جاء رد وزيرة الخارجية السودانية أسماء محمد عبد الله مفاجئاً على سؤال مقدم برنامج حوار البناء الوطني عبر تلفزيون السودان الرسمي ليل السبت 1/5/2020م حول اللقاء الذي جمع رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ورئيس وزراء كيان يهود بنيامين نتنياهو في عنتيبي مطلع شباط/فبراير الماضي، قالت أسماء إنه لا تعليق لديها عن اللقاء وزادت في ردها لمقدم البرنامج لقمان أحمد حينما توجه لها بسؤال عن اللقاء بوصفها وزيرة الخارجية قالت: "اسأل رئيس مجلس السيادة ثم ضحكت وأردفت لا علم لي".
عينت الدبلوماسية أسماء محمد عبد الله في منصب وزيرة الخارجية بالحكومة السودانية الجديدة، لتكون أول امرأة سودانية تتولى منصب هذه الحقيبة السيادية وكأول امرأة تحتل منصب رئاسة وزارة الخارجية في السودان ويعول عليها كثيراً رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي كان وراء اقتراح اسمها لتولي هذه الحقيبة السيادية، في قيادة الدبلوماسية السودانية بنفس جديد في المرحلة الجديدة، لاستعادة بلادها مكانها الطبيعي على الخارطة العربية والأفريقية والدولية.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها وزيرة الخارجية عدم الكفاءة والقدرة على شغل هذا المنصب الحساس، فقد كان أول ظهور لها على فضائية بي بي سي وقد كانت ردودها ضعيفة وهي تحمل رزمة ورق يتناثر عن يدها.
إن إدارة شؤون الدولة ومصالح الناس تتولاها مصالح ودوائر، تقوم على النهوض بشؤون الدولة، وقضاء مصالح الناس، وهذه الأجهزة إنما تُنشَأ وتُقام لأجل النهوض بشؤون الدولة بكفاءة عالية ومهنية لتجنب الإخفاقات ممن توكل إليهم المهام.
ونحن هنا لن نبحث الجانب الفقهي في تولية المرأة الحكم فهو حكم معلوم بعدم جواز ذلك، ولكن في الواقع جهاز الخارجية هو الواجهة لأي دولة، ما يحتم أن تتصف الدائرة التي يقوم أفرادها بتنفيذ الجوانب المختلفة للسياسة الخارجية بـالتخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة على جميع المستويات وأن يتم ذلك بالكفاءة العالية والتميز في إنجاز المهام ولضمان سير هذه المصالح دون أن تظهر اضطراب الدولة وعدم ثباتها خارجيا ما ينعكس على الاضطراب الداخلي والتخبط. وفي الدول المتقدمة يُعَدّ وزير الخارجية في المرتبة الثانية بعد رئيس الدولة، لذلك تجهد هذه الدول نفسها في البحث عن مسؤولين أكفاء من ذوي القدرة والكفاية فيمن يُسنَد إليه العمل، وهذا يوجبه إحسان العمل، كما يقتضيه القيام بالعمل نفسه وهم يضطلعون بملف السـيـاسـة الـخـارجية واسـتـراتـيـجـيـتـهـا، والمصالح الحيوية والثانوية وصياغتها في أهداف قابلة للتحقيق بكل الوسائل والأساليب الممكنة. والسياسة الخارجية من ضمن أهم أجهزة الدولة لأن لكل دولة من الدول في العالم علاقات مع غيرها من الدول تقوم على أسس معينة ومعايير خاصة، تنبع من قناعات تلك الدولة ومفاهيمها عن الحياة، وهو ما يعرف بسياستها الخارجية التي ترعى بها شؤون الناس الذين يحملون تابعيتها في مجال العلاقات مع غيرهم من الأمم والشعوب والدول. وعلى هذا فتكون السياسة الخارجية هي علاقة الدولة بغيرها من الدول، وتتقرر في ضوء تلك العلاقة مواقف الدولة من الأحداث الإقليمية والدولية، وبها يعرف توجه الدولة، وعن طريـقـهـا يـمـكن التنبُّؤ بتـصـرفاتها حيال الأحداث والأزمات.
إن السودان اليوم يعاني من فراغ على كل المستويات، فهو يعاني من عدم وجود رأس فكري يحدد له قيادته الفكرية، وصورته الحضارية الحقيقية كجزء لا يتجزأ من بلاد المسلمين. السودان اليوم هو بلا رأس سياسي يرعى شؤونه بما يصلح البلاد والعباد، ويضبط علاقات أجهزة الدولة بما يمنع صراع المسؤولين وتسابقهم على إنجاز مهام لا تخصهم نتيجة لضعف من أوكل إليهم المهام مما يؤدي لهذا الارتباك في الإجابة على سؤال كان يمكن إجابته إذا توفرت الخبرة السياسية والحنكة.
وربما الإجابة التي لا تستطيعها الوزيرة ولا رئيس مجلس السيادة الذي التقى برئيس وزراء كيان يهود هي أن الدول المحاربة فعلاً والمحتلة لأراض إسلامية كدويلة يهود يجب أن تتخذ معها حالة الحرب أساساً لكافة التصرفات، ويمنع جميع رعاياها من دخول البلاد. هذه الإجابة الحقيقية والواقعية والحقيقة الشرعية التي لا يمكن أن ينطق بها الرويبضات.
إن الأمانة ثقيلة ولا يتصدى لها إلا من يعلم عظمها، فلا ينبغي التطلع إلى المسؤولية والحكم إلا لمن كان أهلاً لذلك المنصب، وقد رأينا كيف كان الصحابة ينأون بأنفسهم عن المسؤولية لمعرفتهم بأنها أمانة عظيمة وكيف نصح النبي عليه الصلاة والسلام مَن إيمانه راسخ وعظيم بترك مسؤولية الحكم. أخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: "يا رسول الله ألا تستعملني؛ يعني ألا تجعلني والياً أو أميراً أو رئيساً لك على إحدى المدن؟" قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا».
إن دولة الخلافة هي التي تجمع كلمة المسلمين تحت رايتها، وتحمي بيضة الإسلام بسلطانها، وتمكِّن المسلمين من حمل دعوتهم إلى العالم، وجعلهم قوة دولية تؤثر في الموقف الدولي وفي مصائر الأمم، وقد فرضها الله على المسلمين جميعاً. ولذلك يجب على كل مسلم أن يسعى لإقامتها، لأنها هي وحدها التي تنقذ الأمّة من الفناء، وتجعلها خير أمّة أُخرجت للناس وتجعل سياستها الخارجية سياسة شرعية مبنية على أساس عظيم وهو نشرُ الإسلام في العالم كله وحملُ الدعوة الإسلامية إلى العالم بالدعوة والجهاد لإخراجهم من الظلمات إلى النور.
رأيك في الموضوع