب أوكرانيا، وخرجت أستراليا بموقف مُختلف ومُتناقض مع الموقف الأمريكي في مسألة الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة بالرغم من كونها حليفاً تقليدياً وثيقاً للولايات المتحدة، فطالبت بوقف فوري لإطلاق النار تماشياً مع مواقف سائر أعضاء المجموعة، وحذّرت بشدة من المزيد من الدمار الذي قد ينجم عن الحملة العسكرية (الإسرائيلية) المتوقعة في مدينة رفح التي نزح إليها أكثر من 1.4 مليون فلسطيني، وقالت المندوبة الأسترالية كاتي جالاجر: "نقول مرة أخرى لـ(إسرائيل) لا تسلكي هذا الطريق، سيكون هذا غير مبرر"، مُناقضةً بشكلٍ صريح وجهة النظر الأمريكية التي من المُفترض أنْ تكون مُتوافقة معها.
ومن جانبها اتهمّت دولة جنوب أفريقيا كيان يهود بتنفيذ إبادة جماعية في غزة، وقالت بأنّ قادة العالم "سمحوا لـ(إسرائيل) بالإفلات من العقاب"، وقالت ناليدي باندور وزيرة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا: "لقد خذلنا شعب فلسطين"، وأضافت: "لو كنا متحدين على سبيل المثال وراء المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة لما استمرت المأساة في فلسطين أكثر من 3 أشهر".
واستدلّ العديد من الدبلوماسيين بالمبادئ الدولية نفسها التي استخدمتها أمريكا في انتقاد روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، فانتقدوا الحرب (الإسرائيلية) المستمرة في غزة، واتّهموا الولايات المتحدة بتوفير غطاء سياسي وعسكري لدولة يهود للاستمرار في الحرب، وبتزويدها بشكلٍ خاص بالمعدات العسكرية والقنابل بمليارات الدولارات.
وبدت الإدارة الأمريكية في المؤتمر وكأنّها تفقد سيطرتها على الأحداث في غزة، ولم تجد من يُناصرها ويُخرجها من عُزلتها، ومن الضغوط الهائلة المُمارسة عليها في المؤتمر من بين دول المجموعة سوى الأرجنتين التي يؤيد رئيسها المنتخب مؤخراً خافيير ميلي (إسرائيل) بشدة.
أدّى هذا الاختلاف الواسع بين مواقف الدول الأعضاء في المجموعة إلى فشلهم في الخروج ببيان مشترك من هذه القمّة، فكانت المواقف المُتكاتفة لغالبية الأعضاء ضدّ الموقف الأمريكي بمثابة ضغوط دبلوماسية ناعمة لوقف الحرب في غزة، لكنّها لم تُترجم إلى أفعال محسوسة، فتأثير مواقف دول مجموعة العشرين على القرار السياسي الأمريكي يُعتبر هامشياً بسبب أنّ المجموعة لها دور فني مُحدد غير سياسي.
والاختلاف السياسي الآخر الذي وقع بين دول أعضاء المجموعة مسألة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتي عادة ما ينقسم أعضاء مجموعة الـ20 بشأنها، فتصطف أمريكا وأوروبا ضد روسيا بشأنها، لكنّ هذا الاختلاف بات طبيعياً، ولم يُحدث أي ضجيج كما أحدث موضوع الحرب في غزة، وذلك لأنّه موجود منذ أكثر من عامين، فهو ليس جديداً.
أمّا بالنسبة للمسائل المالية والاقتصادية الصرفة التي طُرحت في القمّة فإن مواقف أعضاء المجموعة كانت موحدة ولم يحدث بها أي انقسام، ومن المسائل والقضايا التي تمّت مُناقشتها في المؤتمر، والتي طرحها الرئيس البرازيلي لولا دي سلفا بصفته الرئيس الدوري للمجموعة، قضايا من مثل إصلاح الحوكمة العالمية، والحد من تغير المناخ، ومكافحة الفقر، واعتبرها أولويات قصوى للمجموعة لهذا العام.
رأيك في الموضوع