يعود الاقتتال بين الفصائل من جديد في الشمال السوري (المحرر) بدعوى محاسبة قتلة الناشط الإعلامي أبو غنوم رغم وقوع عشرات الاغتيالات والتصفيات من قبل، والتي لم يقم أحد بعدها بملاحقة أو محاسبة أحد.
والجديد في هذا الاقتتال هو اتساع رقعته ليشمل هيئة تحرير الشام وانخراطها لتدخل عفرين وتتجه إلى إعزاز، فما هي خطة المعلم التركي من رعاية هذا الاقتتال؟ وماذا تريد من بعض فصائل الجيش الوطني؟ وما حدود سيطرة هيئة تحرير الشام على مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، بالاقتتال تارة وبالاتفاقات تارة أخرى؟
إن نتائج الاقتتالات السابقة تدلنا على ما يراد من إشعال هذا الاقتتال؛ فقد قاتلت هيئة تحرير الشام الفصائل في إدلب وريفي حماة وحمص وغربي وجنوبي حلب وشرق السكة وغربها بحجج كثيرة أهمها توحيد القرار العسكري. وبعد القضاء على ثمانية عشر فصيلاً وقتل آلاف الشباب المجاهدين توحد القرار بيد الهيئة، وكان من نتائج هذا التوحد تسليم المناطق بمعارك استنزاف وهمية أو حتى بدون معارك في بعض المناطق وصولاً إلى جبل الزاوية.
فهل رعاية المعلم التركي لهذا الاقتتال لتحقيق السيناريو السابق نفسه؟
إن السماح لهيئة تحرير الشام بدخول مناطق في درع الفرات وغصن الزيتون يراد منه حسبما هو متوقع أن يكون من أجل الإمساك بالملف الأمني الذي نجحت فيه في مناطق إدلب حيث تمكنت من السيطرة المطلقة على الجبهات وقضت على كل الفصائل الأخرى، ويراد لدخولها أن يساهم في توحيد قرار فصائل المعارضة لتكوين جسم عسكري واحد يسير خطوات عملية في فتح المعابر والمصالحة مع نظام الإجرام ثم الوصول للحل السياسي وفق ما تريده أمريكا.
ويخشى بعض المحللين أن يكون دخول هيئة تحرير الشام مناطق غصن الفرات ودرع الفرات بديلا عن تسليم مناطق جبل الزاوية وصولاً إلى طريق حلب اللاذقية وجسر الشغور تحقيقاً لاتفاقات سوتشي وأستانة، وهو بلا شك مزيد من الضغط على حاضنة الثورة، بالتهجير والتضييق في المناطق والمساكن والأرزاق.
وسيرافق ذلك القصف الروسي لإرهاب الحاضنة من أجل القبول بمصالحة النظام والعودة إلى المناطق التي سلمت له، لأن دخول الهيئة إلى مناطق درع الفرات وغصن الزيتون سينهي حالة الأمن بذريعة استيلاء الإرهابيين عليها، وهذا يتسق مع ما صرح به الرئيس التركي من أن المصالحة مع النظام والتعاون معه لأجل محاربة الإرهابيين والقضاء على الإرهاب من وجهة نظر كل منهما. والحقيقة أن كل الثورة إرهاب من وجهة نظر نظام الإجرام.
ويعتبر الضغط المتزايد على الحاضنة بمختلف الأساليب من قصف وتجويع وترهيب ومكوس إنما هو دفع لها للقبول بالمصالحة والعودة إلى حضن النظام هرباً مما هي فيه، وكل ذلك برعاية الضامن والمعلم التركي الذي أحكم سيطرته على قرار الثورة ومكوناتها كما أحكم إغلاق حدوده بشكل تام.
إن هذه المؤامرات القديمة الجديدة أصبحت معروفة ومكشوفة للقاصي والداني من أجل تصفية الثورة والقضاء عليها، فهل يعتبر أبناؤنا المجاهدون ويرفضون هذا الاقتتال المحرم وينفضّون عن قادة الفصائل الذين يصرون على السير في تنفيذ هذه المؤامرات لأجل أن يكسبوا مزيداً من الأموال القذرة الملطخة بالدماء والأشلاء تحقيقاً لخطط المعلم التركي وسيده الأمريكي؟!
إن الخلاص من هذا الواقع المتردي للثورة هو برفض القيادة السياسية للمعلم التركي وإسقاط أدواته قادة المنظومة الفصائلية، واتخاذ قيادة سياسية تحمل مشروعاً سياسياً واضحاً ينبثق من عقيدة الأمة ودينها، يرضي ربها ويحقق مصالحها ويقودها إلى النصر والتحرير. قال تعالى: ﴿وَلَا تَركَنُوا إِلَى الَّذِینَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن أَولِیَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ محمد سعيد العبود
رأيك في الموضوع