كان وزير الخارجية الإثيوبي، غيدو أندارجاشو قد عبر الأربعاء 22 تموز/يوليو، عن سعادته بانتهاء المرحلة الأولى من ملء سد النهضة، قائلا: "النيل لنا". وكتب، في تغريدة على حسابه الرسمي الموثق في تويتر: "تهانينا... سابقاً كان النيل يتدفق، والآن أصبح في بحيرة، ومنها ستحصل إثيوبيا على تنميتها المنشودة، في الحقيقة... النيل لنا". في المقابل أراد النظام المصري السير في خطة إشغال الشارع المصري، بمسألة التدخل العسكري في ليبيا، واللعب على وتر الموقف المعقد في مواجهة أعمال تنظيم الدولة في سيناء، في ظل تصاعد الهجمات ضد معسكرات ونقاط ارتكاز الجيش المصري، في أكثر من موقع بمحافظة شمال سيناء.
وبينما يضرب الجفاف مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في عدد من محافظات الدلتا. وتلقي إدارة الرصد بوزارة الزراعة شكاوى عدة من فلاحين بمحافظات منها الغربية وكفر الشيخ، بشأن نقص حاد في مياه الري، ما تسبب في جفاف الأرض وتلف المحاصيل، وتشقق التربة، نلحظ تعليمات صارمة بضرورة التكتم على تلك النوعية من الأخبار في الوقت الحالي، لعدم إثارة القلق ومخاوف الناس. فهل سيواجه النظام تلك المشاكل بالتكتم عليها ومنع وسائل الإعلام من الحديث عنها؟!
والذي يؤكد أن الجفاف والعطش قادم إلى مصر لا محالة ما أعلنته هيئة مياه ولاية الخرطوم بالسودان، الأحد الماضي 19 تموز/يوليو، عن خروج عدد من محطات الشرب النيلية عن الخدمة جراء انحسار مفاجئ للنيلين الأبيض والأزرق ونهر النيل. وبهذا تكون إثيوبيا قد وضعت القاهرة والخرطوم أمام الأمر الواقع، وبات عليهما التعامل مع المستجدات كردة فعل، ولم يعد هناك أي معنى للتصريحات السودانية الروتينية عن رفض التصرفات الأحادية، ولا للبيان المصري، الصادر الأسبوع الماضي، عن تقديم طلب رسمي للوقوف على حقيقة ملء السد.
على أن الخطورة الرئيسية من إتمام الملء ليست في فداحة الأثر السلبي على مصر، من حيث تقليل كميات المياه الواصلة إلى بحيرة ناصر والتي من المتوقع أن يخصم منها هذا العام 10 مليارات متر مكعب، لكن الأثر السلبي الحقيقي هو أن إثيوبيا، التي خرجت منتصرة من القمة الأفريقية المصغرة، ستتجرأ على التحكم في مياه النيل مستقبلاً، دون ضابط أو رادع، متخذة من سابقة ملئها السد بقرار سيادي، حجة للخروج عن أي اتفاق يمكن إبرامه مع مصر والسودان، وإقدامها على تغيير نسب التدفق ومعدلات التشغيل بين فترة وأخرى، أخذاً في الاعتبار استنادها الدائم إلى اتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في آذار/مارس 2015م، والذي يجيز لها إعادة ضبط القواعد من وقت لآخر، وأن الإخطار المسبق الوحيد الذي تكلف به إثيوبيا ضمن الاتفاق هو إبلاغ دولتي المصب بأية ظروف غير منظورة أو طارئة، تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل السد. إثيوبيا اشترطت للمضي قدماً في المفاوضات للوصول إلى اتفاق كامل بشأن قواعد الملء والتشغيل، أن يتم الاتفاق أيضاً على خطة جديدة للتعاون في الاستخدام المنصف والعادل لمياه النيل الأزرق، أي بين مصر والسودان وإثيوبيا فقط، والانعكاس المباشر لهذا الأمر هو إلغاء جميع الاتفاقيات السابقة لتقسيم المياه بين دولتي المصب، خصوصاً اتفاقية عام 1959 التي سيفرغها سد النهضة عملياً من مضمونها.
إن ضخامة هذا السد سيسمح لها بممارسة ضغوط استراتيجية على السودان ومصر سيصعب التعامل معها مستقبلاً في ظل هكذا أنظمة. كما أنها قد تكون منفذاً لممارسة قوى أخرى لتلك الضغوط من خلال أديس أبابا، وكذلك الإسهام في تحويلها إلى مركز الثقل السياسي الرئيسي بمنطقة شرق أفريقيا. وتدفع مصر ثمن سلسلة من الأخطاء السياسية، وعلى رأسها بطبيعة الحال توقيع السيسي على اتفاق المبادئ في آذار/مارس 2015، الذي اعترف أولاً بحق إثيوبيا في بناء السد، الأمر الذي لم تكن مصر قد بادرت به من قبل، وأقر ثانياً بحقها السيادي في إدارته، ولم يقرر أي جزاء قانوني دولي عليها حال مخالفة الاتفاقات السابق توقيعها في إطار الإدارة المشتركة لمياه النيل، وبصفة خاصة عامي 1902 و1993.
أمام كل هذا الإخفاق الذي مني به النظام المصري والضعف السياسي في إدارة ملف سد النهضة، لم يجد رئيس الوزراء المصري سوى الحديث عن العمل على تغليظ العقوبات على الإسراف في استخدام المياه، والحديث عن الوصلات المختَلَسة، للاستفادة من كل قطرة مياه على حد قوله! وكأنها رسالة من النظام للناس بخضوع النظام للأمر الواقع الذي فرضته إثيوبيا وساعدها فيه النظام المصري بخيانته وتفريطه في ثروات مصر الطبيعية. فهل سيستمر الناس في سكوتهم على هذا النظام المجرم الذي تسلط علينا على غير إرادة منا، بل تم فرضه علينا فرضا بدعم أمريكي واضح؟!
ولقد ركن النظام لذلك الدعم وظن أنه مانعه من غضبة الشعب الذي أطاح بسلفه مبارك، وما ذلك عنه ببعيد، وبرغم الدعم الأمريكي لنظام السيسي إلا أنه لم يغن عنه شيئا، ولم يدفع عنه ضرر سد النهضة، ولم يفلح في إلزام إثيوبيا باتفاقية تحدد قواعد ملء وتشغيل السد بشكل لا يضر بمصر. وقد اكتفت أمريكا بالحديث عن خفض مساعدات أمريكا لإثيوبيا في حال تعنت إثيوبيا ورفضها التوصل إلى اتفاق، فهل أمريكا عاجزة حقيقة عن إلزام إثيوبيا باتفاق يحفظ حقوق مصر المائية، أم هي تتلاعب بالسيسي ونظامه لتجعله أكثر خضوعا وذلا وتبعية لها؟! مما لاشك فيه أنه وإن كانت أمريكا قد ضمنت ولاء نظام السيسي لها ولربيبها كيان يهود، إلا أن هذا لا يعني أنها تريد نظاما قويا في مصر، بل هي تريده نظاما هشا تقلبه كيف تشاء. وإن المخلصين من أبناء الأمة لا يرضون بتلك التبعية ولن يستمر سكوتهم عن جرائم النظام الحالي طويلا وإن سقوطه بات قريبا، ولقد آن الأوان لتتبوأ مصر مكانتها باعتبارها كنانة الله في أرضه، فتعود لأصلها وفصلها جزءا من دولة عظيمة هي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي ترعى شئون المسلمين وتحفظ مصالحهم وتدفع عنهم شرور عدوهم، وإن غدا لناظره قريب.
رأيك في الموضوع