لقد عززت عملية "طوفان الأقصى" التي وقعت على كيان يهود وقع الصاعقة عدداً من المفاهيم الإيجابية التي لطالما عمل المخلصون على ترسيخها في الأمة، واستبعدت وبددت عدداً آخر من المفاهيم والأفكار التي لطالما حرص الغرب وأذنابه على غرسها لدى الأمة.
فقد بددت تلك العملية البطولية التي تمكن خلالها نفر قليل بسلاح خفيف من اختراق صفوف العدو الأمامية ودفاعاته المتقدمة ليجول المجاهدون بعدها لأكثر من 24 ساعة وسط مستوطنات ومعسكرات هذا العدو مرهبين جيشه ومستوطنيه، ومشكلين حالة من الهلع والذعر في أوساط شعبه الذي طالما تفاخر بجيشه وقوته. بددت تلك العملية أكذوبة قوة كيان يهود وقوة جيشه، وأظهرت كيف أن بضع مئات من المجاهدين كانوا قادرين، وفق حسابات معينة ومستغلين فرصة دقيقة، على التوغل في عمق هذا الكيان على نحو غير مسبوق وغير متوقع، وشاهد العالم مظاهر فرار جنود العدو وتهاوي معسكراته الحدودية على نحو فضح هشاشة هذا الكيان وضعفه، حتى تساءل الكثيرون، إذا كان كل هذا فعله نفر قليل من المجاهدين فكيف لو كان جيش من جيوش المسلمين هو من تحرك لنصرة فلسطين وغزو كيان يهود؟!
كما بددت تلك العملية قوة الردع والإرهاب التي لطالما تغنى بها قادة يهود على أنها أهم إنجازاتهم على صعيد ترويض أهل فلسطين والمجاهدين في غزة والضفة، وشكلت مع أخواتها من العمليات الفردية التي ينفذها المجاهدون والشباب الصغار في الضفة الغربية منذ فترة ضد كيان يهود، شكلت برهاناً على أن كل جهود يهود ومن معهم من العملاء والمرجفين والأولياء لم تؤت ثمارها في القدرة على إرهاب أهل فلسطين وقتل روح النضال والجهاد لديهم، فبددت تلك العملية ذلك السراب الذي طالما تعلق به قادة يهود على أنه أهم إنجازاتهم على صعيد إحكام السيطرة والقبضة على أهل فلسطين.
كما أثبتت تلك العملية أن كل أولياء يهود، ومن معهم من الغرب وعلى رأسه أمريكا وبريطانيا، لم يتمكنوا عبر عقود من الزمان ومليارات من الدولارات، من صناعة تلك القاعدة المتقدمة لهم في الشرق الأوسط على النحو الذي لا يقهر، بل رسخت تلك العملية أن كيان يهود لحظة المواجهة لن يسعفه شيء من ذلك على أرض المعركة، بل عماد قوته هو سلاحه الذي بيد جيشه الذي يعجز عن المواجهة ويفر عند أول وقع من الضربات القوية المخلصة.
أما المفاهيم التي أثبتتها تلك العملية وعززتها في الأمة، فهي كثيرة؛ وأولها أن الأمة الإسلامية أمة واحدة، نبضها واحد، وفكرها واحد، وحسها واحد، إذ فرحت الأمة كلها بما حققه المجاهدون في ضربتهم لكيان يهود، وخرجت الجماهير الغاضبة والمتفجرة من الغضب إزاء عدوان يهود على غزة وأهل فلسطين، في أقاصي الأرض وأقربها إلى فلسطين، في البلاد العربية وغير العربية، وحتى في بلاد الكفر حيث الجاليات الإسلامية، كلهم خرجوا مطالبين بفتح الحدود ونصرة غزة وأهل فلسطين، وكثير منهم من خاطب الجيوش وطالبها بالتحرك لنصرة غزة ورد العدوان وتحرير فلسطين والمسجد الأقصى.
فأكدت ردود فعل الأمة على العدوان الذي تلا عملية طوفان الأقصى على أن الأمة الإسلامية أمة حية نابضة، وهي أمة واحدة يجمعها شيء واحد، وأن الغرب لم يتمكن، رغم كل ما بذله من جهود لتمزيق وتفريق الأمة، من تمزيق وحدتها العقدية والفكرية والمشاعرية.
