منذ افتتاح الرئيس الباكستاني عمران خان لمؤتمر (إسلام أباد الأمني: معاً من أجل أفكار 2021) وخطابه فيه، وما تبعه في اليوم التالي من خطاب لقائد الأركان الجنرال خان في 17 من آذار/مارس 2021م، منذ ذلك اليوم ولغاية يومنا هذا، يسير النظام بشقيه السياسي والعسكري بخُطا حثيثة لتنفيذ ما جاء في المؤتمر، وخصوصا ما جاء في خطاب الرجل الأول والحاكم الفعلي في النظام، قائد المؤسسة العسكرية الجنرال باجوا، الذي بدأ النظام بقيادته بالحوار المباشر مع الهند، فذكرت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية: "إن قائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا بدأ محادثات مع الهند في إطار التحضير لاجتماع مرتقب بين رئيسي وزراء الدولتين الجارتين، وفقا لما ذكرته ثلاثة مصادر على دراية مباشرة بالأمر"، وهذا يؤكد على جدية النظام وعزمه على دفن الماضي والحاضر والمستقبل وكل المبادئ والقيم الإسلامية الرفيعة التي يحملها المسلمون في هذا البلد الطاهر، ومن معالم ودلالات هذه الالتزامات الجديدة التي أعلن عنها في المؤتمر الأمور التالية:
أولا: على الرغم من أن باكستان بلد مسلم نشأ باسم الإسلام، إلا أن حكامه لا يعترفون بدين الإسلام، والاعتراف هنا ليس مجرد مادة شكلية في دستور يتبدل ويتغير بحسب الحاجة والمصلحة وبحسب الظروف السياسية المحلية والإقليمية والعالمية، بل الاعتراف الحقيقي يقوم على الإيمان بالإسلام كمصدر وحيد لجميع أفعال النظام وسياساته واستراتيجياته، وإلا فإن الله سبحانه وتعالى قد نفى الإيمان عن أية جهة تتخذ غير الإسلام مرجعا لها، حيث قال سبحانه: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾، إلا أن النظام لم يرد هذا الأمر لله وللرسول ولأولي الأمر ممن يفقهون كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، وارتضى أن يتبع خطوات الشيطان، بعرض السلام مع الدولة الهندية المحتلة لكشمير والمغتصبة لعموم أرض الهند والملطخة يداها بدماء آلاف المسلمين.
ثانيا: إن هذه الاستراتيجية الجديدة لم تعكس توجهات الشارع في البلاد الإسلامية ومنها باكستان، فالأمة الإسلامية لا تقبل بدفن الماضي مع عدوها الذي نكّل بها وما زال، ولم تفوّض عنها حكاما رويبضات يتنازلون عن حقها في كشمير وفي الثأر لدماء المسلمين، ولم تفوّض عنها من يعترف بالدولة الهندية أصلا، فهذه الدولة غير شرعية مغتصبة لأراض إسلامية حكمها الإسلام لقرون، وحالها كحال دولة يهود المحتلة للأرض المباركة فلسطين، فكيف بمن يعترف بها وبحقها بكشمير، جنة الله على الأرض؟!
ثالثا: إن إعلان الجنرال باجوا عن هذه الاستراتيجية فيه دلالة على جدية النظام في تنفيذها، فالنظام يريد أن يرسل رسالة جدية للهند من خلال الرجل الأول فيه وليس من خلال واجهته عمران خان، بأن الضامن لمبادرة السلام معها هو القوة في البلد أي الجيش الحاكم الفعلي وظهر ذلك من خلال التأكيد على ملاحقة المقاومة في كشمير ومن يساندها في باكستان وكتم الأصوات التي تخالف هذه الاستراتيجية، وتمثل ذلك جليا في تحويل جهاز الاستخبارات الباكستانية (ISI) من حفظ أمن البلاد على الحدود الخارجية إلى ملاحقة المعارضين للنظام وملاحقة المقاومة ضد الهند في كشمير، وأمريكا في أفغانستان، وهذه سياسة الدول البوليسية ومن أساليبها، فالنظام عرض وما زال يعرض شراء ذمم الضباط والوجهاء بإعطائهم الامتيازات والعقارات والأراضي، لشراء ولائهم له وسكوتهم عن خياناته، وهو في الوقت نفسه يقمع ويسجن ويهدد كل جندي وضابط عنده حمية للإسلام وكرامة وعزة وإباء الفارس المسلم، لذلك فإن طريقة تنفيذ النظام لهذه الاستراتيجية تقوم على سياسة العصا الغليظة والجزرة العفنة التي يلهث وراءها كل جبان ورخيص.
رابعا: لقد كانت كلمة فرعون باكستان باجوا في المؤتمر مكتوبة وكذلك الأسئلة والأجوبة، وإنها ليست من نصائح المؤسسات البحثية الاستراتيجية في باكستان وتوجيهاتها، ما يعني أنها ليست للنقاش والتداول، فقد كان يعلم مسبقا أنها لن تحوز على تأييد الحضور من الضباط المخلصين وكثير من السياسيين والوجهاء، فكان ينوي فرض هذه الاستراتيجية على أهل البلد وعلى الحضور، ولم يسمح لأحد بالاعتراض، وهذا يدل على أن هذه الاستراتيجية إما أن تكون من بنات أفكاره لوحده، وربما يكون معه مدير المخابرات العامة فيض حميد وهو الرجل الثاني في النظام، والذي سيكون له دور محوري في تنفيذ الاستراتيجية، بفرضها على الناس وقمع المخالفين لها، وإما أن تكون أُعطيت له من مكتب أمريكا الخاص الموجود في قيادة الأركان GHQ))، وذلك لأن هذه الاستراتيجية لا تخدم إلا مصالح أمريكا في المنطقة من خلال تقوية الهند الموالية لها، وتريد أمريكا استغلال الهند في مواجهة الصين. للأسف الشديد، فإنه على الرغم من أنه كان هناك غمز ولمز في الاجتماع إلا أنه لم يجرؤ أحد من الحضور أن ينكر عليه خيانته.
خامسا: إن استراتيجية باكستان الجديدة تحول خطير في سياستها، وهي بحق أخطر من مشاركة النظام مع أمريكا في حربها على الإسلام واحتلال أفغانستان، فهي استراتيجية تقوم على تعزيز قوة الهند في المنطقة من خلال استسلام باكستان لمطالب أمريكا، وتقوم على تقليص قوة الجيش وتفكيك الأسلحة النووية لاحقا، وسيتبعها التطبيع مع دولة يهود بعد أو قبل التطبيع مع الدولة الهندوسية، وهذه الاستراتيجية هي بحق دمار شامل للبلد المسلم، الذي تعوّل عليه الأمة وعلى مقدراته العسكرية والاقتصادية، لذلك يجب أن يتم التعامل معها من جميع شرائح المجتمع وعلى رأسهم الجيش على أنها "تسونامي" يريد أن يعصف بهذه الأمة، ويجب ألا تنطلي على الناس أكذوبة أن هذه الاستراتيجية هي من أجل توفير الأمن والازدهار الاقتصادي لهم، فمن الذي يهدد أمن الناس غير الدولة نفسها وأجهزتها الفاسدة التي تعتاش على الرشاوى والأتاوات؟! وأي اقتصاد يتحدثون عنه، وهم يعزمون على فتح أسواق باكستان أمام التجارة الهندية، كما فتحوها أمام الاقتصاد الصيني من قبل؟! ويمنعون الناس من التصنيع والاختراع والابتكار، من خلال فرض الجمارك الباهظة على المعدات التي تحتاجها الصناعة، ولا يفتحون لهم الأسواق لتصدير البضائع بأسعار منافسة؟! فعن أي اقتصاد يتحدثون والحكومات المتعاقبة تضاعف الضرائب على الاقتصاد، وتتنافس في فرض مزيد من أشكال الضرائب على الناس، حتى أُغلقت أكثر المصانع والورش في البلاد؟! ثم ما هو ثمن الازدهار الاقتصادي المزعوم؟! هل هو بالتنازل عن معتقدات الأمة وقيمها ودفن كرامتها في التراب؟!
إن مسئولية إنكار هذا المنكر هي مسئولية جميع المسلمين، وخاصة الجيش الشريحة الأكثر تأثيرا، وذلك لأن هذه الخيانة جاءت من قيادتها وهي مسئولة عن تطهير صفوفها بنفسها، ولأن واجب الإنكار يقع على عاتق الشريحة التي تستطيع التغيير وليس مجرد الإنكار بالقلب أو باللسان، والذي لا يُقبل إلا من العاجز عن التغيير باليد، فلا يطلب من عامة الناس أكثر من الإنكار باللسان، وقد فعلوا ذلك مرارا وتكرارا، وها هي الشعوب الإسلامية التي خرجت عن بكرة أبيها في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن لم تتمكن من الإطاحة بالأنظمة العميلة؛ لأن جيوشها لم تقف معها وخذلتها، فتمادت تلك الأنظمة في غيها وأهلكت الحرث والنسل. لذلك يطلب من الجيش التغيير باليد، فهم قوة الأمة ودرعها وسندها، ومن سيحقق التغيير إن لم يقوموا هم بواجبهم؟! يجب أن تتظافر جهود عامة الناس مع جيوشهم للإطاحة بهذه الأنظمة، وهذا ما أرشدنا إليه الرسول ﷺ القائل: «مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلَاهَا فَكَانَ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا فَتَأَذَّوْا بِهِ فَأَخَذَ فَأْساً فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ فَأَتَوْهُ فَقَالُوا مَا لَكَ قَالَ تَأَذَّيْتُمْ بِي وَلَا بُدَّ لِي مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ» البخاري. لذلك يجب الأخذ على أيدي هذا النظام بشقيه العسكري والسياسي قبل فوات الأوان وقبل أن تغرق السفينة بنا جميعا، ولا يكون ذلك إلا بإعطاء أهل القوة والمنعة النصرة لحزب التحرير لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فبالخلافة وحدها يتم إنقاذ باكستان من المؤامرات الأمريكية والهندية، وبها يعود الإسلام حاكما واحدا على شبه القارة الهندية جميعها، وبها يرضى عنا ربنا فيدخلنا الجنة ويجنبنا النار، وبها وحدها تعود مقدرات الأمة لأهلها وليس لأعدائها المتربصين بها وبثرواتها الهائلة، فتنعم الأمة برضا ربها وبالثروات التي خلقها الله لها.
رأيك في الموضوع