أصدر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يوم الاثنين 14/12/2020م، بياناً يعلن فيه رفع السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، ومما جاء في نص البيان: "تم اليوم إلغاء تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب رسمياً"، وسارع الاتحاد الأوروبي، بحسب صفحة بعثته بالخرطوم على الفيسبوك، إلى التأكيد على أن "هذا التطور يمثل علامة بارزة في عملية الانتقال السياسي والاقتصادي الجارية في السودان"، وأضاف في بيانه: "إن هذا سيوفر زخما إيجابياً للانتعاش الاقتصادي للبلاد، وتقربه من تخفيف عبء الديون 60 مليار دولار، والذي بدوره ينبغي أن يشجع السودان على مواصلة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية اللازمة" (صحيفة القدس العربي).
وقد سارع رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان للاحتفاء بالقرار الأمريكي، وبتهنئة أهل السودان. كذلك هنأ قائد قوات الدعم السريع أهل السودان قائلاً عبر الفيسبوك: "نبارك لشعبنا الخروج من هذه القائمة التي أضرت بالاقتصاد" (وكالة الأناضول). أما وزيرة المالية بحسب وكالة السودان للأنباء (سونا) فقد قالت: "إن رفع السودان من قائمة الإرهاب خطوة كبيرة في مجال دفع عملية الاستثمار بالبلاد". أما رئيس الوزراء حمدوك فقد عقد مؤتمراً صحفياً بهذا الخصوص، ومما قاله: "إن رفع السودان من قائمة الإرهاب سيفتح المجال أمام الاستثمار" (سكاي نيوز عربية).
بالرغم من أن حكومة السودان قد دفعت ثمناً باهظاً مقابل رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، يتمثل في محاربتها للإسلام، وذلك بتصفية القوانين والتشريعات من الأحكام الشرعية، بالإضافة إلى التطبيع مع كيان يهود، ودفع مئات الملايين من الدولارات من أموال أهل السودان، حيث صرح رئيس الوزراء لصحيفة الجريدة الصادرة في 15/12/2020م، من دون حياء قائلاً: "قلنا للأمريكان إننا دفعنا مبالغ التعويضات من الدواء وحليب الأطفال"، وبالرغم من كل ذلك تدور أسئلة عدة تحتاج إلى إجابات معمقة؛ هل أرادت أمريكا بقرارها هذا دعم الحكومة المدنية في السودان فعلاً؟ وهل سوف يتم إلغاء ديون السودان الخارجية أو حتى جدولتها؟ وهل هذا القرار سيحدث تحولاً اقتصادياً في السودان فعلاً؟
لقد استبق الكونغرس الأمريكي صدور هذا القرار بثلاثة أيام، حيث أجاز مجلس النواب بأغلبية الثلثين، في يوم الجمعة 11/12/2020، تشريعا يفرغ قرار رفع السودان من قائمة الإرهاب من مضمونه، وهو التشريع المسمى "قانون التحول الديمقراطي والشفافية المالية في السودان لسنة 2020"، هذا التشريع الذي صدر في 16 قسما ملؤها الوصاية والصلف والعنجهية الأمريكية المعهودة، وقليل من ذر الرماد في العيون التي بها رمد لكي لا ترى الحقيقة، فبالرغم من أن التشريع يزعم أنه: "لدعم انتقال ديمقراطي بقيادة المدنيين"، إلا أنه يضع العقبات أمام الحكومة المدنية المرتبطة بالسفارة البريطانية ليمنع استفادتها من قرار رفع السودان من قائمة الإرهاب! إذ إن هذا التشريع يفرض على الحكومة، على سبيل الوصاية، الاستمرار في الالتزام بحضارة الغرب الكافر الآسنة، والتي يكفي لفسادها أنها جعلت من هؤلاء الأوباش أوصياء على خير أمة أخرجت للناس، حيث يأمر التشريع حكومة السودان: "بخلق بيئة ديمقراطية، ونظام سياسي تعددي، وتعزيز حقوق الإنسان، والحرية الدينية، وتمكين المجتمع المدني؛ "جواسيس الأعداء"، وتشجيع دور المرأة في الحكومة والاقتصاد والمجتمع، ودعم الحريات الأساسية"، وهي العبارات نفسها التي سجلت حضوراً في كل دساتير السودان السابقة بما فيها الوثيقة الدستورية الحالية، فكانت ثمرة ذلك هذه الحالة من الوصاية الحالية!!
غير أن أبرز ما ورد في هذا التشريع، وأخطر ما احتواه، تصويره لقارئه أنه يستهدف قوات الأمن والمخابرات السودانية؛ والتي بحسب القسم الثاني من التشريع النقطة الرابعة تعني: "الجيش، والدعم السريع، والدفاع الشعبي، والشرطة، وجهاز المخابرات والأمن الوطني، والكيانات المتعلقة بمؤسسة الصناعات الحربية"، وذلك بالنص على أن: "وجوب سيطرة الحكومة المدنية على أموال وأصول قوات الأمن والمخابرات السودانية، وإدخال إنفاق قوات الأمن والمخابرات السودانية ضمن ميزانية الدولة برعاية وزير المالية، ووضع الأسهم المملوكة لقوات الأمن والمخابرات السودانية، تحت سلطان الحكومة المدنية وفق استثمارات قوات الأمن والمخابرات السودانية "الجيش والدعم السريع والأمن والشرطة" في تجارة الذهب والبترول..."، وبالرغم من ذلك فعندما ينص التشريع الأمريكي في القسم 9 تحت عنوان: "دعم إلغاء الديون والمساعدات المالية الأخرى"، يجعل ذلك مشروطاً بتقرير يقدمه الرئيس الأمريكي للجان الكونغرس المختصة يسمى (شهادة)، أغلب بنودها تتعلق بخضوع قوات الأمن والمخابرات السودانية بالكامل للحكومة المدنية، حيث ورد في النقطة "ج" من القسم التاسع: "الشهادة، والمقصود منها هنا هو الشهادة التي يقدمها الرئيس للجان الكونغرس المختصة، والتي تفيد بأن حكومة السودان قد قامت باتخاذ خطوات واضحة لتحسين مستوى الشفافية المالية بما في ذلك: "تأسيس إشراف مدني على أموال وأرصدة قوات الأمن والمخابرات السودانية - تطوير ميزانية شفافة تشمل كل المنصرفات المتعلقة بقوات الأمن والمخابرات السودانية - تحديد كل مالكي الأسهم في كل شركات القطاعين العام والخاص، والتي تمتلكها أو تديرها قوات الأمن والمخابرات السودانية، ونقل كل تلك الأسهم إلى وزارة المالية - إنهاء أي اشتراك لقوات الأمن والمخابرات السودانية في أي تجارة غير مشروعة في مجال المعادن، بما في ذلك النفط والذهب" بالإضافة إلى تشكيل المجلس التشريعي".
هذه أبرز عناصر شهادة الرئيس الأمريكي للجان الكونغرس، والتي بموجبها يمكن أن يستفيد السودان من رفع اسمه من قائمة الإرهاب، حيث ورد في البند 9 "ب": "يقوم وزير الخارجية ووزير الخزانة بالتواصل مع المؤسسات المالية الدولية، وجهات الدائنين الرسميين للدفع بحدوث اتفاق عن طريق مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون، لإعادة ترتيب، جدولة، أو إلغاء الديون السيادية على السودان بعد استلام لجان الكونغرس المختصة للشهادة المذكورة في الفقرة "ج"!! وبذلك أصبحت إمكانية استفادة السودان من قرار رفع اسمه من قائمة الإرهاب موقوفة على (شهادة) الرئيس الأمريكي، وهذه الشهادة نفسها موقوفة على سلوك قيادات الأمن والمخابرات السودانية (العسكر) وهم رجال أمريكا في الحكم، مما يفقد هذا القرار فاعليته في المسرح الدولي، ولن ينعكس على حكومة السودان بشيء ذي بال، لأن العسكر المدعومين تحت الطاولة لن يغيروا سلوكهم، ولن يخضعوا لتشريع "قانون الانتقال الديمقراطي في السودان والمحاسبة والشفافية لسنة 2020". وقد دشّن العسكر رفضهم للتشريع، حيث وجه رئيس أركان الجيش السوداني الفريق أول محمد عثمان الحسين انتقادات إلى مؤيدي التشريع الأمريكي، فقال لدى مخاطبته يوم الأربعاء 16/12/2020م تخريج دورات أكاديمية نميري العسكرية: "تظل القوات المسلحة محصنة وعصية على كيد الكائدين، حتى وإن عاقها بنو وطنها، واستعانوا بالأجنبي عليها، واستجلبوا لذلك التشريعات والقوانين من وراء البحار". (سودان تربيون).
والغريب في الأمر أنه في الوقت الذي تُظِهر فيه أمريكا عداءها لقيادات العسكر، إلا أن سلوكها يفضح كذبها، حيث صرح مسئول حكومي رفيع في واشنطن لسكاي نيوز عربية يوم الأربعاء 16/12/2020م قائلاً: "إن الإدارة الأمريكية ممثلة بوزارتي الدفاع والخارجية تجري محادثات مع الحكومة السودانية عبر ممثلين دبلوماسيين وعسكريين، وصلوا في الساعات الماضية إلى الخرطوم للتوقيع على اتفاقيات أمنية وعسكرية مشتركة، قد تتضمن توفير عقود تسلح للجيش السوداني، إضافة إلى برامج تدريب تشمل زيارة ضباط سودانيين للولايات المتحدة، وإرسال مدربين أمريكيين إلى السودان، ولم يستبعد المسئول السماح لقوات أمريكية باستخدام تسهيلات عسكرية داخل السودان"!!
لذلك فليس من المتوقع أن يؤثر قرار رفع السودان من قائمة الإرهاب على اقتصاد السودان، إلا بقدر محدود للغاية بحيث لا يخل بالسيطرة الأمريكية ومصالحها في السودان.
أما بيان بعثة الاتحاد الأوروبي، ومطالبتها للحكومة بمواصلة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، فهو يعني الاستمرار في تطبيق روشتة صندوق النقد الدولي برفع ما تبقى من دعم للسلع والخدمات لسحق المزيد من الفقراء، من أجل تهيئة البلاد لدخول الشركات الرأسمالية التي يسيل لعابها على ثروات البلاد الطائلة، لتدخل تحت لافتة الاستثمار، فتنهب الثروات، وتعري الخزينة العامة والسوق من النقد الأجنبي، وهو ما يفسر حديث طلائع الاستعمار؛ وزيرة المالية، ورئيس الوزراء عن أن القرار سيفتح المجال أمام الاستثمار.
إن الذي ينقلنا من دائرة الوصاية الخارجية، وسراب إرضاء الكافر المستعمر، ويجنب بلادنا ويلات الصراع الدولي بين قطبي الاستعمار القديم والحديث، هو إيصال الإسلام العظيم إلى سدة الحكم، بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، والتي أظل زمانها، فلتقم أخي المسلم لطاعة الله، فإن الطريق هو اتجاه واحد يفضي إلى عز الدنيا وحسن ثواب الآخرة.
* عضو مجلس الولاية حزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع