ذكرنا في الحلقة السابقة أن أمريكا تتعامل هذه الأيام مع قضية فلسطين بسياسة الإغراءات والضغوطات من أجل التهدئة أولا، ومن أجل تنفيذ بعض الأمور الاقتصادية كمقدمات للحلول مستقبلا عندما تتفرغ للملف الفلسطيني... ونكمل في هذه الحلقة ما تفعله أمريكا بمساعدة مصر وتركيا وقطر وبعض الدول الأخرى في المنطقة:
2- إشراك مصر والأردن والإمارات وقطر وتركيا وإيران في موضوع السيطرة على حركات المقاومة في غزة والضفة. وهذا الأمر ظاهر في عملية الاحتواء المدروسة؛ عن طريق الدعم المالي والسلاح من أجل السيطرة على القرار السياسي لهذه الحركات. وباتت كل الاجتماعات السياسية من مصالحات مع السلطة، أو أمور التهدئة مع كيان يهود، أو غير ذلك مما يطرح من أمور اقتصادية ومشاريع تتم عن طريق بوابات هذه الأنظمة. وقد طرحت في الآونة الأخيرة بعض المشاريع عن طريق هذه الدول مثل موضوع إنشاء ميناء ومطار داخل سيناء، ومثل إنشاء محطة كهربائية تعمل عن طريق الغاز بتمويل قطري في الأراضي المصرية على مقربة من قطاع غزة. وكذلك طرح موضوع تحلية مياه البحر الأبيض مقابل توريد المياه للأردن، وإنشاء محطة طاقة كهربائية في منطقة النقب تورد الكهرباء لكيان يهود والسلطة بتمويل قطري.
3- موضوع التطبيع مع السعودية، وهو من المواضيع التي تديرها أمريكا، مقابل بعض الشروط التي تشترطها على حكومة نتنياهو، ولم تلق حتى الآن قبولا من الأحزاب المتطرفة؛ لأن أحد شروطها هو عدم الاعتداء على مناطق سي في السلطة، وتجميد الاستيطان والتهدئة في مناطق السلطة. ومع أن نتنياهو موافق على ذلك، إلا أنه يواجه صعوبات كبيرة في إقناع الائتلاف بهذه الصفقة الكبيرة. فقد نقل الإعلام العبري عن وزير خارجية يهود، إيلي كوهين في 22/8/2023، قوله إن بلاده هي أقرب من أي وقت مضى لإنجاز اتفاق سلام مع السعودية. وأضاف كوهين "إن هناك فرصة حتى آذار/مارس المقبل لإتمام ذلك"، في وقت أشارت فيه وسائل إعلام عبرية، إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، سيرى مثل هذا الاتفاق في حالة تحققه، بمثابة إنجاز دبلوماسي، يرتكن إليه خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة. أما وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، فقال في تصريح بتاريخ 2/4/2021 إنه "لا يعرف ما إن كانت هناك صفقة تطبيع وشيكة بين بلاده و(إسرائيل)". وأضاف في مقابلة مع قناة CNN الأمريكية، أن تطبيع مكانة كيان يهود داخل منطقة الشرق الأوسط سيحقق فوائد هائلة للمنطقة كلها، وأنه سيكون مفيدا للغاية اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، على حد تعبيره.
4- المشاريع الاقتصادية للمنطقة ومنها زيادة الدعم الأمريكي لكيان يهود وتعزيز النظام الدفاعي العسكري. ونقصد بالمشاريع الاقتصادية ما تطرحه أمريكا من بعض المشاريع ضمن خطة التهدئة المطروحة حاليا لانشغالها بأمور كبيرة ومتشعبة عالميا ومحليا كما ذكرنا. ومن هذه المشاريع ما يتعلق بغزة والضفة من أجل إرساء الهدوء، وعدم اشتعال الأجواء بالفعل والفعل المضاد كما يصفه السياسيون. ومن هذه المشاريع كما أسلفنا مشروع تحلية مياه البحر مقابل إقامة محطات لتوليد الطاقة في الأردن، ومنها أيضا إنشاء محطة لتوليد الكهرباء تعمل على الغاز. وفي المقابل وعدت أمريكا كيان يهود بزيادة حجم المساعدات المالية والعسكرية، وتقوية النظام الدفاعي. فقد صرح السناتور الجمهوري الأمريكي ليندسي غراهام في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية في 2/6/2021 "في كل مرة يحاول أحدهم تدمير (إسرائيل)، ردنا سيكون مساعدات أكثر، وهذا سيبدأ من تجديد مخزون القبة الحديدية. مليار دولار". أما بايدن فكان قد تعهد مع دخول وقف إطلاق النار بين كيان يهود والفصائل الفلسطينية حيّز التنفيذ عام 2021 بالعمل على تجديد مخزون القبة الحديدية.
