تمر مصر هذه الأيام بأزمة اقتصادية خانقة، عكَسها تسارع نسبة التضخم الذي وصل إلى 6% خلال حزيران/يونيو الماضي، صعودا من 5% في أيار/مايو الماضي. مع عدم وجود زيادات في المرتبات تكافئ نسب التضخم وارتفاع الأسعار، وقد ارتفعت نسبة الفقراء في مصر إلى أرقام غير مسبوقة بدخول نحو 5 ملايين مصري جدد تحت خط الفقر خلال ثلاث سنوات فقط، ليبلغ عدد المصريين تحت خط الفقر أكثر من 30 مليون شخص، حيث ارتفعت نسب الفقر الرسمية وفقا للمركز القومي للتعبئة والإحصاء إلى 32.5%.
وقد تضافرت الكثير من العوامل لزيادة معدلات التضخم خلال الفترة الماضية ومنها:
1- الإفراط في طبع النقود لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة.
2- تعويم الجنيه في 2016م، وهو القرار الذي ساهم بصورة أساسية في رفع معدلات التضخم، والذي كان شرطا أساسيا لإتمام اتفاق صندوق النقد الدولي.
3- رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء بناء على أوامر صندوق النقد الدولي، وهو ما أثر بالتبعية على أسعار المنتجات النهائية لا سيما التي تدخل المحروقات في مستلزمات إنتاجها، أو عبر زيادة تكلفة النقل لمستلزمات الإنتاج أو المنتج النهائي.
4- فرض ضريبة القيمة المضافة والذي تم مع نهاية آب/أغسطس 2016م، والتي تسببت بزيادة معدلات التضخم بنسبة تتراوح بين 2.3 و2.6%.
5- زيادة الجمارك، حيث صدر القرار الجمهوري رقم 419 لسنة 2018، بزيادة التعريفة الجمركية على المئات من السلع الغذائية، وحليب الأطفال، والأجهزة الكهربائية، والآلات والمعدات، بنسب تصل إلى 40% في المتوسط.
6- ساهم رفع أسعار المواصلات العامة في المزيد من الارتفاع لمعدلات التضخم. كما ساهمت رسوم عبور الطرق والكباري الجديدة في انفلات تلك الأسعار، بالإضافة إلى رسوم عبور الطرق والأنفاق التي يسيطر عليها الجيش، والتي تخضع لتقدير الضباط، لنوعية المنقول، مما يفتح باباً واسعاً لاستغلال الناس، وهو ما يتحمله المستهلك النهائي في شكل ارتفاع في معدل التضخم.
لقد ابتُلينا في مصر بحكومات متعاقبة، ليس لديها القدرة على معالجة أي أزمة تمر بها البلاد، كما أنها ليس لديها الثقة بقدرة الإسلام على معالجة المسائل المتعلقة بالاقتصاد لانبهارها بمدنية الغرب المتمثلة بثورته الصناعية وتقدمه العلمي، وارتهانهم لأمريكا. فالكل يرى الحل في اتباع سنن الغرب الكافر شبرا بشبر وذراعا بذراع.
فلا نسمع منهم إلا عن الاقتراض من هنا وهناك، ولا نسمع إلا عن مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الذي يُملي علينا شروطا تمس حياة الشريحة الأفقر في البلاد، وترهن مصير البلاد والعباد بيد أعداء الأمة. ليرتفع حجم الديون الخارجية المستحقة على مصر إلى نحو 112.67 مليار دولار بنهاية كانون الأول/ديسمبر من عام 2019. ومهما حاول النظام الاختباء وراء الأزمة العالمية التي تضرب العالم من وراء أزمة وباء كورونا فلن يفلح في إخفاء السبب الحقيقي وراء الأزمات التي تعاني منها مصر، وهو فساد النظام السياسي برمته الذي يتسربل بالعلمانية ويفصل الدين عن الحياة والدولة والمجتمع.
إن ما يحتاجه أهل مصر هو نظام حقيقي ينبع من عقيدة الأمة وهو نظام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة الذي يهتم بالإنسان بوصفه إنسانا قبل أن يهتم بالحجر، يعالج مشكلاته العلاج الناجع، يقوم نظامه الاقتصادي على ضمان إشباع الحاجات الأساسية لجميع الأفراد فردا فردا إشباعا كليا، ويضمن تمكين كل فرد منهم من إشباع الحاجات الكمالية على أرفع مستوى مستطاع، فمن أهم مسؤوليات الدولة عن الرعية ضمان إشباع الحاجات الأساسية لهم. وإن من مسؤولية الدولة توفير النفقة للفقير، لقوله ﷺ: «وَمَنْ تَرَكَ ضِيَاعاً فَإِلَيْنَا وَعَلَيْنَا» أي على الدولة، ولقوله ﷺ: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». فهل قامت الدولة بتولي مسؤوليتها تجاه رعيتها؟ أم أنها تمن عليهم كل يوم أنها وفرت لهم رغيف خبز مدعوم وبعض المواد التموينية، ثم تركت الفقير يزداد فقرا، وساعدت الغني ليزداد غنى؟!
فماذا حقق النظام القائم سوى التغني بمشروعات سماها قومية وما هي إلا مشاريع دعائية لا طائل من ورائها، ولا يرى الناس سوى نهب الثروات وضياع البلاد والعباد، والارتهان والتبعية للغرب الكافر؟ هل استطاع هذا النظام أن يحدث نهضة؟ أو يحمي أرضاً أو يمنع عدواً من تدنيس مقدس من مقدسات الأمة؟ وهل توقف عن استجداء الحلول لمشاكلنا على أعتاب أعداء الأمة الذين لا يريدون أن تقوم لها قائمة؟
إن الحل لكل المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها مصر، يكمن في تطبيق الإسلام وأحكامه كاملة غير منقوصة، في الحكم، والاقتصاد، وغيرهما، وتكون معالجة الأزمة الحالية عبر أحكام الإسلام في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ولذلك لا بد من القيام بما يلي:
1- التوقف عن الاقتراض بالربا، وإيقاف دفع الربا فوراً والاتفاق مع أصحاب الديون على دفع أصل الدين فقط.
2- لا بد من ربط الجنيه بالذهب وليس بالدولار الذي هو أداة أمريكا القوية في الهيمنة على العالم، كما أن ربط الجنيه بالدولار هو ربطٌ لمصيرنا بيد عدونا، وإضاعة لجهود وأموال الناس.
3- يجب إلغاء الجمارك والرسوم والضرائب غير المباشرة على السلع والخدمات لحرمة ذلك، يقول النبي ﷺ: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ»، ومنع احتكار الدولة لأية سلعة، وترك الأمر للتجار والمنافسة بينهم، ويكون تدخّل الدولة من أجل إحسان الرعاية وليس الجباية.
4- إن مال الملكيات العامة كالنفط والغاز والذهب وغيرها من المعادن العِدّ، إما أن ينتفع بها جميع الناس في شكل خدمات عامة، أو يوزع ريعُها على جميع الناس بالتساوي حتى يرفع عنهم الفقر والعوز.
5- لا بد من بناء قاعدة صناعية جديدة تقوم على الصناعات الثقيلة، التي تضع مصر على قدم المساواة مع الدول الصناعية الكبرى.
إن الحل الجذري موجود ومعروض أمام الأمة منذ عقود، وهو نظام الإسلام، وهو وحده العلاج الناجع والواقي والحامي من حدوث الأزمات.
رأيك في الموضوع