خرج مئات الآلاف من السودانيين، الثلاثاء 30/6 الماضي، في العاصمة الخرطوم وولايات عديدة لإحياء ذكرى الثلاثين من حزيران/يونيو 2019م، حين أجبرت احتجاجات عاصفة وقتها المجلس العسكري الانتقالي على العودة إلى التفاوض مع قوى الحرية والتغيير واستكمال الاتفاق السياسي. وردد المتظاهرون شعارات تطالب بالقصاص للشهداء ومحاكمة رموز النظام السابق واستكمال هياكل السلطة الانتقالية.
وأفادت مصادر طبية لـ"سودان تربيون" في 30/6/2020م، بوقوع إصابات، وأكدت على أن الإحصائية الأولية تفيد بوقوع 10 إصابات على الأقل، وأكد بيان صادر عن مجلس الوزراء، مقتل شخص وإصابة آخرين في العاصمة الخرطوم والولايات. وقال تجمع المهنيين السودانيين، إن مليونية 30 حزيران/يونيو، لاستكمال أهداف الثورة، وتصحيح مسارها، وإنهاء مظاهر التهاون والالتفاف على إرادة الشعب، وليست للاحتفال.
وقد ناقش شركاء الحُكم في السودان، السبت 27/6/2020م، مطالب الاحتجاجات، جاء ذلك في اجتماع مشترك ضم المجلس السيادي ومجلس الوزراء وقوى الحرية والتغيير، وغيرهم، وحسب قيادي لسودان تريبيون فإن الاجتماع ناقش "المذكرات التي تم تسليمها لمجلسي السيادة والوزراء ولقوى الحرية والتغيير والتي تتعلق بتحقيق كل المطالب المضمنة في هذه المذكرات".
وقد أعلنت اللجنة العليا للطوارئ الصحية الأحد 28/6/2020م تمديد فترة الحظر الصحي بولاية الخرطوم لأسبوع إضافي، وأكد بروفيسور تاور رئيس اللجنة أن اللجنة لا تشجع على التعبير بالطريقة التي تعرض الناس للوباء.
وقد سبقت هذه التظاهرة إجراءات أمنية صارمة بإغلاق الكباري وتفريغ وسط الخرطوم، فقد أبلغ مصدر أمني رفيع "سودان تربيون"، أن الأجهزة الأمنية، رفعت درجة الجاهزية القصوى، وشرعت فوراً في إخلاء الفنادق، والشقق المفروشة من النزلاء، مع إغلاق جميع كباري العاصمة القومية، بإشراف ضباط برتبة اللواء، ومنعت الناس من العبور، ما عدا الكوادر الطبية والمرضى، المتجهين إلى المستشفيات.
من جانب آخر فقد أعلنت السفارة الأمريكية في الخرطوم، الاثنين، تأييدها للاحتجاجات كما جددت دعمها للحكومة الانتقالية. وقالت إنها "تدرك دعوات السودانيين لممارسة حقهم الذي حصلوا عليه بصعوبة في التجمع السلمي للتعبير عن آرائهم يوم 30 حزيران/يونيو، نشجع المتظاهرين على القيام بذلك بشكل سلمي". وتابعت: "كما نحث جميع السودانيين على تنفيذ الإعلان الدستوري وتقديم دعم لانتقال ناجح وانتخابات عام 2022م". وقد أكد الفريق شمس الدين كباشي عضو المجلس السيادي، في تصريحات لقناة العربية الحدث، الاثنين 29/6/2020م أن: "السلطات تملك معلومات عن جهات تخطط لإجهاض مليونية 30 حزيران/يونيو". وأضاف كباشي: "نتحمل جزءاً من مسؤولية الفشل الذي يشعر به الشارع، والفترة الانتقالية محسوبة علينا جميعاً" كما تحدث عن جهات - لم يسمِّها - قال إنها تسعى للاستثمار في الجيش وزرع الفتن بين عناصره ومكوناته.
