مع اقتراب الموعد النهائي لتوقيع الاتفاق بين إيران ومجموعة 5+1 يوم 31/3/2015 يكثف وزير خارجية أمريكا جون كيري اجتماعاته مع نظيره الإيراني جواد ظريف في لوزان منذ يوم 26/3/2015 وليبدأ وزراء خارجية الدول الخمس الأخرى بالانضمام إليهما قبل اليوم الأخير. فكأن المحادثات الأصلية تجري بين أمريكا وإيران فيتم الاتفاق بينهما على كل شيء ومن ثم تأتي الدول الخمس الأخرى لتنضم إلى المحادثات لقراءة ما تم الاتفاق عليه ومن ثم للتوقيع النهائي. كما حصل عندما تم توقيع اتفاق جنيف يوم 23/11/2013 الذي طبخته أمريكا سرا في محادثات أجرتها مع إيران على مدى تسعة أشهر في عُمان.
لقد استطاعت أمريكا أن تمسك بملف المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني بعدما أثير منذ عقد من الزمان من قبل أوروبا المتمثلة بالدول الثلاث بريطانيا وفرنسا وألمانيا، فوجدت هذه الدول في ذلك فرصة ذهبية للتأثير على أمريكا الدولة الأولى في العالم والتي استطاعت أن تصبح صاحبة النفوذ في إيران، ولتلعب دورا دوليا يعزز مكانتها في الموقف الدولي، ولتسعى جاهدة للعودة إلى إيران بعدما طردت منها على إثر سقوط الشاه عميل الإنجليز عام 1979 ويكون لها موطئ قدم لتحقيق مصالحها هناك.
عندما رأت أوروبا أن أمريكا أصبحت تستفرد بموضوع الملف النووي الإيراني وتلعب الدور الرئيس في المفاوضات وتعمل على حصره بينها وبين إيران، بدأت تطالب بفرض العقوبات وتحرض كيان يهود على ضرب المفاعلات النووية الإيرانية. فوضعت أمريكا ثقلها لمنع هذه الضربة فضغطت على كيان يهود. إلى أن جاءت الأشهر الأخيرة من عام 2011 فكانت النية مبيتة لدى كيان يهود بشكل جاد بتشجيع ومساعدة أوروبية تامة للقيام بتلك الضربة، فاضطرت أمريكا إلى إعلان العقوبات على إيران لتحول دون ذلك.
فكان وقع هذه العقوبات شديدا على إيران، حتى اضطرتها لتقديم التنازلات الكبيرة فتم توقيع اتفاق جنيف، ورضخت لما أراده الغرب لوقف التخصيب، وخفض المخصب 20% إلى ما دون 5%، أو تحويله إلى صورة لا تبقيه على حاله، والتزمت بألا تخصب فوق 5%، وألا تواصل نشاطاتها في المفاعلات التي تنتج ماء ثقيلا، والتزمت بعدم إنتاج البلوتونيوم وهو اللازم لصناعة الأسلحة النووية. والتزمت بعدم تركيب أجهزة طرد مركزية جديدة، وفتح الأبواب للمفتشين يوميا، وتصوير كافة الأعمال التي يقام بها حتى تبقى المنشآت النووية تحت الرقابة الدولية. ومع أن أوروبا حققت ما كانت تطالب به إلا أن طموحاتها أكبر من ذلك. وحاولت إيران أن تخادع نفسها وشعبها بأن هذا الاتفاق كان نصرا، في حين أنه حقيقة هزيمة نكراء؛ لأنه يمنعها من التقدم في مجال صناعة الأسلحة النووية ويبقيها تحت الرقابة والتهديد بالعقوبات وتوجيه الضربات.
وحاول الثلاثي الأوروبي أن يعرقل الاتفاق النهائي فبدأ العام الماضي يطالب بوضع ملف حقوق الإنسان في إيران شرطا آخر لرفع العقوبات، ولكن أمريكا عرقلت ذلك. ومن ثم حاول استغلال موقف نتانياهو للضغط على إدارة أوباما وإثارة الرأي العام في أمريكا ضد الاتفاق ليستغل الجمهوريون بالكونغرس ذلك لحسابات انتخابية ضد الديمقراطيين برئاسة أوباما، ويدعون نتانياهو للحديث عنه، فأحدث ضجة بأمريكا، ولكن إدارة أوباما أصرت على إتمام المفاوضات والعمل على توقيع الاتفاق.
وأخيرا بدأ الثلاثي الأوروبي يعمل على عرقلة تحقيق الاتفاق بالقول بعدم رفع العقوبات فورا وإنما على مراحل حتى تضمن التزام إيران بتنفيذ الاتفاق، وذلك عكس ما تطالب به إيران من رفع كامل للعقوبات فور الانتهاء من توقيع الاتفاق. وكذلك يريد ضمانات أكبر من إيران تؤكد سلمية برنامجها النووي والإشراف الكامل من قبل وكالة الطاقة الدولية على منشآتها النووية وتحديد أجهزة الطرد المركزي وفرض قيود على عمليات البحث والتطوير المتعلقة بهذه الأجهزة.
إن أمريكا تبدي حرصا شديدا على توقيع الاتفاق النهائي حول هذا الملف كما أظهر كيري قائلا: "مر عامان ونصف العام على هذه العملية، حان الوقت لاتخاذ قرارت صعبة" (سكاي نيوز 21/3/2015) مثلما حرصت على توقيع اتفاق جنيف الذي وصفه الرئيس الأمريكي أوباما بقوله "إنّ ما قمنا به مع إيران، يعدّ تقدماً ملموساً، والأكثر أهمية منذ أن توليت منصبي.." (إن بي سي نيوز 23/11/2013)وتريد، أي أمريكا، أن ترفع العقوبات عن إيران وتحميها من الضغوطات الأوروبية ومن التهديدات اليهودية حتى يقوم النظام الإيراني بدوره الذي رسمته له بصورة علنية لتحقيق مشاريعها بالمنطقة. وقد أثبت النظام الإيراني أنه لاعب جيد لصالح الفريق الأمريكي، فتجلى ذلك في العراق حيث بدأ بلعب دور علني فضح دوره المستور الذي لعبه بمساعدتها في احتلال العراق وتأمين الاستقرار للاحتلال، وأصبح الآن مباشرا بقواته العسكرية وحشده الشعبي، وتعلن أمريكا أنها على علم بذلك وبتنسيق مع الحكومة العراقية التابعة لها، وكذلك الدور الذي لعبه في أفغانستان لصالح المحتل الأمريكي، والدور الذي ما زال يلعبه لصالح النفوذ الأمريكي في سوريا بجانب دوره في لبنان لصالح هذا النفوذ، وقد ظهر دوره جليا في اليمن في العمل لإسقاط النفوذ الإنجليزي لصالح أمريكا.
وهكذا يتباين الموقف الأمريكي مع الموقف الثلاثي الأوروبي في صراع الطرفين على النفوذ في المنطقة وتحقيق المصالح ومحاولة الأخير تعزيز تأثيره في الموقف الدولي.
رأيك في الموضوع