(مترجم)
مع قيام طالبان بالسيطرة على المزيد من المناطق والتقدم نحو كابول، تزداد مخاوف الحكومة الهندية من أن نفوذها في كابول سوف يتضاءل بشكل كبير، فقد كانت نيودلهي تدعم الحكومة الأفغانية بالمال والسلاح والخبرة، ولم تول إلا القليل من الاهتمام لحركة طالبان وأنصارها. وتسعى الهند الآن لفتح حوار مع طالبان، وهو جزء من حملة جديدة ينظمها مودي للاحتفاظ بنفوذ الهند في الدولة التي مزقتها الحرب، وهناك ثلاثة أسباب تجعل الهند قلقة للغاية من انتصار حركة طالبان:
أولاً، تدرك النخبة الهندوسية الحقيقة التاريخية بأن أفغانستان شنت في مناسبات عديدة غزوات عميقة في الهند لوضع حجر الأساس للحكم بالإسلام. وخلال فترة حكم محمود غزني (971-1030م) في أفغانستان، تعرضت الهند للغزو سبع عشرة مرة لتوسيع أراضي سلطنته وفرض الأحكام والنظام الإسلامي. كما دمرت أصناماً مشهورة مثل سومناث وكانجرا وماثورا وجوالاموخي، ليجعل الهندوس يدركون أن أصنامهم عاجزة عن حمايتهم، وأنه لا ملجأ لهم إلا الله. وقد نفّذت السلطنة الغورية (1175-1206م) سبع عمليات توغل في الهند لدعم الشريعة في أماكن مثل أنهيلوارا وثانيسار وتشاندوار ومولتان ولاهور. وحتى سلطنة دلهي الشهيرة (1206 – 1526م) التي حكمت أجزاء كبيرة من الهند لمدة 320 عاماً كانت أصولها في أفغانستان. وكان مؤسسها قطب الدين أيبك. وأخيراً، تم وضع الهند بأكملها تحت الحكم الإسلامي خلال سلطنة المغول (1526-1857م). وكان بابير مؤسس سلطنة موغال، قد مكّن لنفسه في كابول أولاً قبل عبور ممر خيبر لهزيمة إبراهيم لودي في بانيبات، وبعد وفاة أورنجزيب عام 1707م، تدخّلت سلطنة دوراني وقاعدتها في أفغانستان في البنجاب مرات عدة لتوطيد دعائم النظام الإسلامي فيها، ومن ثم، فإن خطر الغزو من أفغانستان يأخذ حيزا كبيرا في أذهان النخبة الهندوسية.
ثانياً، أدى هذا السياق التاريخي إلى جانب تهديد باكستان إلى دفع الساسة الهنود نحو دعم الحكومة الأفغانية الوليدة بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001. وعلاوة على ذلك، أضاف احتضان أمريكا للهند لمواجهة الصين زخماً إضافياً في نيودلهي لدعم الحكومة في كابول، وقد استثمرت الهند ما مجموعه 3 مليارات دولار في السدود والطرق والبنية التحتية والتجارة على مدى العقدين الماضيين في البلاد. وفي عام 2011، أعادت اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين الهند وأفغانستان تقديم المساعدة الهندية لجهود إعادة الإعمار والتجارة الثنائية في أفغانستان، والتي تبلغ قيمتها اليوم 1.5 مليار دولار. وإلى جانب جهود إعادة الإعمار، قامت الهند أيضاً بتدريب وتجهيز قوات الأمن الأفغانية واستخدمت قنصلياتها للقيام بعمليات إرهابية سرية في بلوشستان، وحتى مع اندفاع طالبان لشن هجوم على كابول، فإنه لا تزال الهند تمد الجيش الأفغاني بالسلاح. وفي 16 تموز/يوليو، وصلت طائرة من طراز C-17 تابعة للقوات الجوية الهندية إلى مطار قندهار لتسليم 40 طناً من قذائف المدفعية من عيار 122 ملم. وردت حركة طالبان في الماضي بشدة على مثل هذه التطورات، وقد رفضت حتى الآن مبادرات الهند للسلام. وقال المتحدث باسم الجماعة سهيل شاهين: "لدينا تقارير من قادتنا تفيد بأن الهند تزود الجانب الآخر بالأسلحة، فكيف يعقل أنهم يريدون التحدث إلى طالبان وهم عمليا يزودون كابول بالأسلحة والطائرات بدون طيار وبكل شيء؟! هذا تناقض". إنّ الهدف الرئيسي للهند من وراء هذه الإجراءات هو ضمان بقاء أفغانستان علمانية ومنع سيطرة الإسلام على البلاد.
ثالثاً، بعد هزيمة الهند في مرتفعات كارجيل في عام 1999 على يد القوات الباكستانية، وإزاحة طالبان من السلطة في كانون الأول/ديسمبر 2001، خضعت عقيدة الهند العسكرية وسياستها الخارجية في أفغانستان لمراجعات عدة، وأخذت هذه الاستراتيجية في الاعتبار فقدان العمق الاستراتيجي لباكستان، بسبب هزيمة أمريكا لطالبان وتشكيل حكومة جديدة في كابول على أساس تفاهمات مؤتمر بون. وتعتمد حسابات الهند السياسية اليوم على توفير بيئة معادية على الحدود الغربية والشرقية لباكستان، وإيقاع باكستان بين قوات الأمن الأفغانية والهندية، وكاد هذا الظرف أن يؤدي إلى نزاع مسلح بين القوتين النوويتين في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حتى تدخلت أمريكا لتهدئة الوضع. ومع ذلك، فإن أفغانستان التي تعارض أي مصالحة مع باكستان ظلت هي الدعامة الأساسية للسياسة الهندية على مدار العشرين عاماً الماضية. ومع ذلك، فإن المكاسب المذهلة التي حققتها طالبان مؤخراً تنذر بقلب هذا المنطق الاستراتيجي، حيث تبدو احتمالات إعادة بناء عمقها الاستراتيجي في أفغانستان أقرب من أي وقت مضى في العشرين عاماً الماضية، ويأتي هذا في وقت سيئ جدا بالنسبة لنيودلهي، لأن الهند تواجه عسكرة متزايدة على طول حدودها مع الصين وواجهت مناوشات ساخنة مع جيش التحرير الشعبي في لداخ. وبالتزامن مع ذلك، تسعى الهند لفتح قنوات مع طالبان للتأكد من مدى التعديلات التي يجب إجراؤها على عقيدتها العسكرية وسياستها الخارجية في أفغانستان.
لقد هزم الأفغان البريطانيين عام 1862، وهزموا السوفييت عام 1989، وهزموا الأمريكيين عام 2021. وفي ظل هذه الظروف، لن ترسل الهند قوات تلقى مصيراً مشابهاً، كما تخشى الهند من وصول طالبان إلى السلطة في كابول، ولكن أكبر مخاوف النخبة الهندوسية هي أن يتولى الإسلاميون السلطة في إسلام أباد ثم يشرعوا في توحيد باكستان وأفغانستان تحت راية التوحيد، ولن يؤدي هذا إلى نهاية عداء الهند تجاه المسلمين فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى تسريع إدخال الهند في الإسلام وإرساء وجود نظام الحكم الإسلامي في شبه القارة الهندية.
بقلم: الأستاذ عبد المجيد بهاتي
رأيك في الموضوع