6- التعهد بموضوع إيران، والذي كما هو معروف تحت سيطرة أمريكا، توجهه لخدمة مشاريعها. وقد رأينا ذلك في عدة أمور منها احتلال العراق وأفغانستان وتثبيت النظام السوري. وكذلك توجه إيران في الملف الفلسطيني لخدمة سياسة أمريكا عن طريق المساعدات التي تقدمها للفصائل لاحتوائها، وعن طريق تهديد كيان يهود لجعله في دائرة أمريكا وتحت سيطرتها وبحاجة دائمة لها لحمايته، وغير ذلك من أمور عسكرية وسياسية في المنطقة. وأمريكا تعرض باستمرار على كيان يهود الحماية من خطر إيران وعدم الانزلاق في أي عمل عسكري غير محسوب العواقب وهذا من باب التهديد والاحتواء له. والحقيقة أن موضوع الملف النووي الإيراني هو موضوع سياسي أكثر منه حقيقي أو واقعي؛ وذلك من أجل احتواء الأنظمة الأخرى كدول الخليج والسعودية، وأيضا من أجل وضع كيان يهود في دوائر أمريكا السياسية، وعدم الخروج عليها. فقد وقع رئيس أمريكا بايدن ورئيس وزراء يهود في حينه (14/7/2022) على اتفاق مشترك، يتعهدان فيه بمنع إيران من حيازة سلاح نووي في اليوم الثاني من رحلة بايدن إلى الشرق الأوسط، وفق مسؤول أمريكي. وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن، في وصفه للإعلان المشترك للصحفيين في مؤتمر عبر الهاتف، إن الاتفاق سيوسع العلاقة الأمنية طويلة الأمد بين أمريكا وكيان يهود.
7- عدم الوقوف في صف المعارضة في حال التزمت الحكومة بسياسات أمريكا تجاه قضية فلسطين. فالمعروف أن هناك اتصالات وتفاهمات بين بعض الشخصيات السياسية والعسكرية المحسوبة على أمريكا مثل جانتس ولابيد من الحكومة السابقة. وأن أمريكا تشجع موضوع الاحتجاجات على حكومة نتنياهو، وقد دعت أمريكا عدة مرات بطريقة غير مباشرة، إلى احترام المعارضة داخل كيان يهود وإلى عدم خرق الديمقراطية؛ عندما صوت الكنيست على قانون إلغاء سلطة المحكمة العليا وهو ما يسمى "حجة المعقولية" التي تمكن المحكمة من أن تقضي بعدم معقولية الإجراءات. وقال المتحدث باسم البنتاغون بات رايدر في لقاء مع الجزيرة في 30/3/2023 "لدينا بعض المخاوف بشأن بعض التطورات الحاصلة في (إسرائيل)". وقال منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي "نحث القادة (الإسرائيليين) على التوصل إلى تسوية في أقرب وقت ممكن، وتعليقات الرئيس بأن على نتنياهو الابتعاد عن التعديلات القضائية تتوافق تماما مع إيجاد تسوية تحافظ على الضوابط والتوازنات في (إسرائيل)". وكان بايدن قد رفض لقاء نتنياهو ودعوته لزيارة أمريكا على غرار ما هو معروف في السياسة الأمريكية حيث تتم دعوة رئيس وزراء يهود بعد نجاحه في الانتخابات، وهذا يدل على عدم رغبة الإدارة الأمريكية بسياسات هذه الحكومة. وفي حال خضعت حكومة يهود للإطار العام للسياسة الأمريكية تجاه قضية فلسطين فإن بايدن سيوقف دعمه للمعارضة لإسقاط الحكومة.
هذه بعض الاغراءات التي تعمل الإدارة الأمريكية لعرضها في موضوع قضية فلسطين؛ لإيجاد التهدئة وعدم الانزلاق نحو الأسوأ في التصعيد وامتداد الأمور إلى خارج دائرة فلسطين. ومع هذه العروض والإغراءات هناك أيضا ضغوطات تمارسها أمريكا على كيان يهود إما مباشرة أو عن طريق حكام الدول المحيطة أو القريبة من الكيان ومن هذه الضغوطات:
يتبع...
رأيك في الموضوع