في آخر أيام شهر رمضان المبارك، وعشية عيد الفطر السعيد، وبالتزامن مع أذان المغرب، وبينما يتهيأ الصائمون لفطرهم، كانت طائرات الغدر والإجرام اليهودي تدك قطاع غزة الحبيب، وتمطره بحمم حقدها الأسود، عشرة أيام متواصلة وآلة القتل والدمار تفعل بالقطاع المحاصر الأفاعيل، تنشر الرعب والإرهاب في كل مكان، وترتكب مجازر تقشعر لها الأبدان، تكشف عن وحشية وهمجية فاقت كل تصور، قصفت بيوت الآمنين، قتلت الأطفال والنساء، هجرت وشردت ودمرت كل معنى للحياة.
منذ 73 سنة كانت نكبة فلسطين، في أيار/مايو 1948 حيث انتهكت عصابات يهود كل حرمة، ومارست كل جريمة، حتى تمكنت من اغتصاب فلسطين وإقامة كيانهم المسخ، والذي لم يكن لهم أن يقيموه لولا معاونة الغرب المستعمر لهم، وخيانة الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين، الأمر الذي لا زال مشهودا ومحسوسا وملموسا، منذ ذلك اليوم المشؤوم، وكيان يهود معتد آثم، يمارس أصناف العذاب على أهل الأرض المباركة، ينتهك الحرمات ويدنس المقدسات، ولا زال حكام المسلمين متواطئين ومتخاذلين، يقومون بحمايته من الأمة وغضبتها، ويمنعون أي تحرك يهدد وجوده ويزعزع أركانه، ففي كل مرة يعتدي فيها كيان يهود على أهل فلسطين، وينفذ أبشع الجرائم بحقهم، ويستخدم أعتى أنواع الأسلحة ضدهم، ويسفك الدم الحرام حتى يغطي الشاشات في بث حي وعلى الهواء مباشرة، يقف حكام المسلمين كأنهم خشب مسندة، يصمتون صمت أهل القبور، بل إنهم في كثير من الأحيان يشاركون يهود العدوان، وبدل أن يكون لهم تحرك جاد من شأنه أن يرفع آلة القتل، ويوقف الظلم والعدوان، يمارسون التضليل على شعوبهم ويكتفون بعبارات الشجب والاستنكار وجمع الأموال والتبرعات.
ولعله من بوادر الخير، وبشريات النصر أن تأتي الذكريات متزامنة مع الأحداث الجارية، لتضع بين أيدينا فرصة لإعادة حساباتنا، وترتيب أوراقنا، والفهم بشكل أعمق، وكتابة المعادلة بطريقة مختلفة عما أراده لنا أعداؤنا وأدواتهم، إذ لا بد من قراءة المسألة على وجهها الصحيح، ليكون التحرك منتجاً وفي الاتجاه السليم، ففلسطين ليست قضية وطن ضائع وشعب مشرد، وليست قضية إنسانية تستوجب تحرك القلوب الرحيمة للمساندة والمساعدة، لتوفير حياة كريمة لأولئك المظلومين والمهجرين والمشردين، بل إنها أيها المسلمون مسألة دين، وقضية عقيدة، فأمانة الأرض المباركة فلسطين في أعناقكم ما دمتم تقرأون سورة الإسراء، فيها المسجد الأقصى قبلتكم الأولى، ومسرى رسولكم ﷺ ومعراجه إلى السماء، وثالث ما يشد إليه الرحال من المساجد فهو الأخ الشقيق للمسجد الحرام والمسجد النبوي. حريٌ بكم أيها المسلمون أن تتحرك قلوبكم، وتغلي الدماء في عروقكم، وتشتعل النخوة في نفوسكم، وتستنفر دينكم وإيمانكم، فتكسروا كل قيد يمنعكم عن نصرة إخوانكم.
لقد أظهرت الجولة الأخيرة من عدوان يهود الغاشم أموراً مهمة، وتحققت فيها إنجازات عظيمة يمكن البناء عليها وهي كالتالي:
- قضية فلسطين قضية الأمة الإسلامية، وليست قضية وطنية خاصة بأهل فلسطين وهي أكبر من كل مسؤول وقائد وفصيل، والذي بات واضحاً من خلال تحركات الأمة ومطالبتها بالتحرير، وفتح الحدود، وتحريك الجيوش، فهي توشك أن تنفلت من عقالها، وتستعيد سلطانها.
- صفعة كبيرة على وجه الأنظمة الحاكمة، وفضح لخذلانهم وتآمرهم باختلاف مسمياتهم، الممانعين منهم والمطبعين المنبطحين على حد سواء.
- كشفت الأحداث هشاشة كيان يهود وضعفه، وأنه لا يقوى على الصمود أمام أي مواجهة حقيقية، فلقد مرغت غزة المحاصرة، وأبطالها الصناديد أنفه بالتراب، ولقد أثبتت تلك الثلة المرابطة المجاهدة المحاصرة، والمستهدفة من (الصديق المزيف) قبل العدو، وهي لا تمتلك من العدة والعتاد ما يمكن مقارنته أمام ما يمتلكه الكيان الغاصب من أسباب القوة، وأدوات القتال وتقنياته، لقد أثبت أولئك الأبطال أن ذلك الكيان ما هو إلا مجسم من ورق، وأنه أوهن من بيت العنكبوت، يمكن إسقاطه وكنسه وتطهير الأرض المباركة من رجسه ودنسه في ساعة من نهار، فالأمة قادرة على إنجاز التحرير الكامل والشامل، إن توفرت النوايا الخالصة، والإرادة الصادقة، وتحركت جيوشنا المحيطة بفلسطين إحاطة السوار بالمعصم.
- سقوط كل الحلول التي لا ترقى إلى التحرير الكامل للأرض المباركة، وأي دعوة لحلول انهزامية، كالتدويل، أو لجنة ثلاثية للأديان لإدارة الحرم القدسي، أو حل الدولتين، أو أي طرح يعطي ليهود حقاً في الوجود على أرض فلسطين فهي حلول خيانية، لا بد لأهل فلسطين أن يرفضوها بشكل واضح وقاطع، وعليهم أن يدركوا أن موقفهم من تلك الخيانات وصمودهم في وجهها مهم جدا بقدر أهمية جهادهم، وعظمة صمودهم في وجه إجرام يهود، وعلى الأمة أن تقف وراءهم في ذلك وتساندهم بكل ما ملكت من قوة.
أيها المسلمون: إن مفتاح الحل بأيديكم، وإن طريق خلاصكم بات واضحاً، فشمروا عن سواعدكم، بادروا بالتحرك لإسقاط تلك الأنظمة العميلة، وانتزعوا سلطانكم منها، وحرروا أنفسكم من طغيانها، واجمعوا قوتكم، ورصوا صفوفكم، توجهوا إلى ثكنات الجيش ومقرات الجند، وقيادة الأركان، وناشدوا آباءكم وإخوانكم وأبناءكم، من الضباط والجنود بوجوب التحرك على الفور ونصرة إخوانكم في الأرض المباركة فلسطين.
فلا عذر لكم اليوم أيها الجند وأنتم ترون بأم أعينكم هشاشة ذلك الكيان المسخ وضعفه وتهاويه أمام ضربات المجاهدين المباركة، وهم الذين لا يملكون من القوة عشر معشار ما تملكون أنتم.
فأين أنتم يا جند مصر الكنانة، يا أبطال العاشر من رمضان / أكتوبر 1973م؟! وأين أنتم يا نشامى الأردن، أبطال الكرامة أحفاد اللواء مشهور الجازي؟! وأين أنتم يا جند باكستان الأحرار، الذين جعلتم من الجهاد في سبيل الله طريقا لكم، ولا إله إلا الله شعاراً لجيشكم؟! وأين جند تركيا، أحفاد الفاتح وسليمان وعبد الحميد أحفاد العظماء الأفذاذ؟! أين جند إيران وترسانتها العسكرية المتنوعة؟!
يا جيوش المسلمين: إننا إذ نناديكم نداءنا الحار فإننا نخاطب فيكم إيمانكم، نخاطب عقيدتكم، نخاطب إسلامكم؛ نخاطب نخوتكم ومروءتكم، ألا تخجلون من أنفسكم؟! ألا تؤثر كل هذه الدماء المسفوحة فيكم؟! ألا تسمعون صرخات استغاثة إخوانكم وهم يصطلون اللهب وينامون على الجمر؟! أليس فيكم رجل رشيد يعيد سيرة صلاح الدين وقطز وبيبرس؟! ألا تشتاقون إلى جنة عرضها السماوات والأرض؟! أولسنا إخوة في الدين؟!
إن حقيقة هذا الكيان واضحة لا لبس فيها؛ لا يصمد في مواجهة فئة قليلة لا تملك إلا خفيف السلاح، ولكنها تمتلك إيمانا راسخا بربها ويقينا بنصره، ولولا حماية الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين له، والتي تستند إلى قوتكم في وجودها وبقائها، لما كان لهذا الكيان أن يحيا بين ظهراني المسلمين طوال تلك السنوات السبعين، فعليكم أن تختاروا صفكم؛ فإما أن تحموا تلك الأنظمة فتكونوا حماة ليهود، وإما أن تسقطوا هذه الأنظمة وعروشها، وتتحرروا من قبضتها وتحرروا أمتكم معكم، وتنقضّوا على كيان يهود فتكونوا وعد الله سبحانه الذي توعدهم به ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾.
أيها الأحرار والشرفاء والمخلصون أبناء أمتنا الإسلامية الكريمة وضباطها وجنودها، إنها لحظات فارقة فاصلة، وتحقيق الانتصار على يهود ودك كيانهم وتتبير علوّهم بأيديكم فأطيلوا أو قصروا، فإن تصمتوا وتستكينوا وتتثاقلوا إلى الأرض ولا تنفروا لنصرة دينكم وإخوانكم فقد أبعدتم رحمة ربكم عنكم وإني أخاف عليكم أن تجري فيكم سنة الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ واحذروا من قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾، وإما أن تتحركوا من فوركم وتنفضوا غبار الذل عنكم وتستفتحوا ربكم وتدخلوا ﴿عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
رأيك في الموضوع