مُنذ ما يزيد على عشر سنوات ودولة يهود تُصعّد من اعتداءاتها ضد المصالح الإيرانية المختلفة وتتمادى في توسيع نوعية الأهداف المستهدفة عاماً بعد عام، فيما تكتفي إيران في ردّها على تلك الاعتداءات المتكرّرة بالتصريحات الكلامية الخالية من أي مفعول والمماثلة لتصريحات حكام سوريا التي تُردّد باستمرار الأسطوانة المشروخة التي تزعم بأنّها تحتفظ بحق الرد على العُدوان في المكان والزمان المناسبين.
لقد بدأ مُسلسل اعتداءات دولة يهود ضد إيران منذ العام 2010 حينما تمّ إدخال فيروس يُسمّى (ستوكسنت) على أنظمة الحواسيب الإيرانية المتعلقة ببرنامجها النووي، وأدى إلى إعطاب بعض أجهزة الطرد المركزية في المفاعلات النووية.
ثمّ شرعت دولة يهود بعد ذلك باستهداف علماء الذرة الإيرانيين فقتلت خمسة منهم، وكان آخرهم مُحسن فخري زاده، وهو أكبر خبير نووي إيراني يعمل في صفوف الحرس الثوري الإيراني، والذي اغتالته - وفقاً لتصريحات المسؤولين الإيرانيين - بطريقة مُركبة ومُعقدة ومُتطوّرة العام الماضي.
وتخلّل تلك الفترة سرقة مُخابرات كيان يهود لنصف طن من الوثائق والمستندات من داخل مُفاعل نطانز النووي، ثمّ قامت استخباراته خلال السنتين الماضيتين باستهداف 12 سفينة إيرانية تمّ إعطابها أو تخريبها.
وأخيراً تمّ استهداف أجهزة الطرد المركزية في منشآت المفاعل النووي في نطانز من خلال تخريب مصدر الطاقة الكهربائية الذي يُزوّد التيار الكهربائي للمفاعل بانفجار غامض تسبّب في تعطيل أجهزة الطرد المركزي في المنشأة النووية.
هذا بالإضافة إلى قيام طائرات كيان يهود بالاعتداء على المواقع العسكرية التابعة للمليشيات التابعة لإيران في سوريا بشكلٍ مُستمر شهرياً أو أسبوعياً.
وما يُحيّر المرء في غياب الرد الإيراني على كل هذه الاعتداءات المتكرّرة ما يتم من خلاله من تذرّع بحجج واهية لذلك الغياب، كالقول بأنّ إيران تحتفظ بحق الرد، أو القول بأنّها استفادت من عدوان كيان يهود المستمر عليها بأنّها سترفع نسبة تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%! أو القول بأنّ الرد الإيراني سيتأخر وفقا لخطط إيرانية مزعومة تتعلّق بنظرية الصبر الاستراتيجية، وما شاكل ذلك من تلك الحجج والذرائع الانهزامية الفارغة الواهية!!
وبينما تتبجّح إيران بقدراتها العسكرية القوية، وتتفاخر بأنّها احتلت أربع عواصم عربية، وتدعم مليشيات الحوثي في اليمن في استمرار قصفها للمطارات والمنشآت السعودية، وبينما تُشارك قواتها بشكل مباشر في ذبح وتهجير الشعب السوري من بلداته، وتستمر في دعم وإسناد الطاغية بشّار الأسد في قتل شعبه وتهجيره، وبينما تواصل دعم حزبها في لبنان وما قام به من مجازر في سوريا كتفاً إلى كتف مع قوات بشار ضد المستضعفين في سوريا، وما يقوم به هذا الحزب المشؤوم من تغوّل وإفساد جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية في لبنان، فبينما تفعل إيران ذلك الإجرام كله ضد الشعوب المستضعفة في العراق وسوريا ولبنان واليمن بكل عنجهية واستكبار، تقف عاجزة وبشكل مخجل أمام غطرسة دولة يهود التي تستمر قواتها وأجهزة استخباراتها في ضرب المصالح الإيرانية بلا هوادة وفي كل مكان! ولا تكتفي بذلك وحسب بل إنّها تتوعد وتهدد بمنع عودة الاتفاق النووي الذي عقدته الدول الكبرى مع إيران والذي وُقّع في العام 2015.
إنّ الأسباب الحقيقية لعدم الرد الإيراني على اعتداءات يهود المتكرّرة يعود في الواقع إلى كون إيران دولة فاقدة لاتخاذ القرار المستقل، وتخشى إن هي قامت بالرد على تلك الاعتداءات أن تخسر مصالحها الضخمة التي اكتسبتها من سيرها في خدمة المخططات الأمريكية في المنطقة طوال الأربعين عاما الماضية، إذ إنّ أمريكا التي مكنتها من أخذ العراق كما قال سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الأسبق بأنّ: "أمريكا قدّمت العراق لإيران على طبقٍ من فضة"، وكما مكنتها من أخذ سوريا واليمن ولبنان، لا يُتصور أنْ تخالف أوامرها وتقوم بالرد على ضربات دولة يهود، فأمريكا تمنعها من ذلك، ولذلك فإيران لا تستطيع مخالفة السياسة الأمريكية، لأنها تخشى إن هي فعلت ذلك أنْ تفقد جميع نفوذها ومصالحها، أو ربما تفقد دولتها ووجودها.
فالأسباب الحقيقية لعدم رد إيران تكمن حقيقة في ارتهان قرارها السيادي لأمريكا التي لا تسمح لها بالرد على عدوان دولة يهود عليها، لذلك فهي تتحمّل كل تلك الإهانات الناتجة عن استمرار اعتداءات يهود عليها بسبب ارتباطها الوثيق بالتنسيق السياسي والعسكري المحكم مع أمريكا.
ولولا هذا التنسيق لما كان لإيران كل هذا النفوذ على هذه الدول العربية، ولولا هذا التنسيق أيضاً لما تمكنت أمريكا من احتلال أفغانستان والعراق.
إنّ ما تقوم به إيران من أعمال قذرة مبطنة في خدمة المصالح الأمريكية، وفي السكوت على عدوان كيان يهود المتكرر عليها، يكشف مدى الخيانة التي يرتكبها حكام إيران بحق الأمة، ويفضح حجم دورهم التآمري في المنطقة منذ أنْ جيء بالخميني حاكماً لإيران وذلك بفضل تحييد أمريكا للجيش الإيراني الذي مُنع من اعتقاله آنذاك، حيث لعب الجنرال الأمريكي هويزر قائد القوات الأمريكية في الشرق الأدنى في ذلك الوقت الدور الأكبر في منع الجيش الإيراني التابع للشاه من التصدي للخميني، وهو ما أدّى إلى نجاح ثورة الخميني في العام 1979 ووصوله إلى السلطة، وشهد وقتها على ذلك شاه إيران بقوله: "هكذا أخرجتني أمريكا من إيران وألقتني كالفأر الميت".
رأيك في الموضوع