لقد وصل التعليم في السودان إلى وضع كارثي محزن، فهو يتدحرج إلى هاوية الدمار والانهيار، تضافرت في هذا التدمير والانهيار المتعمد عوامل عدة، كان للحكومة الانتقالية فيها نصيب الأسد.
لقد فاقمت سياسات الحكومة الانتقالية الإجرامية؛ من رفع الدعم وتحرير العملة من أزمة الاقتصاد في السودان، بصناعة الغلاء الفاحش، الذي زاد مشكلات التعليم ورفع من تكلفته بالنسبة للأسر، مع رفع الدولة يدها عن التعليم الحكومي، وارتفاع الرسوم الدراسية الباهظة للمدارس الخاصة، حيث يعتمد التعليم في الخرطوم بشكل كبير على المدارس الخاصة التي بلغ عددها حسب العربي الجديد في 8/9/2021م، نحو 12 ألفاً، وتضم حوالي مليون تلميذ، بسبب ضعف المدارس الحكومية التي تأثرت ببيئات تربوية سلبية، مع ازدحام الفصول، وقلة المعلمين المؤهلين لهجرة المعلمين أو تركهم مجال التعليم العام الذي أصبح طارداً لعدم اهتمام الدولة به مع ضيق المعيشة وقلة الراتب، ما ساهم في تدمير البيئة المدرسية وضعف متابعة ومراقبة المعلمين وإداراتهم للطلاب، ما أدى إلى تفلت الكثير، ويظهر ذلك في ضعف درجات التلاميذ وتحصيلهم، ما أدى إلى تدهور التعليم الحكومي في مراحله المختلفة.
نشرت سودان برس في 26/01/2022م، عن رئيس اللجنة التسييرية لأصحاب المدارس الخاصة أن أزمة الكتاب المدرسي لم تراوح مكانها حتى نهاية الفترة الأولى.. وأضاف: "أظهرت النتائج بعد تصحيحها تدنياً في مستوى التحصيل في بعض المدارس بسبب عدم توفر الكتاب المدرسي".
لقد ناقشتُ عدداً من مديري المدارس الحكومية، الذين شكوا من وضع التعليم بألم، وأعلن أغلبهم النية في التوقف عن العمل، إذا استمرت الأوضاع على ذلك، تذمروا من عجز الدولة عن توفير المعلمين، والكتب، بل فرضت بعض المدارس الحكومية مبالغ على الطلاب لتبحث عن معلمين بالأجرة بعيداً عن معالجات الحكومة، ما يعني أن الحكومة تتواطأ لخصخصة التعليم.
كما قامت الحكومة الانتقالية بمغامرة متعمدة في تغيير السلم التعليمي، حيث أضافت المرحلة المتوسطة في وقت لا تملك فيه العدد الكافي للمعلمين، ولا المباني الكافية!
أما التعليم العالي فليس أقل سوءاً، فقد توقفت أغلب الجامعات عن الدراسة لسنوات، منذ العام 2019م، حيث ما زال بعض الطلاب في الفصول الأولى مع تخرج أقرانهم في الجامعات الخاصة، ساعد في ذلك كثرة الاعتصامات والمطالبات بتحسين الوضع، مع التعطيل عن الدراسة فترات طويلة، مع ارتفاع رسوم الدخول للجامعات برغم نجاح الطالب واستحقاقه مقعداً في الجامعة، لتحويل أغلب المقاعد للقبول الخاص؛ (بالمليارات)!
جريمة تغيير المناهج: لقد قامت الحكومة الانتقالية بتغيير المناهج في وقت تتفاقم فيه الأزمات مع الصراع بين الفرقاء على الحكم، ما يعني أن تغيير المناهج من الأجندة الأساسية التي فرضتها الدول الاستعمارية ومؤسساتها على الحكومة الانتقالية يتفق على تنفيذها المدنيون والعسكريون.
إن تغيير المناهج حرب منظمة على المسلمين، تديرها الدول الاستعمارية، ولا غرابة أن الداعم الأساسي لتغيير هذه المناهج هو البنك الدولي. فقد حاول الناطق الرسمي لوزارة التربية التعليم سامي الباقر، إنكار تدخل البنك الدولي في طباعة الكتاب المدرسي حسب سودان برس 08/09/2021م. إلا أن وكيلة وزارة التربية المكلفة حنان إبراهيم أحمد كشفت الحقيقة بقولها: "إن البنك الدولي التزم بطباعة الكتاب في الهند بنسبة 80%، وأكدت طباعة الكتب المعنية وأوضحت أنها حالياً في انتظار ترحيلها إلى الخرطوم" (سودان برس 27/12/2021م).
لقد بذل مدير المناهج بوزارة التربية والتعليم المستقيل عمر القراي مع بداية الفترة الانتقالية محاولات ضخمة للتبشير بتغيير المناهج، ومن إفراغ المناهج التعليمية من القرآن والدروس الفقهية، مع التركيز على تعليم اللغات الأجنبية! بحجة أن السور كثيرة على الطلاب، ويذهب القراي إلى أكثر من ذلك فيقول: "إن سورة مثل الزلزلة تجعل الطفل يعيش في ذعر"! سبحان الله رب العالمين! لقد كان أسلافنا يكملون حفظ كتاب الله عند بلوغ السادسة حتى التاسعة، فما لهؤلاء السفهاء لا يعقلون؟! نعم إنها حربٌ على الإسلام وأهله.
نشرت الخليج أون لاين في 13/12/2017م: أكد وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، في 11/12/2017م: "أن السعودية بدأت بمواجهة الدعاية المتطرّفة من خلال إدراج مواد جديدة وسحب أخرى من المناهج الدراسية في المدارس والمساجد تناهض الفكر المتطرّف". وقال تيلرسون: "اتفقنا معهم على نشر كتب جديدة تدرس في المدارس الموجودة في المساجد حول العالم، والتي ستحل محل الكتب الدراسية القديمة في السعودية". كما أعلن وزير التعليم السعودي، أحمد بن محمد العيسى، الاثنين 10/12/2017م: "أن بلاده بدأت بالتعامل مع الرابطة الأمريكية الوطنية لتعليم الأطفال الصغار (نايك) من أجل تصميم المناهج والمعايير المنهجية الجديدة".
إن توفير التعليم لأبناء المسلمين واجب من واجبات الدولة، يقول النبي ﷺ: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، ولعظم الأمر وأهميته فقد جعل النبي ﷺ فداء الأسير في بدر تعليم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة.
والهدف من التعليم في الإسلام هو بناء شخصيات إسلامية (عقلية ونفسية)؛ عقلية إسلامية، تعقل الأمور وتحكم عليها، بناء على أمر الله سبحانه، ونفسية إسلامية، تميل وتحجم، وتتقدم وتتأخر بناءً على رضوان الله عز وجل، وهذا هو الأصل في التعليم. حيث يكون تلقي جميع المعارف، مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالعقيدة الإسلامية، وعلى هذا الأساس توضع مناهج التعليم ومناهج البحث، فيتخرج العلماء في جميع العلوم التطبيقية من فيزياء وكيمياء وطب وهندسة، وغيرها من العلوم.
تكفل دولة الإسلام الخلافة التعليم المجاني لكل أفراد الرعية، ويكون إلزامياً في مرحلتين الأولى والثانية (الأساس والثانوي). كما تعمل دولة الخلافة على توفير جميع متطلبات البحث والدراسة؛ من مختبرات، ووسائل وغيرها من مستلزمات التعليم.
إن دولة الخلافة لكونها دولة مبدئية ذات رسالة، فإن تعليمها ليس جامداً على الناحية العلمية فحسب، بل هو بطبعه ينقل الناحية العلمية إلى الناحية العملية في كل مناحي الحياة، وإن الشخصيات الإسلامية التي تصنعها دولة الخلافة، من سياسيين وعسكريين، وعلماء في شتى المجالات، سيغيرون وجه العالم حين قيام هذه الدولة.
لذا لن تحل مشاكل التعليم في بلاد المسلمين إلا بإقامة دولة الإسلام، فهلاَّ عمل أهل السودان لهذا العمل العظيم؛ لإيقاف هذا الانهيار في التعليم وفي شتى مجالات الحياة؟!
* مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع