ليست حكومة نتنياهو هي الوحيدة التي تضع العراقيل أمام الإدارة الأمريكية للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، وكذلك ليس الحزب الجمهوري المنافس للإدارة الأمريكية هو الوحيد الذي يضع العراقيل أمام إبرام الاتفاق، بل إنّ الدول الأوروبية الثلاث المشاركة في المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني وهي فرنسا وبريطانيا وألمانيا، هي أيضاً تُحاول عرقلة حصول اتفاق، فأمريكا تتفاوض مع هذه الدول حول تفاصيل الاتفاق النووي مع إيران أكثر ممّا تتفاوض مع الإيرانيين أنفسهم، وتظهر فرنسا كأكثر الدول المتشددة في هذا الشأن، لدرجة أنّ الإدارة الأمريكية لا تتوقف عن إجراء الاتصالات معها، والضغط عليها، لإقناعها بقبول الاتفاق.
وقد لمّح الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى أولئك المعرقلين فقال: "إن الأيام والأسابيع المقبلة حاسمة، مفاوضاتنا أظهرت تقدمًا، ولكن الفجوات لا زالت موجودة. وهناك أشخاص في كلا بلدينا وخارجها، يعارضون حلًّا دبلوماسيًّا. رسالتي لكم أيها الشعب الإيراني هي أننا علينا التحدث معًا عن المستقبل الذي نسعى إليه".
فأمريكا جادة إذاً في إزالة هذه العراقيل، وفي توقيع الاتفاق مع إيران في أسرع وقت، وبحسب رويترز فقد قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري: "إن المحادثات مع إيران بشأن كبح جماح برنامجها النووي حققت تقدما حقيقيا وإن الوقت قد حان لاتخاذ قرارات صعبة من أجل التوصل لاتفاق إطار"، وتابع: "لم نصل بعد لخط النهاية ولكن لدينا الفرصة لمحاولة تحقيق الأمر بشكل صحيح، إنها مسألة إرادة سياسية واتخاذ قرار صعب، وعلينا جميعا أن نختار بتعقل في الأيام المقبلة"،وأشار إلى أنه سيلتقي بنظرائه الأوروبيين في لندن في وقت لاحق لبحث كيفية حل القضايا العالقة مع إيران "لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كان التوصل لاتفاق ممكنا".
وقد تأجل التوقيع على الاتفاق مرات عدة بسبب هذه العراقيل، لكنّ الإدارة الأمريكية كانت في كل مرة تسعى جاهدة لإزالة تلك العراقيل، وتمديد المباحثات، وإعطاء مهل إضافية لإيران، وأخذ ضمانات جديدة لإقناع الأوروبيين ودولة يهود والجمهوريين في الكونغرس وذلك بغية إسكاتهم وتمرير الاتفاق.
فقد التزمت إيران في المفاوضات بأشياء كثيرة لكسب موافقة المفاوضين الأوروبيين منها: وقف تخصيب اليورانيوم، وتفكيك التوصيلات الفنية المتعلقة بالتخصيب، وعدم تركيب المزيد من أجهزة الطرد المركزية، وتحييد وإبطال مفعول المخزون السابق لإيران من اليورانيوم المخصب، وعدم تشغيل مفاعل أراك، وعدم تزويده بالوقود، وعدم القيام بأي إجراء فني من شأنه تشغيل أي جهاز فيه.
ومنها: السماح لمفتشي وكالة الطاقة الذرية الدخول لمواقع ومنشآت إيران النووية وخاصة أراك ونطنز وبوردو وضمان المراقبة الشاملة، وتقديم الإيرانيين بيانات ومعلومات معينة كانت مطلوبة بموجب البروتوكول الإضافي لاتفاقية الضمانات الإيرانية مع الوكالة الدولية للطاقة.
وقد التزمت إيران لدول 5+1 بآلية مشددة لتطبيق التزاماتها تلك من خلال تكوين لجنة مشتركة للعمل مع وكالة الطاقة الدولية لمراقبة تنفيذ بنود الاتفاق.
فهذه الالتزامات تكفي من وجهة نظر أمريكية لإزالة المخاوف التي يتذرع بها المعرقلون، وهي لا شك أنّها مطمئنة ومقنعة لهؤلاء للمضي قدماً في إبرام الاتفاق.
فأمريكا تتصرف حالياً في الملف النووي الإيراني وكأنّها تُسابق الزمن من أجل توقيع الاتفاق، فهي تُريد الانتهاء من لعبة المفاوضات التي طالت أكثر من اللازم مع إيران، وذلك لإعادة ترتيب أوراق المنطقة بإشراك إيران كلاعب رئيسي في الأحداث، وبوصفها الوكيل الأمريكي الأول لها في المنطقة، لأنّها باتت تُدرك أنّ إيران هي الأقدر من بين كل القوى الإقليمية التابعة على تنفيذ الأجندة الأمريكية، والحفاظ على المصالح الأمريكية.
وقد أثبتت التجارب أنّ إيران ومنذ ثورة الخميني قد وقفت دوماً إلى جانب أمريكا في حروبها الاستعمارية في العراق وأفغانستان، وها هي اليوم تُحارب إلى جانب أمريكا في سوريا والعراق، فعدوهما واحد، وطريقهما واحد، ومصالحهما واحدة، وما العداء المزعوم بينهما سوى عداء كلامي شكلي تمويهي تتطلب وجوده المصالح، وتقتضي إبرازه الحاجات السياسية الاستهلاكية للطرفين، فما هو سوى نوع من الديماغوجيا السياسية.
فأمريكا إذاً تُريد إيران قوية ومستقرة ومزدهرة حتى تتمكن من القيام بدور يُشابه دور شرطي الخليج الذي يحفظ المصالح الأمريكية، ويعفي أمريكا من تكاليف إضافية، وقد تحدث أوباما بتاريخ 29/12/2014 بوضوح عن ملامح إيران المستقبل بشكل لم يسبقه إليه أي رئيس أمريكي من قبل حين قال: "إن بإمكان إيران أن تكون قوة إقليمية مزدهرة إذا توصلت معنا إلى اتفاق حول برنامجها النووي". ولعل الصبر الأمريكي على طول المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، مع كثرة العراقيل التي افتعلت، والإصرار على التوصل إلى اتفاق شامل معها، لعل ذلك هو الدليل الناصع على مدى أهمية هذا الاتفاق، لما يترتب عليه من نتائج كبيرة، قد تتغير معه ملامح المنطقة.
رأيك في الموضوع