ذكر موقع بي بي سي بتاريخ 25/5/2022 نقلا عن الرئيس الأمريكي بايدن أثناء جولته في طوكيو؛ وخلال حضوره مؤتمرا لحلف كواد ضد الصين قال: "إن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان عسكريّاً إذا هاجمت الصين تلك الجزيرة ذات الحكم الذاتي"، وتابع: "إن الصين تلعب بالنار..."، وذكر موقع الجزيرة نت في التاريخ نفسه عن الرئيس بايدن؛ في رده على سؤال: عما إذا كانت أمريكا ستتدخل عسكرياً إن حاولت الصين السيطرة على الجزيرة بالقوة، قال بايدن: "هذا هو التعهد الذي قطعناه على أنفسنا"، مضيفاً: "كنا موافقين على سياسة صين واحدة، ولكن فكرة أن تؤخذ تايوان بالقوة هي بكل بساطة غير ملائمة". وقال أيضا خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا؛ عقب اجتماع مطوّل في طوكيو: "إن الصينيين يلعبون بالنار بالفعل حاليّاً؛ عبر التحليق بالقرب من تايوان، وعبر كل المناورات التي يقومون بها". وكان المتحدث باسم مكتب شؤون تايوان التابع لمجلس الدولة الصيني، تجو فينغليان، قد صرح يوم الاثنين 23/5/2022؛ أي قبل الاجتماع المذكور بيومين قائلا: "إن الولايات المتحدة تلعب بالنار في ملف تايوان". جاء ذلك بعد إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن: "أن بلاده مستعدة للدفاع عن الجزيرة عسكرياً في وجه أي غزو صيني"، وصرح تشاو ليجيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، في مؤتمر صحفي عقد الخميس 26/5/2022، أي بعد تصريح الرئيس بايدن في طوكيو بيوم واحد قائلا: "تعارض بكين بشدة جميع أشكال الاتصال الرسمي بين الولايات المتحدة وتايوان". وقال: "إذا قامت رئيسة مجلس النواب الأمريكي بيلوسي بزيارة تايوان، فإن هذا من شأنه أن ينتهك بشكل خطير مبدأ صين واحدة، وشروط البيانات المشتركة الثلاثة بين الصين والولايات المتحدة، ويقوض بشكل خطير سيادة الصين وسلامة أراضيها، ويؤثر بشدة على الأساس السياسي للعلاقات الصينية الأمريكية، ويرسل إشارة خاطئة، لقوى استقلال تايوان الانفصالية؛ وتم تقديم احتجاجات شديدة للجانب الأمريكي"، وتابع قائلا: "إذا أصرت الولايات المتحدة على أن تكون لها طريقتها الخاصة، فستتخذ الصين إجراءات حازمة وقوية لحماية سيادتها، وسلامة أراضيها بحزم.. كل العواقب المحتملة التي ستنشأ عن هذا سيتحملها الجانب الأمريكي بالكامل".
وكرد فعل مشترك من الصين وروسيا على تحركات أمريكا تجاه الصين؛ خاصة زيارة الرئيس الأمريكي لطوكيو، وحضوره القمة السياسية لحلف كواد العسكري، أجرت طائرات روسية وصينية تدريبات مشتركة لتسيير دوريات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع الروسية، الثلاثاء 25/5/2022. أي في الوقت نفسه الذي حضر بايدن قمة سياسية لحلف كواد الذي يضم كلاً من (أمريكا وأستراليا والهند واليابان). وقالت الوزارة في بيان لها: إن التدريبات المشتركة استمرت 13 ساعة فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقي، وشاركت فيها قاذفات استراتيجية روسية من طراز توبوليف تو-95 وطائرات صينية من طراز شئان-إتش 6.
والسؤال الوارد هنا ويسأله كثير من الخبراء والسياسيين: هل يمكن أن تتدحرج الحرب الأوكرانية لتشمل الصين، أم أن هذه الأمور الطارئة سوف يحتويها ساسة الصين وأمريكا كغيرها من أزمات عابرة سبقت هذه الأزمة؟
وللإجابة عن هذا السؤال نقول: لقد ارتبطت بالحرب الأوكرانية غايات وأهداف مخفية، لا تعلنها أمريكا صراحة، ولكنها تظهر أحيانا في تصريحات السياسيين، وفي أعمال أمريكا الدولية. وإن من أهم هذه الغايات والأهداف (غير المعلنة) من الحرب الأوكرانية: تطويق الصين سياسيا وتجاريا واستراتيجيا؛ بحيث تبقى ضمن دائرة السيطرة عن بعد، وعدم منافستها أمريكا خاصة أنها أصبحت عملاقا اقتصاديا؛ صناعيا وتجاريا وفي مجالات التكنولوجيا، والتأثير بكل الوسائل المتاحة لفك الحلف بينها وبين روسيا؛ خاصة بعد إعلان ترسيخ أقدام الشراكة الاستراتيجية غير المحدودة التي وقعتها سنة 2001، وجددتها سنة 2022 في دورة الألعاب الأولمبية. وقامت الصين بتوقيع معاهدات تجارية عدة مع روسيا أشهرها اتفاق الغاز سنة 2014، وصفقة البترول 2013، وتدشين خطوط للغاز والبترول تصل حدود الصين. وقامت الصين أيضا بمد يد العون لروسيا بعد العقوبات التي فرضتها أمريكا عليها بعد احتلالها لمنطقة القرم سنة 2014. وهناك تعاونات كثيرة عسكرية وسياسية واقتصادية مع الصين؛ حيث يعتبر الخبراء الاقتصاديون أن الصين هي أكبر شريك اقتصادي لروسيا. وقد قامت أمريكا بخطوات عديدة في هذا الاتجاه، منها إشعال نار الحرب الدائرة اليوم في أوكرانيا ومحيطها؛ للضغط على روسيا من أجل فك الشراكة بينهما، ومنها كذلك إنشاء الأحلاف العسكرية المحيطة بالصين كحلف كواد وحلف أوكوس العسكرية.