لقد جاءت تظاهرة 30 حزيران/يونيو والبلد تمر بعجز سياسي واضح، ووضع اقتصادي كارثي، مما أدى إلى ازدياد حدة امتعاض الناس من الإجراءات التي تقوم بها الدولة تنفيذاً لروشتات صندوق النقد الدولي، حيث ارتفعت أسعار السلع والخدمات بشكل فاحش فاق التوقعات، وبرغم ارتفاع سعر الخبز من جنيه إلى 2 جنيه منذ أشهر، إلا أن هناك توعداً بزيادة سعر الرغيف إلى 8 أو 11 جنيهاً، مع تهديدات برفع أسعار الكهرباء لتلحق بالخبز والوقود، مع تحذيرات بحصول كارثة بسبب انعدام الدواء، ونقلا عن سودان تريبيون في 2/7/2020م: (قال ممثل تجمع الصيادلة المهنيين، صلاح جعفر، في مؤتمر صحفي إن "المخزون الاستراتيجي يواجه نقصانا كبيرا، والوضع كارثي بسبب الندرة الدوائية"... وشدد على أن الدولة ليست لديها المقدرة لمعرفة مشكلة الدواء الحقيقية، أو تقدير الكارثة التي تنتظر البلاد).
وقد توقعت وزارة المالية في السودان، ارتفاع نسبة الانكماش في الاقتصاد إلى 8% في العام الجاري، وكان انكماش الاقتصاد السوداني في 2019م بلغ 2.5%، وأدت السياسات الاقتصادية، إلى ارتفاع نسبة التضخم، حيث سجلت في أيار/مايو الفائت 115%. وقالت وزارة المالية، في بيان، حسب "سودان تربيون"، الأحد 28/6/2020م "من المتوقع أن ينكمش بنسبة 8% بنهاية عام 2020م، وقد أدى هذا إلى ارتفاع التضخم ليتجاوز 100%". وأشار البيان إلى أن معالجة الأزمات الاقتصادية سيكون صعباً في المرحلة الأولى، لكنه ضروري جداً لاستقرار الاقتصاد. وجاء في الخبر: (وقال صندوق النقد الدولي إنه توصل إلى اتفاق مع السودان بشأن الإصلاحات الهيكلية لسياسات الاقتصاد الكلي التي ستدعم برنامجاً مدته 12 شهراً ويخضع لمراقبة الصندوق، وأوضح وزير المالية السوداني إبراهيم البدوي في مؤتمر صحفي الأربعاء أن الاتفاق مع صندوق النقد كان خلاصة مفاوضات استمرت أسبوعين... وأشار إلى أن البرنامج الذي سيطبقه السودان ستكون له تبعات تشمل ترشيد الدعم السلعي، وترشيد الإنفاق، وأسعار الصرف) (سودان تربيون 24/6/2020م). وقال رئيس الوزراء السوداني دكتور عبد الله حمدوك في خطاب متلفز مساء الأحد 28/6/2020م: (ستتوالى على مسامعكم في الأيام المقبلة عدد من القرارات الحاسمة في مسار الفترة الانتقالية، وقد يكون لبعضها أثر كبير - سياسيا واقتصاديا واجتماعيا - وستحاول بعض الجهات استغلالها لتأجيج وصناعة حالة من عدم الاستقرار، إنني أدعوكم جميعا، لتوخي أقصى درجات اليقظة والحذر). (كوش نيوز 1/7/2020م).
إنها الأسباب نفسها التي أدت إلى خروج الناس في ثورة كانون الأول/ديسمبر 2018م، ولولا تدخل لجان المقاومة على خط التظاهرة في 30 حزيران/يونيو، بعد أن دعت لها في البدء جهات أخرى بدعوى إسقاط حكومة قوى الحرية والتغيير التي سموها (حكومة الجوع)، لكان لهذه التظاهرة تأثير عميق في زلزلة حكومة الحرية والتغيير، لامتعاض الناس بسبب الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، مع الصراع الواضح بين عملاء أمريكا - بعض القيادات في المؤسسة العسكرية - وعملاء أوروبا الذين تمثلهم الحكومة المدنية، مما يدل على أن الفشل هو فشل النظام الرأسمالي الديمقراطي المطبق في السودان منذ خروج المستعمر وإلى اليوم، وها هم حكام اليوم يطبقون خطوات الفشل ذاتها إرضاءً لأسيادهم الأوروبيين، بعد أن فشل عملاء أمريكا بخروج الناس على نظام البشير للأسباب نفسها؛ غلاء الأسعار وضيق الحياة؛ بسبب تطبيق النظام الرأسمالي الديمقراطي الجمهوري، مما يؤكد أن الأزمة هي أزمة نظام، ولا يصلح حال الناس إلا بالنظام الذي ارتضاه لهم الله رب العالمين؛ بخلافة راشدة على منهاج النبوة، فإنها المخرج والعلاج لأزمة الحكم في السودان، فوجب على أهل السودان العمل مع أبنائهم العاملين لهذا النظام العظيم، ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ﴾.
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع