أكد رجب طيب أردوغان الخميس 6/10/2022م أنه قد يلتقي مع بشار الأسد عندما يكون الوقت مناسباً وأنه لن يستبعد ذلك. وأضاف أردوغان في مؤتمر صحفي في العاصمة التشيكية براغ على هامش مشاركته في قمة أوروبية موسعة، أن "مثل هذا الاجتماع ليس على جدول الأعمال حالياً، لكن لا يمكنني أن أقول إنه من المستحيل مقابلة الأسد". وتابع قائلا "عندما يحين الوقت المناسب، يمكننا أيضا أن نتجه إلى الاجتماع مع الرئيس السوري".
مثل هذه التصريحات الكثيفة من أركان النظام التركي في هذه المدة القصيرة تعكس حقيقة موقفه الذي بقي فترة طويلة طي الكتمان لأسباب كثيرة، وإن كان يراها البعض انقلاباً حاداً في زاوية الرؤية التركية بالمرحلة القادمة، وعلى عكس ما يتصور الجميع فإنها ليست مفاجئة بل منتظرة منذ فترة، خصوصاً بالنسبة لمن يتابع الدور التركي بدقة منذ انطلاق ثورة الشام المباركة، والخط البياني الذي سارت فيه، ويعرف حقيقته وفي أي فلك يدور.
فالنظام التركي الذي يدور في فلك أمريكا منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم، يعمل كل ما من شأنه خدمة المصالح الأمريكية خارجياً؛ أي أنه لا يتحرك حركة بخصوص سوريا إلا ضمن خطة أمريكا في مواجهة ثورة الشام وإجهاضها، بل لا يسمح لأي من القوى المتدخلة في سوريا أن تعمل منفردة؛ لأن ذلك قد يسبب مشاكل لا تحمد عقباها. وعلى ذلك كان دور تركيا منذ البداية تنفيذ الخطة الأمريكية.
والسؤال هنا: ما هو دور قوى الثورة بعد أن ظهرت حقيقة الدور التركي إلى العلن؟ وما هي الخطة التي يستطيعون فيها رد المكائد التي تحاك لأهل الشام الأحرار لمتابعة الاستمرار في الثورة للوصول لأهدافها وعلى رأسها إسقاط نظام سفاح الشام؟
لقد مرت ثورة الشام بمراحل خطيرة لما لموقع بلاد الشام من أهمية؛ ما دفع أمريكا لتسخير العديد من الدول والأدوات لحرف مسيرة الثورة منذ البداية، والعمل على وأدها؛ ويعود ذلك لأن أهل الثورة عملوا على استعادة قرارهم في تحديد شكل نظام حكمهم، فهذا هو أصل الصراع الذي لم يتوان فيه أعداء الثورة عن الانخراط به واستعمال كافة الأساليب والأدوات لمنع أهل الشام من الوصول إليه، لأنه سيتعمم في العالم ويؤدي إلى تغير شكله وشكل العلاقات الدولية، أي أن المتحكمين بالنظام الدولي وعلى رأسهم أمريكا أدركوا خطورة مطالب الثورة وعلى رأسها "الشعب يريد إسقاط النظام"، فاجتمعوا وتدارسوا كيفية مواجهتها باعتبارها معركة مصيرية.
في المقابل كانت الثورة اليتيمة تحتاج لمن يقودها لتحقيق هدفها المبدئي الذي خرجت لأجله، ولكن من تصدر قيادتها أو من تم تنصيبه كواجهة سياسية لها لم يكن على مستوى الحدث أو كان واجهة مصنعة تنفذ دورها المنوط بها، وأما القيادة العسكرية فقد انقلبت على تطلعات الناس وتاجرت بتضحياتهم وأعطت الشرعية للقيادة السياسية التي صُنعت في دوائر المخابرات الدولية، فكان أن قام القادة العسكريون بجهل أو بعلم بتنفيذ جميع الخطوات السياسية التي أدت إلى إطالة عمر الثورة وتحولوا إلى أدوات في تقييد حركتها وأحياناً في مواجهتها بحجج واهية، وكل ذلك بسبب الدعم المالي والارتباط بالقوى الخارجية ابتداءً بقطر والسعودية وانتهاءً بالنظام التركي الذين لبسوا دور الداعم للثورة.
إن أهداف الثورة كبيرة، وتحتاج قيادة على مستوى أهدافها ووعياً خاصاً في خضم التدخلات الكثيفة والتزاحم على حربها في أبسط الأمور، حتى إن المتابع البسيط أصبح يرى أن تصرفات الحكومات في "المحرر" ومن يدعمها تخدم التوجه العام وهو السير بالثورة نحو هلاكها، وكأن من يدير ملفاتها حتى المعيشية البسيطة هو رأس واحد يتحكم بكل التفاصيل التي تخدم الهدف الاستراتيجي الذي وضعته رأس الشر أمريكا، وهذا كله بسبب عدم إدراك الجميع لأهمية الأعمال السياسية وأهمية وجود القيادة السياسية المخلصة الواعية على المخططات والمستشرفة للمراحل، ليس هذا فحسب بل تضع الخطط والحلول لكل مرحلة فتسير بالناس على هدى وتمنع السقوط في المنزلقات.
إن الواقع الذي وصل له الناس في المناطق المحررة كان مخططاً له بدقة عالية، وشارك في صناعته جميع القوى العسكرية والسياسية، بل كان نتاج أعمالهم وقصر نظرهم وعدم وجود الرؤية السياسية، بالإضافة للتعامل مع الأحداث بردود الأفعال والاختيار دائماً بين السيئ والأسوأ، حتى وصل الحال إلى ما نراه من فقر وجوع وعوز ونزوح وتشرد.
وحتى نخرج مما وصلنا إليه ونتابع مسيرة الثورة ونعيد الناس لبيوتها وقراها ومدنها وأرزاقها، ونُسقط النظام بكافة أركانه ورموزه ودستوره العلماني الذي سمح بقتل الناس وتشريدهم، فإنه يتوجب علينا أن نتحمل المسؤولية الكاملة ونعتبر أن القضية مناطة بنا جميعاً دون استثناء، هذا أولاً، والشيء الثاني المهم هو أن نعلم أن الأعمال السياسية لا تواجه بالأعمال العسكرية بل تواجه بأعمال سياسية، فالدول لم تنل منا وتهزمنا وتشردنا إلا بالأعمال السياسية التي بدأتها بشراء الذمم وتشكيل واجهة عميلة للثورة وربط القوى العسكرية بها وانتهاءً بما يخططونه الآن من مصالحة وعودة لأحضان النظام.
وعلى ذلك يجب الاعتراف بأهمية الأعمال السياسية وجدواها في المواجهة الحتمية، بل هي المنطلق لمن يريد فعلاً الاستمرار بالثورة والوصول بها لأهدافها. وحتى تتم هذه الأعمال لا بد من قيادة سياسية تتبنى مصلحة الثورة ومستعدة لقيادتها والسير بها نحو الهدف؛ وهذه القيادة لها مواصفات معينة يجب اختيارها بدقة، بأن تكون جماعة سياسية ولها مشروع سياسي واضح لا غموض فيه، ويكون معياراً للمحاسبة.
فعلى أهل الشام أن يستعيدوا قرارهم ويختاروا قيادتهم ويتوكلوا على ربهم لتحقيق أهدافهم وثوابت ثورتهم.
رأيك في الموضوع