وقامت أمريكا كذلك بفرض بعض القيود على صادرات الصين لأمريكا، وفرضت عليها قيودا جمركية كذلك، وفرضت سابقا عقوبات اقتصادية على الصين في مجالات عسكرية معينة.
إن سياسات ملاحقة الصين للتضييق عليها من جانب أمريكا كثيرة ومتعددة ومتجددة؛ وتشمل نواحي كثيرة منها سياسي ومنها تجاري، ومنها عسكري. والهدف منها - كما قلنا - هو وضع الصين ضمن دائرة معينة لا تتجاوزها عالميا، وفك شراكتها مع الدول الأخرى بحيث تبقى ضعيفة متقوقعة على نفسها.
والحقيقة أن أمريكا قد فشلت في هذه السياسات. وقد بدأت الصين بالتعاون مع غيرها من الدول ككوريا الشمالية وروسيا بالتحدي والتصدي، وإعلان المعارضة لسياسات أمريكا تجاهها. وهذا الأمر سيولد صراعات جديدة ويزيد أُوار الحرب المشتعلة في أوكرانيا وفي غيرها لتتسع دائرتها.
إن مسألة تايوان على وجه الخصوص سوف تفجر صراعا جديدا؛ نتيجة تدخلات أمريكا المتزايدة بالطريقة نفسها التي حصلت في أوكرانيا. فما حصل في أوكرانيا هو أن أمريكا دست أنفها داخل مناطق روسيا الحيوية، وأشعلت النار في جوارها لتتمكن من فرض عقوبات دولية عليها من أجل أهداف غير معلنة أحدها فك شراكتها مع الصين. وبالطريقة نفسها تشعل أمريكا اليوم نارا جديدة بجوار الصين في تايوان؛ لجر الصين للمواجهة واحتلال تايوان؛ كونها جزءاً لا يتجزأ منها، ومنطقة حيوية مثل أوكرانيا لروسيا. ووقعت اتفاقات سابقة مع الصين بخصوص تايوان تماما كما وقعت اتفاقات مع روسيا بخصوص أوكرانيا ثم صارت تتنصل منها وتعمل ضدها بطرق معوجة.
إن هدف أمريكا المخفي هو إشعال صراع دموي في منطقة المحيط الهادي، وبحر الصين الجنوبي. وبالتالي فرض عقوبات دولية على الصين لإرغامها على الركوع عند مطالب أمريكا السياسية، بعد فرض عقوبات شديدة عليها. والحقيقة أن هذه النار التي تحاول أمريكا إشعالها في منطقة تايوان عن طريق التدخلات بالإضافة إلى النار المشتعلة في أوكرانيا وبعض دول أوروبا المجاورة، هذه النيران سوف يمتد حريقها إلى أبعد من أهداف أمريكا، وربما انفلتت منها، ولم تستطع السيطرة عليها؛ فتجر دماراً اقتصاديا عالميا واسعا، وتجر صراعات دموية إقليمية غير محسوبة، لا تخدم مصالح أمريكا ولا غيرها.
وفي الختام نقول: إن عنجهية أمريكا وطمعها وصلفها تجاه العالم سوف يجر عليها الويلات تلو الويلات، وسوف تجر على العالم كله المصائب الاقتصادية والأزمات والشرور والقلق وعدم الاستقرار. وفي النهاية سيكون مكرها سببا في دمارها وخرابها، كما حصل مع غيرها من قبل؛ الإسكندر المقدوني ونابليون وهتلر وغيرهم. فيصدق فيها قول المولى عز وجل: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾، وقوله سبحانه: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.
نسأله تعالى أن تكون هذه الصراعات فاتحة خير لأمة الإسلام لتأخذ طريقها في إنقاذ البشرية من هذا الدمار والخراب والشرور المبنية على سياسات رأس المال المقيتة، والأطماع المرتبطة بالطين والتراب، اللهم آمين.
رأيك في الموضوع