استشهد خمسة مجاهدين، بينهم أحد أبرز قادة مجموعة عرين الأسود وديع الحَوَح، وأصيب أكثر من عشرين آخرين برصاص جيش يهود، وذلك خلال عدوان له على البلدة القديمة في نابلس.
رحم الله شهداءنا الأبرار الذين استبسلوا في تلك الليلة بقليل عدة وعتاد وكثير إيمان كما هي عادة المخلصين من أهل فلسطين، وقفوا أمام كيان يهود ليؤكدوا مرة أخرى على هشاشة هذا الكيان الذي استقوى على أهل فلسطين، واستفرد بهم في ظل خيانة الأنظمة العميلة المحيطة بالأرض المباركة وتخاذل السلطة الفلسطينية التي لا ترى إلا الاستجداء، والهرولة لأمريكا والمجتمع الدولي الذين أنشأوا هذا الكيان.
فالسلطة الفلسطينية الذي أصدر رئيسها تعليماته لإجراء الاتصالات فورا مع أمريكا لوقف عدوان يهود على نابلس، ودعا مجلس وزرائها الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية للتدخل لوقف تصعيد يهود في نابلس، تصر على التوجه إلى أمريكا وإلى ما يسمى بالمجتمع الدولي وأدواتهم كهيئة الأمم ومجلس أمنها لطلب الحماية الدولية دوما لإبقاء قضية الأرض المباركة رهينة للمستعمر الغربي وخططه، ولتثبيت كيان يهود وغسل يديه من دماء الشهداء ومعالجة ما نتج عن الاحتلال من مآسٍ ومشكلات واعتبارها قضايا إنسانية تعالج بالتفاوض والحلول الاستسلامية، في استبعاد ممنهج لخيار استنصار جيوش الأمة الإسلامية!
فالأمة الإسلامية صاحبة القضية تستبعدها السلطة والأنظمة العميلة للغرب من خياراتها، وهي التي يقع عليها واجب التحرك الفوري لنصرة أهل فلسطين، ولنصرة شباب نابلس وجنين الأبطال وفك الحصار عن قطاع غزة وتطهير المسجد الأقصى من تدنيس المستوطنين اليومي له، واجبٌ يجب أن تسعى لتفعيله وتحرر الأرض المباركة كما حررها صلاح الدين وقطز من قبل لتخلص أهل فلسطين من كيان يهود ومن المآسي اليومية التي يكابدون.
هذا الحل لا تريده الأنظمة العميلة القائمة في البلاد الإسلامية فيصرون على إبقاء مسألة استنصار الجيوش في العتمة، فمن المحظور إعلاميا تناول ذلك الخيار الشرعي والعملي والجذري ليبقى مغيّباً. فهو خط أحمر حقيقي عند الحكام الخونة لأنه يقلب الطاولة على كل هذه المنظومة الاستعمارية في بلادنا. حل يهدد عروشهم وكيانات سايكس بيكو التي يديرونها لصالح الاستعمار في حرب مفتوحة مع الأمة الإسلامية.
الأمة التي فتحت فلسطين زمن الخليفة سيدنا الفاروق عمر، والتي كنست الاحتلال الصليبي من بيت المقدس، وكسرت ظهر المغول في بلادنا وحررت الأرض المباركة منهم قادرة على فعل ذلك مرة أخرى، وتستطيع تسطير حطين وعين جالوت، فالأمة لم تغير دينها، وترنو عيونها كل يوم لتحرير الأرض المباركة، ففلسطين لم يتغير موقعها الجغرافي ولم تنتقل لتصبح وراء المحيطات فهي قريبة جدا وبلاد المسلمين تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم، وتستطيع أن تحررها في ساعة من نهار. فما الذي تغير ليبقى كيان يهود لليوم؟!
إن الذي تغير هو فقدان الأمة الإسلامية لإرادتها السياسية بوجود هؤلاء الحكام الخونة الذين يريدون تثبيت كيان يهود عبر التطبيع والاتفاقيات السلمية والحماية الدولية والشراكة الاقتصادية عبر ترسيم الحدود وتقاسم الغاز!
فالأمة الإسلامية أمة عظمية قادرة وكيان يهود هو كيان هش، وما حصل مؤخرا في أزقة نابلس دليل صارخ على هشاشته إذ استطاع شباب عزل إلا من قليل سلاح وعتاد أن يوقفوا كيان يهود على أصابع رجليه، فشارك قائد أركانه ورئيس وزرائه ونخبة العسكريين منه في إدارة المعركة تلك الليلة، فكيف بجيوش الأمة الإسلامية عندما تتحرك، كيف لكيان يهود أن يصمد أمام طوفانها ودافعيتها؟!
دافعية عظيمة منبثقة من عقيدتها ومن حبها للإسلام وللأرض المباركة، ومسرى رسولها ﷺ، يضاف لها الثروات والموقع الاستراتيجي والجيوش القوية كما تؤكد التصنيفات العسكرية العالمية؛ فالجيش المصري ثاني أكبر جيش في الشرق الأوسط، والجيش السعودي يحتل مكانة مرموقة والجيش التركي من أقوى الجيوش في العالم.
عالم ترتسم اليوم فيه حقائق أمام عيون الأمة لتدرك قوتها وخيانة حكامها، فمجموع ما أنفقته أمريكا وأوروبا وأوكرانيا في الجهد الحربي في مواجهة روسيا هو 120 مليار دولار واستطاعت بذلك أوكرانيا أن تقف في وجه ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم، فيما أنفقت قطر 220 مليار دولار لبناء ملاعب كرة قدم لاستقبال كأس العالم! والسعودية قدمت لأمريكا في ضربة واحدة 650 مليار دولار، في سفاهة وخيانة توجب الحَجْر على هؤلاء الحكام الخونة العملاء.
فالأمة الإسلامية تعج بالرجال والثروات ويضاف إلى ذلك هشاشة كيان يهود، وما يسطره أبطال فلسطين في نابلس وجنين وغزة وكل مكان يكرس هذه الحقيقة.
حقيقة هشاشة هذا الكيان وأن مجرد وجوده أعجوبة ولغز في ظل قوة الأمة وعظمتها! وحل هذا اللغز لا يكون إلا باقتلاع هؤلاء الحكام الخونة الذين يكبلون هذا العملاق، فالأمة الإسلامية عملاق مكبل لن يقوى على الوقوف في وجهه أقزام أو كيان لا جذور له ولا رجال، إنْ تحرر من قيوده ووقف على قدميه.
وقد آن للأمة الإسلامية أن تعود كما كانت عملاقة ودولة أولى في العالم، وقضية الأرض المباركة ستكون أولى أولوياتها، ولن تكون إلا ساعات أو أياماً معدودة لتحريرها وإعادتها إلى حضن الأمة الإسلامية، ولا بد لأهل القوة وقادة الجند في الأمة الإسلامية أن يتحلوا بالغيرة على المسجد الأقصى.
غيرة كتلك التي عند أهل نابلس العزل وهم يلتفون حول مستشفى رفيديا لمنع جيش يهود من اعتقال الجرحى في تلك الليلة جاعلين من أنفسهم دروعا بشرية لأبطالهم وفلذات أكبادهم، قليل من تلك الغيرة يا جيوش الأمة ويا جنود وضباط الجيوش نستطيع بها تحرير فلسطين والعودة دولة أولى في العالم، خلافة راشدة على منهاج النبوة.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع