بعد مضي شهر واحد فقط على اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية أواخر شباط/فبراير الماضي، حل المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبيرغ في 01 نيسان/أبريل الماضي ضيفاً على صنعاء - بعد رفضها قبوله على مدى ثمانية أشهر منذ تعيينه - وبيده مشروع هدنة لإيقاف الحرب بين طرفي القتال في اليمن لمدة شهرين قابلة للتمديد، اتفق على دخولها حيز التنفيذ في 02 نيسان/أبريل الماضي، وتم الترحيب بها في مجلس الأمن. لقد تبدى للمتابع بأن طرفي الصراع الدوليين في اليمن - أمريكا وبريطانيا - قد اتفقا على تهدئة المواجهة بينهما في اليمن، لتوجيه جهودهما معاً لمواجهة روسيا، بإطالة الحرب عليها في المستنقع الأوكراني. وما إن شارفت الهدنة على الانتهاء حتى تم الإسراع في تمديدها لشهرين قادمين.
لا بأس بأن من فرض الهدنة على طرفي الصراع المحليين هما المستفيدون الحقيقيون منها، لكن من خلال متابعة الأعمال السياسية من الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية خلال الشهرين الماضيين 02/04 - 02/06/2022م نجد أن هناك طُفَيْلِيَّيْن آخَرَيْن نالا من الهدنة ما استطاعا؛ أحدهما الحوثيون الطرف المحلي في الصراع، والآخر الإقليمي مملكة آل سعود.
لقد أبدى الحوثيون منذ انطلاق الحرب عليهم رغبتهم الحثيثة في إيقافها، والاعتراف بهم كسلطة الأمر الواقع المتغلبة على الأرض، وكان لا بد من مضي وقت ليبلغوا هدفهم هذا، ولعل ما ألقته الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على اليمن كانت فرصة مناسبة لهم، بعد مضي ثماني سنوات على اندلاع الحرب عليهم. لقد خدمت الهدنة في هذا التوقيت الحوثيين، واستفادوا منها، بالظهور بموقف القوي ذي البأس الشديد من فرض الهدنة على الطرف الآخر - خصوصاً للأتباع - بعد تقديمهم المبادرات المتتالية لإيقاف الحرب في اليمن، كان آخرها مبادرة مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى، في الذكرى الثامنة لدخول التحالف الحرب على الحوثيين في 26 آذار/مارس 2022م، وإلا تعرض نظاما الحكم في الرياض وأبو ظبي للمزيد من الضربات الصاروخية والطائرات المسيرة. كما استفاد الحوثيون من شهري الهدنة بالسماح للسفن المحتجزة في عرض البحر بالدخول إلى موانئ الحديدة، والشروع في بحث أمر تصدير النفط من رأس عيسى القادم من حقول النفط في مأرب، وإنهاء أزمة المشتقات النفطية والغاز داخل مناطق سيطرة الحوثيين، وفتح مطار صنعاء بالتدريج أمام الرحلات الخارجية. ويبقى صرف رواتب موظفي الجهاز الحكومي وفتح الطرقات من المعضلات في بنود الهدنة.
مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ظهر واضحاً رغبة أمريكا بتوجيه الأمر لنظام الحكم في الرياض أن يزيد من الإنتاج النفطي، لتغطية حاجة أوروبا من النفط - بعد حجب نفط روسيا عنها نتيجة العقوبات الاقتصادية عليها - ليكون النفط السلعة الاستراتيجية القادمة نحو أوروبا تمر من تحت يد أمريكا. وقد كان اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية فرصة جاءت إلى باب الرياض كي تنتهي الحرب التي شنتها على الحوثيين، وقد حققت في النهاية الحفاظ على الحوثيين وتثبيتهم في الحكم، وليس القضاء عليهم كهدف زُعم أن الحرب قامت لتحقيقه. وأن تطلب من أمريكا كما وجهت إليها الأمر بزيادة الإنتاج النفطي، أن توجه الأمر للحوثيين بإيقاف إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة القادمة من وراء حدود سايكس بيكو الجنوبية باتجاه الأراضي التي فصلتها تلك الحدود عن بقية أراضي شبه جزيرة العرب بالاتفاقية نفسها، من أجل تأمين حقول النفط، وتأمين مرور الإمدادات النفطية في البحر الأحمر إلى وجهتها بسلام. فتكون مملكة آل سعود قد استجابت في المضي قدماً في المخططات الأمريكية وقامت بالدور الملقى عليها بامتياز، سواء فيما يدور في اليمن، من مزاحمة نفوذ بريطانيا السياسي، بالنفود السياسي الأمريكي، أو بتأمين الإمدادات النفطية.
إن الهدنة التي فرضتها أمريكا وبريطانيا على طرفي الصراع في اليمن قد استفادت منها مملكة آل سعود بإقناع الرأي العام هناك بالقبول بجلوس الحوثيين على كرسي الحكم في صنعاء، بعد أن أرعبهم وصول صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيرة، لضرب أهداف في عدد من مدن المملكة، ولم ترعبهم أعمال الملك سلمان وولي عهده ابنه محمد اللذين كشفت أعمالهما الطاعنة في الإسلام بلبوس الإسلام، منذ جلوس سلمان على كرسي الحكم، عن الوجه الحقيقي البشع لنظام الحكم في الرياض.
كما نال عبد ربه وحكومته الرضا المحلي والدولي بتواريه ونائبه علي محسن الأحمر عن المشهد السياسي، والاعتراف بالمجلس الرئاسي الثماني الذي أعلن عن تشكيله بالرياض في 06/04/2022م، وانزياح عدد من القادة العسكريين بالاغتيالات.
قد نستطيع القول بأن أمريكا وعملاءها هم الرابحون الأوائل من شهري الهدنة في اليمن.
لقد سالت دماء أهل اليمن أنهاراً، وبلغت أعداد القتلى والجرحى مئات الآلاف وأهلكت الأخضر واليابس، ومعها بددت أموال المسلمين بين أهداف تم تدميرها، وسلاح استخدم لتدميرها، لأن من يتصارعون لبسط نفوذهم السياسي الاستعماري الغربي على اليمن لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة.
وستظل اليمن بلاد الإيمان والحكمة ومعها بقية بلاد المسلمين القريبة منها والبعيدة عنها ملعباً تسرح وتمرح فيه الدول الاستعمارية الغربية، تشعل فيها الحروب متى تشاء، وتعقد الهدن متى أرادت، حتى قيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، واللهَ نسألُ أن يكون ذلك قريبا.
رأيك في الموضوع