كما رسخت تلك العملية والعدوان الذي تلاها قناعة الأمة بأن مصيبتها الكبرى هي في الحكام الذين رسموا الحدود وخذلوا الأمة وأعانوا المستعمر، حتى خرجت الجماهير تلعن الحكام وتحملهم مسؤولية ما يصيب أهلنا في غزة، كيف لا وقد شاهدت الأمة بعينها مدى عمالة وخسة الحكام الذين تداعوا إلى قمة سخيفة في القاهرة يرددون فيها عبارات السلام والتفريط والخيانة، بينما لم يحركوا ساكنا ولا جنديا ولا طائرة لنصرة غزة وأهلها المنكوبين، وحتى أقرب المقربين وأولى الناس بالفزعة والنصرة، الأردن ومصر، انشغل حكامهما بإحكام القبضة على الحدود ومنع الناس أو المظاهرات أو المساعدات من الوصول إلى أهل غزة، بل اقترح المجرم السيسي بديلا للتهجير أمام يهود، بأن يهجروا أهل غزة إلى صحراء النقب بدلا من سيناء!! فقد عمقت تلك الأحداث الهوة والشرخ بين الأمة والحكام، وبرهنت على أن أولى المصائب وكبرى العقبات التي تقف بين الأمة وتحقيق ما تريد إنما هم الحكام والأنظمة، وباتت تلك حقيقة لا مجرد فرضية أو أطروحة.
وكذلك من أهم ما برهنت عليه العملية والأحداث هو أنّه ما من سبيل لحل قضية فلسطين ونصرة أهلها وتحرير أقصاها، إلا بتحرك جيوش الأمة وجحافلها، وهذا ما نطقت به الأحداث والجماهير الغاضبة التي خرجت إلى الميادين والحدود، فطالبت الجيوش بحمل السلاح والتوجه صوب فلسطين والمسجد الأقصى وغزة هاشم، فقد علت الأصوات وصدحت الحناجر على نحو غير مسبوق من عموم الناس وبعض العلماء والجنود والضباط السابقين، علت أصواتهم مطالبة بتحرك الجيوش وحمل السلاح لنصرة غزة وفلسطين وتحرير المسجد الأقصى.
وباتت فكرة ضرورة تحرك الجيوش ووجوب ذلك حاضرة وسط كل المطالبين، وتقفز إلى الأذهان والحناجر بشكل بارز واضح أرّق الحكام والأذناب فعملوا على التعمية عليها والتغطية على المنادين بها، حتى وصل الحال بمنابر إعلامية مأجورة مشهورة أن تقصقص تلك الكلمات وتحذف تلك المطالب من الفيديوهات والمواقع والأخبار، بكل وقاحة وخيانة، حتى لا تجد تلك الفكرة طريقها إلى المخلصين في الجيوش والأمة فتنقلب الطاولة على رأس أمريكا وبريطانيا ويهود، وتكون ساعة المواجهة الحقيقية.
نعم، لقد أثبتت الأحداث التي ما زالت مستمرة أن السبيل لنصرة غزة وأهلها وفلسطين كلها لا بد أن يمر من خلال الجيوش وتحركها، فالجيوش هي المطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى بالتحرك لقتال يهود وسحقهم والثأر لأطفال ونساء وشيوخ غزة، وفي طريقهم إلى ذلك لا بد لهم من خلع الحكام من عروشهم وقصورهم، فهم أعداء الأمة وأدوات الغرب المجرم.
وهذه رسالة إلى المجاهدين في غزة وإلى أهل غزة الأبطال بأن يوجهوا صرخاتهم ونداءاتهم إلى جيوش الأمة وجندها ليتحركوا لنصرتهم ونصرة فلسطين وتحرير المسجد الأقصى، فهم السبيل لإنهاء نفوذ الاستعمار من بلادنا وخلع كيان يهود من جذوره، وعليهم أن لا ينادوا الحكام المجرمين العملاء وأن لا يركنوا إلى أحد منهم، فكلهم في العمالة والخيانة سواء وإن اختلفت أشكالهم وأساليبهم، وأن لا ينادوا بوساطات دولية خبيثة، أو مجرد مظاهرات شعبية، حتى لا تذهب الجهود سدى أو تفرغ الشعوب غضبها فيما لا يسمن ولا يغني من جوع، بل أن تنصب الجهود وتتكاتف الأيادي نحو دفع الجيوش دفعا للقيام بواجبهم والفزعة لإخوانهم، فهذه غاية بات حصولها أقرب من أي وقت مضى.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع