جانب النزاع الذي يتعلق بالسياسة الاستعمارية:
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حافظت روسيا على استعمارها المباشر على جمهوريات آسيا الوسطى، وتحاول أمريكا انتزاعها منها. إن الغرب يؤيد أمريكا بشكل كامل في هذا الصدد. ففي البداية قصدت أمريكا استخدام الحرب الأهلية في طاجيكستان (1992م-1997م) أداةً للاستيلاء على طاجيكستان، ومع ذلك، انتهى الأمر لصالح روسيا. ثم شكلت أمريكا بعد ذلك تهديداً عسكرياً للاستعمار الروسي من خلال جلب طالبان إلى السلطة في أفغانستان، ولكن ارتفع هذا التهديد بسبب الخلاف بين أمريكا وطالبان. ومنذ ذلك الوقت تحاول أمريكا تنفيذ المشاريع الكبرى السياسية والاقتصادية في المنطقة وتهدف بهذه المشاريع إلى التكامل المتبادل لجمهوريات آسيا الوسطى. ومع ذلك، إذا اندلعت الحروب الأهلية أو بين الدول في آسيا الوسطى فإن أمريكا مهتمة بإشعال هذه الحرب والتخلي عن المشاريع الأخرى. لأن هذه الحروب تسبب عدم الاستقرار في النظام الاستعماري الروسي وتضعف استعمار روسيا وتسمح لأمريكا بدخول المنطقة في جميع الاتجاهات.
إن روسيا تمسك هذه الدول بالقوة وتهدد بخطر الإرهاب والتطرف وتثير النزاعات الحدودية وتضيق على العمال المهاجرين وما إلى ذلك؛ لأنه ليس لديها مبدأ يوحد الدول التي تحت استعمارها، ولذلك ضغطت على طاجيكستان حتى اليوم من خلال النزاعات الحدودية للانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ولكن كان الأمر مختلفاً هذه المرة.
حاولت روسيا هذه المرة "أن تصطاد أرنبين برصاصة واحدة" بتحريض السلطات الطاجيكية ضد قرغيزستان؛
أولاً: من المعروف أن أمريكا تريد سحب قواتها من أفغانستان. لهذا من المفيد لها وضع وحدتها العسكرية التي تسحبها من أفغانستان في دولة تابعة لروسيا أكثر من وضعها في دولة تابعة لها مثل باكستان. فتكون هذه خطوة تالية إلى الأمام في الاستيلاء على المستعمرات الروسية.
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في 15 نيسان/أبريل أن مسؤولين أمريكيين يجرون محادثات مع كازاخستان وأوزبيكستان وطاجيكستان بشأن القاعدة العسكرية. فقد قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في 22 نيسان/أبريل إنه التقى مع وزيري خارجية أوزبيكستان وكازاخستان.
نتيجة لذلك، بدأت روسيا في اتخاذ إجراءات في هذا الصدد؛ لأنها لا تريد قواعد أمريكية على الأراضي التابعة لها. كما لا تريد أن يأتي تهديد، بعد انسحاب قوات أمريكية من أفغانستان، لمصالح روسيا من خلال الحكومة الأفغانية الجديدة والجماعات المسلحة التي رتبتها أمريكا مسبقاً. تُعدّ طاجيكستان من حدود روسيا في حروب المصالح في المنطقة. لذلك في 26-27 نيسان/أبريل زار وزير الدفاع الروسي طاجيكستان ووقع اتفاقيات عسكرية.
ثانياً: من المعروف أن رئيس قرغيزستان زار أوزبيكستان يومي 11 و12 آذار/مارس ووقع اتفاقيات كبيرة. وفي وقت لاحق، أعلن رئيس لجنة الدولة للأمن القومي خلال زيارته في 24-25 آذار/مارس أن القضايا الحدودية بين قرغيزستان وأوزبيكستان قد تم حلها بنسبة 100٪. وقد أثارت هذه الاتفاقيات غضب روسيا، لأنها جرت في إطار مشروع أمريكا لتكامل آسيا الوسطى. وبالتالي في البداية عارض الموالون لروسيا في المعارضة، ثم حاولت روسيا معاقبة الحكومة القرغيزية من خلال دعمها لطاجيكستان فيما يتعلق بقضية الحدود بين قرغيزستان وطاجيكستان. كما كان ينوي بذلك تخويف حكومتي أوزبيكستان وكازاخستان من العمل ضد رغبات روسيا.
في 19 نيسان/أبريل اعتُقل إيسينباي ماجيتوف في روسيا على يد ضباط إنفاذ القانون الروسي وهو من سكان منطقة باتكين في قرغيزستان، ويرجع ذلك إلى حقيقة أن طاجيكستان أعلنت البحث عنه. وكانت هذه علامة على أن روسيا بدأت في دعم طاجيكستان في قضية الحدود بين طاجيكستان وقرغيزستان. وفي وقت سابق، عند استخدام قرغيزستان، تم اعتقال شخص من طاجيكستان في شباط/فبراير بناءً على بحث أعلنته قرغيزستان.
عندما بدأ النزاع الحدودي في يومي 28 و29 نيسان/أبريل عُقد اجتماع لأمناء مجالس الأمن للدول الأعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي في طاجيكستان، ولم تكن هناك محاولة لوقف الاشتباكات الحدودية. هذا يعني أن روسيا زعيم منظمة معاهدة الأمن الجماعي قد دعمت هذا النزاع.
وفي 29 نيسان/أبريل قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن الكرملين يراقب آخر تطورات الوضع على الحدود. وهذا يعني أن الحادثة صارت تحت السيطرة الروسية. ويتضح من هذه الحقائق وما يماثلها أن روسيا هي الداعم والمنظم لهذه الحادثة.
لكن الغرب قرر تحويل الحادث لمصلحته من خلال الموالين له. فقد أراد في البداية تحريض البلاد على الحرب باستخدام الحس الشعبي، وحث الدول التابعة للغرب على دعم قرغيزستان بالخفاء. ومع ذلك لم يتمكن من القيام بذلك بسبب نقص كوادره التي تحقق هذا الهدف في قرغيزستان. حتى الجنرالات الموالون للغرب لم يقبلوا هذه المهمة خوفا من روسيا. إن الجنرالات إذا فعلوا ذلك سيجعلهم الغرب "أبطال الشعب" ولكنهم يخشون أن يُقتلوا على يد روسيا. والسلطات فرّت من الحرب، لأنها رأت أن روسيا وراء الصراع، وتخشى إن هي عارضت سيناريو روسيا أن يتم الإطاحة بها واستبدال سلطات عميلة أخرى بها. حتى روسيا وطاجيكستان كانتا تخافان من نهاية السيناريو. وهم بقولهم "نحن راعينا الناس" كاذبون، فهم الذين تسببوا بالخسائر والمعاناة للناس وإذا كان قولهم صحيحاً سيتحدثون عن مسؤولياتهم.
الآن يشنّ الغرب هجوماً إعلامياً، وإن عملاءه في قرغيزستان أخذوا زمام المبادرة لمناشدة المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة. وسيكتشف من خلال هذا أن روسيا دولة مستعمرة متعطشة للدماء وتنشئ الفرصة للشعب بالابتعاد عنها. وبفضل الله تعالى أثارت هذه الحادثة كراهية لها حتى بين الموالين لروسيا.
بقلم: الأستاذ عبد الحكيم كاراهاني
رأيك في الموضوع