وقعت الفصائل الفلسطينية الخميس 13/10/2022م في الجزائر اتفاق مصالحة تلتزم بموجبه إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون عام، حسبما أفاد المشاركون بعد يومين على لقاءات جمعت بينهم، واتفقت الفصائل الـ14 المشاركة ومن بينها حركتا حماس وفتح على وثيقة إعلان الجزائر، ووقعها بالأحرف الأولى رؤساء الوفود أمام كاميرات التلفزيون.
إن النظام الجزائري الذي دعا السلطة الفلسطينية وتلك الفصائل لهذا اللقاء، هو جزء من النظام السياسي الرسمي العربي، تابع عميل للغرب المستعمر، يقوم بما تمليه عليه الخطط الاستعمارية، لذلك فالورقة الجزائرية لا تخرج عن الرؤية الاستعمارية للمنطقة، وعلى رأسها رؤية أمريكا، فالمقصود منها هو إحياء منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وبث الروح فيهما من جديد لتأكيد التنازل عن جل الأرض المباركة لكيان يهود من خلال حل الدولتين. والسلطة الفلسطينية هي الأداة الفعالة لتحقيق ذلك، وجمع هذه الفصائل جاء لجعلها جزءاً من ذلك المشروع، وضمن هذا الإطار يتحرك النظام الجزائري ولا يخرج عنه مثله مثل غيره من الأنظمة العميلة للغرب.
والسياق الأمريكي الذي تحبس الأنظمة نفسها فيه يشكل أساس تحركاتها ومبادراتها وتصريحاتها واجتماعاتها وحواراتها، فأمريكا ترى في الشرق الأوسط مخزناً للثروات، وقواعد عسكرية تكرس وجودها في بلادنا، وتسعى لحشد هؤلاء العملاء في صف واحد ضمن كتيبة متجانسة في حربها أمام روسيا، وتهديدها للصين لتبرد جميع الملفات في المنطقة ليصبح ذلك المخزن الكبير من الثروات جاهزا في أي وقت لتنهبه دون التشويش في بعض نزاعات هنا أو هناك.
فأمريكا فرضت حلا بين لبنان وكيان يهود لترسيم الحدود البحرية في اتفاق سياسي يتعدى الاعتراف والتطبيع إلى شراكة اقتصادية، وحلت معظم المشاكل بين الأنظمة التي كانت مفتعلة أساسا، فتصالح النظامان القطري والمصري، والنظام السعودي ودول الخليج، وصنعت تهدئة بين الحوثيين والنظام السعودي، وبأمرها تم تبادل السفراء بين تركيا وكيان يهود.
وأمريكا تريد تبريد هذه المنطقة، وفي هذا السياق تأتي جهودها لتبريد قضية الأرض المباركة عبر ما يسمى المصالحة، من خلال إعادة تدوير منظمه التحرير ومسرحية الانتخابات التشريعية الرئاسية وكل هذه الملفات المزيفة التي لا تعني إلا إحياء مشروعها حل الدولتين. ذلك المشروع الذي لا تنكر السلطة أنه هو أفقها السياسي، فهي تعلن تمسكها به، وأنها تعترف بكيان يهود الغاصب وأن رؤيتها النهائية هي التعايش معه، وتشترط على الفصائل في بعض بنود المصالحة أن ترتضي بالقرارات الدولية وذلك يعني الرضا بحل الدولتين والاعتراف بكيان يهود.
فالسلطة الفلسطينية ليست جبهة لتحرير فلسطين وهي مصرة على خدمة المشروع الأمريكي المتمثل بحل الدولتين، ومن يريد مشاركتها لا بد له أن ينسلخ من مبادئه وينخرط معها في تنفيذ خطط أمريكا في تثبيت كيان يهود وإعطائه جل الأرض المباركة، وهنا تكمن الخطورة فيما يطلق عليه مصالحة! فهي واقعيا مشاركة سياسية ومحاصصة فصائلية!
محاصصة على الطريقة الأمريكية في العراق ولبنان، فأمريكا صنعت نموذجا للنظام السياسي هناك تريد استنساخه في فلسطين لتقسيم المقسم وتفتيت البلاد وجعلها ضعيفة هشة متهالكة حتى تستفرد بكل فئة من الفئات، وتجعلها ضعيفة تابعة لها، فكانت نتيجة تلك المحاصصة الطائفية أن أصبحت البلاد عبارة عن كعكة تتقاسمها الفئات والفصائل المنخرطة في المشروع الأمريكي، ووصل الأمر إلى حالة من البؤس والفساد المستشري أخرج الشعوب في العراق ولبنان في ثورة في وجه تلك الطبقة الفاسدة العميلة لأمريكا التي تكرر نفسها بانتخابات وبدون انتخابات، وتنتج المحاصصة السياسية نفسها، التي جعلت البلاد أسيرة للمستعمر الأمريكي ونهبا للمتحاصصين.
متحاصصون طائفيون في لبنان والعراق تريد أمريكا استنساخهم في فلسطين عبر محاصصة فصائلية تطلق عليها (مصالحة)، فما نتج عن اجتماعات الجزائر هو القالب ذاته الذي تصنعه أمريكا لتفتيت البلاد بين المتحاصصين، فتنشغل الفصائل في تقاسم الوزارات والوظائف والامتيازات في سلطة لا سيادة لها إلا على الورق؛ لتصبح قضية فلسطين عند تلك الفصائل المتحاصصة مجرد كعكة تتنافس وتتصالح على تقاسمها! ولا يغيب عن أحد أن هنالك قطاعات ووظائف وأجهزة واحتكارات تجارية في السلطة الفلسطينية مقسمة حسب الأحزاب والفصائل التابعة لمنظمة التحرير.
فالمحاصصة الفصائلية وإن غلفت بغلاف المصالحة تجعل من الأرض المباركة مزرعة تتقاسمها شرذمة منتفعة من المشروع الأمريكي ومنخرطة في تنفيذ مخططات أمريكا. وهذا هو مفتاح الدخول لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية.
هذه هي السلطة الفلسطينية وكل خطوة باتجاهها هي انخراط في المشروع الأمريكي وركون للظلمة ومهلكة، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾، فالمسألة يقينيا محسومة؛ من يركن إلى الظلمة لن يُنصر، وما بني على باطل فهو باطل، فكيف بمن يركن إلى أمريكا وأدواتها ومشروعها؟! فهو يقينا لن ينصر، بل سيصبح أداة طيعة بيد أمريكا في محاولتها لتصفية قضية فلسطين.
لكن قضية فلسطين ستبقى أكبر من هؤلاء جميعا، فهي قضية الإسلام والأرض المباركة، قضية أمة عظيمة ترنو عيونها لتحرير الأرض المباركة ورفع راية الإسلام على مسرى الرسول ﷺ، فهي أكبر بكثير من أمريكا وعملائها وأدواتهم الفصائلية والطائفية، أكبر من السلطة الفلسطينية، أكبر من كل هؤلاء الأقزام.
ولن تستطيع أمريكا بمشروع حل الدولتين تصفيتها أو تبريدها، فالحل الحتمي والجذري هو تحريرها من يهود، كما حررتها الأمة الإسلامية من قبل من الصليبيين. فالأمة موعودة بالنصر وهي تحث الخطا نحو الخلافة على منهاج النبوة لتقتلع الاستعمار الغربي ومشاريعه وعملاءه من بلادنا وترفع راية العقاب على المسجد الأقصى، إن ذلك على الله يسير.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع