عقدت قمة أمريكية أفريقية بواشنطن من يوم 13 إلى 15/12/2022 بحضور 49 قائدا أفريقيا. وتضمن جدول أعمال القمة أوجه التعاون بين أمريكا والدول الأفريقية المشاركة في القمة.
ففي اليوم الأول عقدت سلسلة ندوات للقادة الشباب الأفارقة والمهجر، و(المجتمع المدني)، والسلام والأمن والحكم، والمناخ والصحة. وجرت مناقشة تعزيز التعاون الاقتصادي وتنفيذ ميثاق التجارة والنمو الأفريقي وزيادة حجم التجارة والاستثمارات ومواجهة التأقلم المناخي والبيئة المستدامة والطاقة النظيفة على المستوى الوزاري. فألقى وزير الدفاع الأمريكي أوستن كلمة حذر فيها من تزايد النفوذ الروسي والصيني بأنه "يمكن أن يكون مزعزعا للاستقرار" أي مزعزعا لاستقرار النفوذ الاستعماري الغربي في أفريقيا، وليس استقرار أفريقيا بتخلصها من تسلط القوى الأجنبية وهيمنتها عليها ونهب ثرواتها. وقال المستشار الرئاسي للبيت الأبيض سوليفان "تعهدت الولايات المتحدة تخصيص 55 مليار دولار لأفريقيا على مدى 3 سنوات وسيتم الكشف عن كيفية توزيعها خلال القمة التي تستمر 3 أيام برعاية الرئيس بايدن".
واليوم الثاني خصص بالكامل للقاء الشركات الأمريكية والأفريقية والوفود الاقتصادية لدراسة المشاريع والاستثمارات في أفريقيا، أي دراسة كيفية نهب الثروات الهائلة منها وتركيز استثمارات الشركات الأمريكية لتجني الأرباح الطائلة ولتعزز النفوذ الأمريكي، وذلك بالحد من الاعتماد على الاستثمارات الصينية والاستثمارت الأوروبية، فتجعل للشركات الأمريكية الحظ الأوفر لتتسلط على أنظمة الحكم في البلاد وتتدخل في الأمن والجيش والحياة السياسية وتشتري الذمم الرخيصة، فتأتي بمن تشاء وتقصي من تشاء كما تفعل في كثير من البلدان.
واليوم الثالث كان لقاء الرئيس الأمريكي بايدن مع القادة والوفود المشاركة في خمس جلسات وتوجيه خطاب لهم. ومما ذكر فيه: "أمريكا ملتزمة تماما في أفريقيا ومعها، وإنها ستقود دائما بقيمها، إن التحديات العالمية لا يمكن حلها بدون قيادة أفريقية.. وإن دعم الديمقراطية واحترام حكم القانون والالتزام بحقوق الإنسان والحوكمة المسؤولة كلها جزء من كياننا" وأعلن عن "صفقات بقيمة 15 ملياراً أبرمت في منتدى الأعمال الأمريكي الأفريقي، واستثمار 500 مليون دولار لتطوير ميناء في بينين. وتخصيص 350 مليون دولار لتعزيز الاقتصاد الرقمي، و100 مليون دولار لقطاع الأمن، و75 مليون دولار لدعم الديمقراطية بتعزيز هيئات الانتخابات والمجتمع المدني، و370 مليون دولار لإقامة مشروعات، منها 100 مليون لدعم المشروعات الزراعية و10 ملايين دولار للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وتوفير المياه النظيفة في القارة" وأعلن عن "الاتفاق على تشجيع إقامة منطقة تجارية حرة واستثمارات جديدة، ورصد مليار دولار لتحسين وسائل الدفع الإلكتروني خلال فترة 5 سنوات مقبلة في أفريقيا". وتعهد "بدعم انضمام الاتحاد الأفريقي لمجموعة العشرين كعضو دائم" وقد دعاهم إلى حفل عشاء في البيت الأبيض وفرش لهم السجادة الحمراء.
فالرئيس الأمريكي يعلن ما ترمي إليه القمة كما يعلن النتائج، فيريد أن تقود أمريكا أفريقيا بقيمها وبالاستثمارات والمشاريع لتفرض نفوذها على من لم يتبعها بعد من دولها، وتعزز نفوذها في الدول التي تتبعها. والقيم الأمريكية التي يتشدق بها من ديمقراطية وحقوق إنسان وغيرها ما هي إلا وسائل لبسط النفوذ وتعزيزه. فاعتمد الأسلوب الدبلوماسي كما استعمله أوباما الذي عقد أول قمة عام 2014 وهذه الثانية، ولكن ترامب أظهر احتقاره لقادة أفريقيا وطبق النسخة الأصلية للأساليب الأمريكية المعتمدة من إظهار العنجهية والغطرسة، وممارسة الضغوط العلنية، وقلب الأنظمة، وإثارة المشاكل والقلاقل والأزمات لها، وفرض العقوبات عليها.
فأمريكا كغيرها من الدول الغربية تتخذ الديمقراطية وحقوق الإنسان وما أشبه ذلك ذريعة للضغط على الأنظمة لبسط النفوذ وتعزيزه وابتزاز الأنظمة لتحقيق مصالحها. بينما الصين لا تهتم بذلك، لأن ذلك ليس من أفكارها، فترحب الدول الأفريقية باستثماراتها، ومع ذلك فلم تستطع هذه الدول التخلص من الهيمنة الغربية، لأن الصين لم تلجأ بعد إلى الأساليب السياسية وممارسة الضغوطات والتصدي للدول الغربية، ولا تحمل رسالة ولا أفكاراً للتأثير، وحصرت شيوعيتها في الداخل، وما زالت تركز على جني الأرباح بالاستثمار وبيع السلع والحصول على المواد الخام. وحكام تلك الدول فاقدو الفكر والإرادة والصدق والأمانة، يخافون على كراسيهم وثرواتهم، ويخافون شعوبهم أن تسقطهم، فيبحثون عن سند خارجي يسندهم، فيجدونه في الدول الغربية العريقة في الاستعمار والخداع.
فأمريكا تعمل على تعزيز نفوذها في أفريقيا اقتصاديا كما ظهر في نتائج القمة، وتعزيزه سياسيا بكسب أنظمة الحكم سواء بالانقلابات أو بالانتخابات، وعسكريا بتأسيسها قوة أفريكوم وإقامة القواعد العسكرية وتنظيم دورات تدريبية للضباط لشراء ذممهم للقيام بالانقلابات. وتحذير وزير الدفاع الأمريكي من النفوذ الروسي الصيني هو ذريعة لتعزيز صراعها مع الدول الأوروبية المستعمرة خاصة بريطانيا وفرنسا، فتعمل أمريكا على طردها والحلول محلها، فروسيا والصين لا تملكان أي نفوذ سياسي في أفريقيا، سوى النشاط الاقتصادي للصين وإقامتها لقاعدة عسكرية في جيبوتي، والنشاط الأمني لروسيا بواسطة قوات فاغنر، وهو يصب في خانة مصالح أمريكا التي وجهت عملاءها مثل حفتر في ليبيا والعسكر في مالي الذين قلبوا عملاء فرنسا.
ودول أوروبا تفهم أن هذه القمة وسائر الأعمال الأمريكية تستهدفها، وقد حاولت القناة الفرنسية الرسمية "فرانس24" فضحها، فقالت: "تهدف القمة إلى استعادة النفوذ (الأمريكي) في القارة السمراء، وفي مسعى الولايات المتحدة لاستمالة شركاء أفارقة مترددين في بعض الأحيان"، وقالت هيئة الإذاعة البريطانية "النص الضمني أن أمريكا تحاول اللحاق بالدول الأخرى بما في ذلك روسيا والصين.. ولكن الرسالة أن أمريكا تريد علاقة استراتيجية مع أفريقيا التي أصبحت ذات دور جيوسياسي رئيسي..".
فالصراع الدولي في أفريقيا صراع استعماري على نهب الثروات الهائلة من معادن ونفط وغاز، وترك أهلها جوعى ومرضى وفي حالة فوضى واضطراب لا يعرفون طريقا للتحرر والنهضة، والسيطرة على مناطق استراتيجية كالقرن الأفريقي وسواحل البحر المتوسط المواجهة لأوروبا وعلى بلاد معينة تخدمها في حربها لمنع نهضة الأمة وإقامة الخلافة كاستخدام إثيوبيا ضد مصر والسودان، وقد استخدمت أمريكا إثيوبيا وأوغندا ضد نظام المحاكم الإسلامية في الصومال لمنعها من التحرر وتطبيق الإسلام. علما أن أكثر من نصف أفريقيا مسلمون، ومنها بلاد إسلامية فيها قابلية لأن تكون نقطة ارتكاز لإقامة الخلافة، كبلاد وادي النيل وبلاد شمال أفريقيا. والبلاد الأخرى الإسلامية في غرب ووسط وشرق أفريقيا سهل أن تنضم إليها. فصارت أمريكا تحسب لذلك حسابا، فيكون ذلك ضمن ما ترمي إليه قمتها وسياستها في أفريقيا.
رأيك في الموضوع