قام السفير الأمريكي لدى اليمن ستيفن فاجن يوم الخميس 02/03/2023م ومعه قائد الأسطول الأمريكي الخامس المرابط في البحرين بزيارة إلى محافظة المهرة، حيث استقبلا في مطار الغيضة محافظ محافظة المهرة محمد علي ياسر وعدداً من المسؤولين في المجلس المحلي ومصلحة خفر السواحل. المعلن عنه في سبب الزيارة هو اعتراض الأسلحة القادمة من إيران للحوثيين ومكافحة التهريب على طول سواحل محافظة المهرة. لكن وراء الأكمة ما وراءها! فالقيادة المركزية بوزارة الدفاع التي تشرف على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط لم يصدر عنها تقارير عملياتية حول هذه الزيارة، بما فيها مكتب وزير الدفاع، ولا عن وزارة الخارجية الأمريكية. ولكنه يأتي في السياق الذي يحسب على البيت الأبيض قبل أن يطالبه الكونجرس بتوضيح الأعمال التي يقوم بها البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية في المهرة مع امتناعهما عن التعليق. ما يصرف التفكير بأن وجود القوات الأمريكية في كل من حضرموت والمهرة مرتبط بمهام الـ CIA التي لا تفصح عن أعمالها.
ما تزال الأحداث تتسارع في كل من حضرموت والمهرة ظاهرياً بأيدي السعودية على نحو يجعل المتابع للشؤون السياسية غير غافل عن مراميها التي تخدم السياسة الأمريكية. يعد ظهور القوات الأمريكية في هذا التوقيت موجهاً ومحتمياً بالقوات العسكرية السعودية التي تلبي أوامرها، حينما عجزت السعودية عن مواجهة مصاعب بناء أنبوب النفط الخراخير – نشطون، رغم تقديمها مشاريع تحسين البنية التحتية وتقديم المساعدات الإنسانية في المهرة، ومنح هويات سعودية للمهريين الراغبين في الحصول عليها، وربط مشايخ القبائل بها عن طريق دفع مبالغ شهرية لهم. ويبقى هدف السعودية النهائي هو الحصول على منفذ بحري لنقل النفط عبر بحر العرب. فقد بدأت أعمال السعودية التي تقود الحرب الدائرة في اليمن منذ 2015م، في محافظة المهرة في تشرين الثاني/نوفمبر 2017م، حين بدأت بإقامة إنشاءات لأنبوب النفط الذي يربط حقولها النفطية ببحر العرب عام 2019م. فقد قاد علي سلم الحريزي معارضة قبلية مهرية، مدعومة من عُمان التي سُمِحَ لها منذ عام 2006م وحتى اليوم القيام بأعمال واسعة في محافظة المهرة.
وبحسب تقديرات يزيد عدد معسكرات القوات العسكرية السعودية في محافظة المهرة عن عشرة معسكرات تضم أسلحة مختلفة خفيفة ومتوسطة وثقيلة ومدرعات ومروحيات أباتشي وصواريخ، ناهيك عن قربها من مسرح العمليات في حضرموت والمهرة، تستهدف السيطرة على مرافق النقل الاستراتيجية في المحافظة، وأعداد الجيش السعودي المتمركزة فيها التي تم دفعها عبر حدود سايكس بيكو 5000 - 15000 جندي، لكنها تمضي في المخططات الأمريكية لتفتيت اليمن، وتلوح لها بالمحافظتين النفطيتين.
يستغل نظام آل سعود فكرة إعادة إعمار ما دمرته الحرب غطاء لإتمام تنفيذ المخططات الأمريكية، لتقديم الأموال باليد اليمنى وقبضها باليد اليسرى. كما قدمت الرياض مشاريع لتأهيل مدينة سيئون في محافظة حضرموت، فقد وضعت 10 مشاريع لمحافظة المهرة، يأتي من ضمنها تطوير ميناء ومطار في المحافظة، الخطوة التالية لتنفيذ خط أنبوب النفط خراخير - نشطون جاءت بوصول القوات العسكرية السعودية مطار الغيضة في مطلع العام 2020م، ممهدة لزيارة السفير الأمريكي لدى اليمن كريستوفر هنزل مطار الغيضة في نهاية العام، كإشارة إلى البدء بقدوم القوات الأمريكية، الأمر الذي أزعج عُمان فوصلت قوات أمريكية وبريطانية في كانون الثاني/يناير 2021م وتعزيزها بدفعات مختلفة من آب/أغسطس 2021م، وتموز/يوليو 2022م.
لقد سبق للقوات السعودية بعد أن تمركزت في مطار الغيضة أن قامت بمنع الصيادين من الصيد، تحت مبرر محاربة التهريب عبر الشواطئ، وهو ما تفعله اليوم قوات المارينز الأمريكية، التي نصبت كاميرات وأجهزة مراقبة على طول شواطئ محافظة المهرة الساحلية.
وفي الخريف 2022م زار خبيران أمريكيان المحافظة بعيداً عن وسائل الإعلام الأمريكية، ظاهر زيارتهما التشاور بشأن خطط البناء السعودية، وخافيها هو جس نبض قبائل المهرة في القبول بالوجود السعودي ومن ورائه الأمريكي. وتكررت مطلع شباط/فبراير المنصرم زيارة أخرى لعسكريين أمريكيين، طافا في جميع أنحاء محافظة المهرة، لإقناع أهلها بالعدول عن المقاومة العسكرية لجيش السعودية، وبالتالي لأمريكا، والخضوع بإنشاء خط نقل أنبوب النفط من الحقول السعودية إلى ميناء نشطون في محافظة المهرة. تتسلل القوات الأمريكية إلى حضرموت والمهرة، وهي على غير يقين من قدرتها على البقاء، ما يجعلها تتستر بغيرها وهي على أهبة الاستعداد للفرار، وخططها لذلك موضوعة مسبقاً. لقد سبق لمراكز الدراسات الأمريكية أن أجمعت على أنه إذا أرادت أمريكا الولوج إلى اليمن أن تأتي عن طريق السعودية، كما فعلت بريطانيا ذلك من قبل.
إن سياسة أمريكا في المنطقة هي العبث ببلاد المسلمين وإدخال نفوذها السياسي إليها وإدارتها في ظل غياب راعيهم - دولة الخلافة، وإعادة تشكيل حدود سايكس بيكو بعد انقضاء 100 عام على رسمها، لتستوعب مشروع الشرق الأوسط الجديد، وتوجيه مسار ناقلات النفط من المحيط الأطلسي غرباً باتجاه المحيط الهادئ شرقاً، بأقل التكاليف لما تعانيه من عجز ميزانيتها الدائم، وبأقل الخسائر لجنوح الرأي العام الأمريكي للأعمال السياسية، ومناوأته للحروب الساخنة غير المبررة. أما بريطانيا الضعيفة سياسياً الرديفة لأمريكا في جميع أعمالها فلا يسعها سوى المحافظة على مناطق نفوذها السياسي بعملائها في المجلس الرئاسي والمجلس الانتقالي.
والسؤال المطروح والمهم أيضاً، بعد أن شاركت الرياض عام 2003م أمريكا غزوها للعراق ودفعت لها فاتورة الحرب، ومضت معها على تقسيمه لثلاث مناطق؛ أكراد في الشمال وشيعة في الجنوب وسنة في الوسط. ومنذ 2015م وحتى اللحظة والرياض تعمل على تثبيت الحوثيين في صنعاء، وليس إزالتهم كما يتوهم البعض، وإدخال نفوذ أمريكا السياسي إلى عدن، واقتطاع حضرموت والمهرة.
هل سترضى أن يأتي الدور عليها وتقتطع منها المنطقة الشرقية النفطية في التقسيم ضمن سايكس بيكو الجديد؟ فبالأمس ندمت الرياض بعد سقوط بغداد وظهور طهران، ولن ينفع الندم بتفتيت اليمن ثم تفتيتها هي.
فليتأمل أهل اليمن جميعهم ونجد والحجاز ما الذي يصلح حالهم؛ أهي مخططات الغرب التي لم تبقِ ولم تذر على مدى أكثر من مائة سنة على سقوط الخلافة وإبعاد حكم الإسلام عنهم، وحكمهم بأنظمة الكفر في شؤون حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليم والتطبيب... أم العودة إلى ما صلح به شأن المسلمين؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؟
رأيك في الموضوع