كأن أزمة كورونا أتت ليعلق عليها النظام أزمات مصر ومشكلاتها ويبرر عجزه وفشله في حلها، فبعد القروض المتتالية التي يحصل عليها النظام من الصندوق الدولي الذي رفع سعر الربا على مصر بعد تجاوزها سقف الاقتراض، محذراً من مخاطر مالية وارتفاع الديون في ظل الاضطرابات الاقتصادية المحلية والعالمية الكبيرة الناجمة عن جائحة كورونا، ووفق رصد نشره "العربي الجديد" 8/7/2020م، فإن الدين الخارجي تجاوز بنهاية حزيران/يونيو 2020م، نحو 124 مليار دولار، بعد احتساب القروض والسندات الدولية الجديدة التي تم طرحها منذ بداية العام، مقابل 112.67 مليار دولار في كانون الأول/ديسمبر 2019م، ونحو 46 مليار دولار في حزيران/يونيو 2014، كما نقلت في 15/6/2020م، أن بيانات جديدة صادرة عن البنك المركزي المصري، كشفت عن قيام الحكومة بطباعة مبالغ ضخمة خلال أول شهرين من العام الجاري، بينما رجح محللون ماليون ومصرفيون طباعة مبالغ أكبر في الأشهر اللاحقة، خاصة مع تباطؤ عجلة الإنتاج في الكثير من الأنشطة وتوقف السياحة، وأظهرت البيانات الواردة في النشرة الإحصائية لشهر نيسان/أبريل الماضي، والتي اطلع "العربي الجديد" عليها، أن قيمة ما تمت طباعته خلال كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير بلغت نحو 14.4 مليار جنيه، حيث وصل إجمالي النقد المصدر والمتداول في نهاية الشهر الثاني من العام إلى 559.15 مليار جنيه (34.5 مليار دولار)، مقابل 544.7 مليار جنيه نهاية كانون الأول/ديسمبر 2019م، وعلى أساس سنوي، بلغت قيمة ما تمت طباعته نحو 79.1 مليار جنيه، حيث لم يكن النقد المصدر في شباط/فبراير من العام الماضي يتجاوز 480 مليار جنيه.
وفق تقرير لمجلة فورين بوليسي الأمريكية، الرابط بين القروض المتتالية التي تحصل عليها مصر من صندوق النقد الدولي، ووجود رئيس الوزراء المصري الأسبق، حازم الببلاوي، الذي أشرف على مجزرة فض ميدان رابعة، كمدير تنفيذي للصندوق، وكان المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، قد صوت في 26 حزيران/يونيو المنصرم، على صرف 5.2 مليار دولار إضافية لمصر، رغم تحذيرات منظمات حقوقية بأن تلك الأموال تظل عرضة لعمليات فساد، بحسب فورين بوليسي، تهدف تلك الأموال لتعويض المشاكل الاقتصادية في مصر، التي تأثرت بشدة بسبب جائحة كورونا، كما ستستخدم أيضاً لمكافأة أولئك الذين ما زالوا موالين للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يشرف على تعذيب آلاف السجناء السياسيين، بمن فيهم رعايا أمريكيون.
وقد أشارت القدس العربي في 6/6/2020م، إلى تسارع تضخم أسعار المستهلك السنوي في مصر، إلى 6% خلال حزيران/يونيو الماضي، صعودا من 5% في أيار/مايو السابق له.
يأتي هذا كله بينما يعلن النظام عن تحقيق كشف تجاري للذهب في الصحراء الشرقية باحتياطي يقدر بأكثر من مليون أونصة من الذهب، بعد أن أعلن سابقا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، وعددت وسائل إعلام النظام ما جنته مصر من تحقيق هذا الاكتفاء الذاتي أثناء حديثها عن إنجازات النظام خلال 7 سنوات مضت أو 6 قضاها السيسي رسميا في حكم البلاد.
إن أزمة مصر الحقيقية ليست في فقرها كما يقول ويدعي رأس النظام بينما يكذبه واقع ما يعلن من اكتشافات للغاز والذهب فقط دون غيرهما مما تملكه البلاد من موارد وخيرات، فما تملكه مصر لا يكفي لسد حاجاتها فقط بل يكفي لكي لا يصبح فيها فقير واحد، فمناجم الذهب التي تنتشر بطول مصر وعرضها وآبار الغاز وحقول النفط التي لا يعلم عنها أهل مصر إلا ما ندر بينما تنهبها شركات الغرب العابرة للقارات، فضلا عما تملكه مصر من ثروات أخرى دفينة، حتى رمالها البيضاء لها ثمن، ناهيك عن دخل قناة السويس وعن المسطحات المائية التي تحيط بها وتمر من خلالها وما فيها من ثروة سمكية عملاقة، إضافة للزراعة وما يتبعها وغيرها من صناعات مرتبطة،... كل هذه الموارد وغيرها يكفي واحد منها ليجعل من الدولة التي تملكه دولة كبرى تقرض ولا تقترض وتعطي الناس وتعينهم على حوائجهم ولا تحتاج لغيرها، وقد كانت مصر كذلك فمتى وكيف كانت؟
كانت مصر كذلك في عهدين حكمت فيهما بوحي الله عز وجل؛ أولهما زمن نبي الله يوسف عليه السلام، والثاني عندما حكمت بالإسلام بعدما دخلها عمرو بن العاص فاتحا محررا لها ولأهلها من ظلم الروم.
ففي زمن يوسف عليه السلام أوحى الله له كيف ينظم ويرعى شؤون الناس ويعبر بهم السبع العجاف ويعين ويقضي حوائج الناس، ولولا وحي الله لنبيه لكانت مصر كغيرها تتكفف الناس وتسأل القوت.
أما بعد الإسلام فقد أتاها عمرو بن العاص وأهلها عبيد لا يملكون أنفسهم ولا أرضهم ولا حتى دورهم التي يسكنون، وكانت مصر وأهلها ملكاً للقيصر، وهم يزرعون في أرض القيصر مقابل قوت يومهم، حتى حررهم الإسلام بالفتح، ورد عليهم حريتهم وأرضهم وديارهم، فأعطت خيرها حتى أطعمت مدينة رسول الله ﷺ في عام الرمادة، وظلت كذلك طالما بقي الإسلام يحكمها، فلما حكمتها الرأسمالية بجشعها وتوحشها أعادتها لما قبل الإسلام؛ أعادت أهلها للرق والاستعباد؛ يعملون في أرضهم ومتاجرهم لقاء قوت يومهم إن استطاعوا تحصيله.
يا أهل مصر الكنانة! إن خلاصكم لن يكون في الرأسمالية مهما جربتم من حلول تنبثق عنها وتقوم على أساس عقيدتها التي لا تعبر عنكم ولا تنسجم مع فطرتكم وبيئتكم، وإنما خلاصكم الوحيد في نظام بديل حقيقي يوافق فطرتكم وينبثق عن عقيدتكم وفيه وحده علاج جميع مشكلاتكم وأزماتكم، ووحده القادر على إدارة ثروتكم وإعادتها إليكم، نظام أساسه الوحي المنزل الذي أعاد لمصر حياتها ورونقها والذي لم تكن مصر شيئا بغيره ولن تكون دونه، إنه ما يدعوكم له حزب التحرير واصلا ليله بنهاره؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة، نسأل الله أن يكون جيش مصر ناصرها وأن تكون مصر حاضرتها ونقطة ارتكازها.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع