لقد أصبح تغول نظام السيسي لا حدود له، وطغيانه يشتد يوما بعد يوم، وكأنه يتخذ من تجبر وطغيان واستعلاء فرعون مثالا يحتذى، فلسان حاله هو قول فرعون لأهل مصر ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ و﴿مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾! فقد أصدرت النيابة العامة المصرية قراراً بحبس الكاتب الصحفي عبد الناصر سلامة رئيس تحرير جريدة الأهرام السابق لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيقات، إثر نشره مقالا عبر مواقع التواصل الإلكتروني يطالب فيه السيسي بالتنحي وتقديم نفسه للمحاكمة على خلفية معالجته لقضية سد النهضة الإثيوبي وعدد من الملفات الأخرى. ووجهت النيابة العامة إلى سلامة تهمة ارتكاب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب، والانضمام لجماعة إرهابية أسست على خلاف أحكام القانون! وبقدرة قادر أصبح أحد الرموز الصحفية خائنا وعميلا وممولا للإرهاب ومنضما لجماعة إرهابية لمجرد أنه مارس عمله الصحفي وكتب مقالا عبر فيه عن رأيه وبين فيه مخاطر سد النهضة وما تسبب به اتفاق المبادئ الذي وقعه السيسي بإرادته المنفردة مع إثيوبيا من مصائب وويلات ليكون أم الجرائم التي أوصلتنا إلى ضياع حقوق مصر المائية وما سيترتب عليها من تجويع وتعطيش الناس وتصحر الأراضي الزراعية والبطالة وتضرر السد العالي، وهي جرائم يجب أن يحاسب عليها السيسي بجانب جرائمه الأخرى. والواضح أن السيسي لا يقبل مجرد النقد ولا يوجد في قاموسه ما يسمى الرأي والرأي الآخر، حتى وإن كان من يوجه له النقد هو من عظام الرقبة!
فقد بات السجن والتشريد والنفي خارج البلاد والتشويه والتهميش مصير العديد ممن دعوا لمظاهرات 30 حزيران/يونيو ودعموا السيسي، ليكون لسان حال الجميع "أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض". وقد طالت الاعتقالات الكثير ممن أيدوا الانقلاب الذي قاده السيسي، من أمثال أحمد ماهر وأحمد دومه وإسراء عبد الفتاح وحازم عبد العظيم الذي عمل منسقا للجنة الشباب في الحملة الرسمية لترشح عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية عام 2014، ليتم اعتقاله في 26 أيار/مايو 2018 بعد كشفه عن دور الأجهزة الأمنية في تشكيل البرلمان الحالي وانتقاده المستمر لسياسات السيسي.
لقد قالها السيسي من قبل "لا تسمعوا لأحد غيري"، فهو يرى أن قوله هو الصواب، بل هو الحق المطلق، وهو الآن يقول بالعامية "بلاش هري"، أي لا تتكلموا كثيرا، اسمعوا وأنتم صامتون، فكلامكم لا قيمة له، وأنتم تهرفون بما لا تعرفون، فعندما طالبه أحدهم برفع مرتبات الموظفين كاد أن يبطش به وعنفه واستهزأ به كأنه نكرة لا قيمة له ولا لكلامه! وفي إحدى المناسبات قبل عدة سنوات طالب أحد الحضور السيسي بتأجيل قرارات رفع الدعم عن بعض السلع، فأجابه السيسي "هل درست الموضوع الذي تتحدث عنه، وما هي معلوماتك عنه ومؤهلاتك للحديث فيه؟"، وكاد الرجل أن يقول يا ليتني مت قبل هذا!
هل يمكن لهكذا نظام أن يرعى شئون الناس ويحفظ مصالحهم؟! وهل يقاد الناس بالخوف؟! نظام لا يسمع لأحد، وكل من يقول رأيه بصدق فهو موضع اتهام، ومصيره إما الاعتقال أو الموت. نظام لا يقبل أي معارضة فعلى الجميع أن يسبّح بحمد القائد صباح مساء، نظام لا يثق بشعبه، بل ويراه شعبا تافها لا قيمة له، بل أكثر من ذلك يرى أن نظامه ليس دولة حقيقية بل شبه دولة، وأننا لسنا فقراء فقط بل فقراء جدا! وحتى مجلس النواب الذي يتباهى به النظام الديمقراطي باعتباره أيقونة النظام ومكمن قوته، تتم صناعته صناعة على أعين المخابرات، ليخرج للناس برلمانا مفصلا على مقاس السلطة لا يحرك ساكنا ولا يحاسب فاسدا ولا يحق حقا ولا يبطل باطلا، وكانت آخر خطاياه أن أقر مشروع قانون مقدم من عدد من النواب يقضي بفصل الموظفين المنتمين للإخوان من الوظائف الحكومية. ومن يشذ عن تلك القاعدة وينتقد النظام أو يعترض فمصيره الإبعاد ورفع الحصانة، فلا مكان فيه للناقدين أو المعارضين، بل مجرد جماعة من المنتفعين المطبلين الذين لا هم لهم سوى تحقيق مصالحهم الشخصية.
نظام يمتلك جيشه أموالا سرية لا تخضع لأي رقابة من أي جهة، ويصر قادته على التمسك بقوة باستمرار أنشطة الجيش الاقتصادية المعلنة وغير المعلنة الخاصة بهم، ويرفضون خضوعها لأي رقابة حقيقية، يؤكد ذلك تصريحات اللواء محمود نصر التي أصدرها عقب اندلاع ثورة يناير، والتي قال فيها نصا: "سنقاتل على مشروعاتنا وهذه معركة لن نتركها، الجهد الذي بذلناه لـ30 سنة لن نتركه لأحد آخر يدمره". فهل يرجى من هكذا نظام خير قط؟! نظام تحول الإعلام فيه إلى منابر سياسية تقتات على الكذب وترويج الإشاعات وتضليل الرأي العام ودق طبول الحرب والفتنة وبث سموم الكراهية بين فئات المجتمع، دون رادع من قانون أو ميثاق. نظام أصبحت نيابة أمن الدولة فيه أداة شريرة للقمع، حيث لا توفر في جميع مراحل التقاضي ضمانات المحاكمة العادلة، وهي تنظر في قضايا ناتجة عن ممارسة الحقوق السياسية المكفولة قانونيا، حيث تمت إحالة عدة ناشطين على محاكمات بسبب مواقفهم السياسية ومعارضتهم لسياسات الحكم القائمة. الأمر الذي يجعل كل مسار التقاضي منذ الاعتقال وصولا إلى الحكم واقعا تحت تقدير التعسُّف، بل يتم بالأمر المباشر من القيادة السياسية، لتصدر أحكام الإعدام بالجملة ودون أن يرف لهم جفن.
نظام أطلق كلابه للهجوم على الإسلام تحت ذريعة (الحرب على الإرهاب)، ونكل بالمعارضين بتلفيق التهم كالانتماء لجماعة إرهابية أو دعم وتمويل الإرهاب. نظام قد أسلم البلاد والعباد لأعداء الأمة يفعلون بها ما يشاؤون، ينهبون خيراتها وثرواتها، ويدمرون اقتصادها وشبابها، بل عدّه كيان يهود كنزا استراتيجيا له. ويكفي هذا النظام جرما أنه نظام لا يحكم بما أنزل الله.
فيا أهل الكنانة؛ ألا يستحق هذا النظام الوقوف بوجهه وإسقاطه والتخلص منه؟! والبديل معلوم غير مجهول وهو استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة على منهاج النبوة، النظام الذي فرضه رب العالمين لنعيش في ظله عيشا إسلاميا حقيقيا. قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾.
رأيك في الموضوع