مع نهاية شهر كانون الثاني/يناير من هذا العام قام ترامب بالإعلان بشكل رسمي عن صفقته المشؤومة، والتي تنص على ضم كيان يهود للأغوار ومستوطنات الضفة الغربية التي تشكل مجتمعة 30% من مساحة الضفة، والتي يفترض أن تكون جزءا من الدولة الفلسطينية الموعودة بحسب مشروع الدولتين الأمريكي، الذي شكل منذ إطلاقه عام 1959 على عهد الرئيس الأمريكي أيزنهاور الأساس الذي بنيت عليه كل الاتفاقيات السياسية وخاصة اتفاقية أوسلو وكذلك التحركات والمبادرات على شاكلة المبادرة العربية وخارطة الطريق، وقد تبع هذا الإعلان والتغير الذي طرأ على الموقف الأمريكي، تغيرات كان من أبرزها الحديث عن موضوع ضم الأغوار ومستوطنات الضفة الغربية.
قبل ذلك الإعلان الرسمي عن الصفقة المشؤومة كان كيان يهود قد بدأ بالتلميح لموضوع الضم بشكل ينسجم مع تفاصيل الصفقة التي كانت تنشر على شكل تسريبات من حين لآخر، ولكن مع طرح الصفقة بشكل رسمي برز هذا الموضوع بقوة على السطح وبشكل مختلف خاصة بعد اتفاق قطبي السياسة في كيان يهود بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود وبيني غانتس زعيم حزب أزرق أبيض على مسألة الضم وإعلانهم ذلك بشكل صريح، ومن ثم كان الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة بينهم "كان نتنياهو لدى إعلانه الاتفاق مع منافسه بيني غانتس لتشكيل حكومة وحدة قد حدد 1 تموز/يوليو المقبل موعدا لبدء مناقشات في الحكومة بشأن بسط سيادة (إسرائيل) على المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وضم منطقة غور الأردن تماماً، وأكد نتنياهو للجنة الأوروبية من أجل (إسرائيل) أنه في غضون شهرين من الآن أنا على ثقة من أن هذا الوعد سينفذ" (الجزيرة نت 26/4/2020). ومن ثم جاءت تصريحات لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قال فيها "إن اتخاذ قرار بشأن ضم أجزاء من الضفة الغربية يعود في نهاية المطاف لـ(إسرائيل)، وإن واشنطن ستبدي موقفها بهذا الشأن للحكومة (الإسرائيلية) الجديدة بشكل غير معلن" (الجزيرة نت 22/4/2020)، ومن ثم كانت الزيارة الأخيرة لمايك بومبيو إلى كيان يهود وهي أول زيارة له خارج الولايات المتحدة منذ حصول أزمة كورونا، وقد صرح بخصوص الضم قائلاً "إن الحكومة (الإسرائيلية) ستحسم توقيت وآليات تنفيذ خطة ضم المستوطنات وفرض السيادة على أجزاء من الضفة الغربية ومنطقة الأغوار" (وكالة معا 14/5/2020).
في ظل تلك التصريحات والتغيرات والتطورات التي طرأت بدأ يدور الحديث عن آلية مواجهة هذه المؤامرة وكيفية التصدي لتحرك كيان يهود لضم ثلث الضفة الغربية، وبدأت السلطة الفلسطينية التي وجدت أن أفقها السياسي أصبح تحت أقدام ترامب بالحديث عن آلية مواجهة هذه المؤامرة، حيث هدّد رئيس السلطة محمود عباس بالانسحاب من الاتفاقيات مع كيان يهود إذا ضم أي جزء من الأراضي المحتلة، حيث قال "سنعيد النظر في موقفنا من كل الاتفاقات والتفاهمات، سواء مع دولة الاحتلال أو مع الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وسوف نكون في حل من كل تلك الاتفاقات والتفاهمات إذا أعلنت الحكومة (الإسرائيلية) عن ضم أي جزء من أراضينا المحتلة"، في السياق ذاته قال رئيس وزراء السلطة محمد اشتية "إن المرحلة المقبلة في غاية الصعوبة، وإن القيادة الفلسطينية ستعقد اجتماعاً مهماً يوم السبت لمواجهة قرار (إسرائيل) ضم أجزاء من الضفة الغربية"، وبدوره أكد صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير "أن القيادة الفلسطينية ستخرج بقرارات خلال اجتماعها السبت للرد على الإجراء (الإسرائيلي)" (الجزيرة نت 13/5/2020).
إن الناظر إلى تصريحات السلطة يرى مدى خنوعها وذلها؛ فبالرغم من أنه لم يتبق لها سقف سياسي تتستر به ومشروع تروج له إلا أنها تصر على تضييع ما تبقى من القضية وتحاول أن تبرز نفسها على أنها قادرة على التصدي لكيان يهود بعنتريات كاذبة وتهديدات فارغة مكررة، ففي اللحظة التي يستعد فيها كيان يهود للانقضاض على ما تبقى من الأرض ويتحين الفرصة لذلك، نجد السلطة تهدد على لسان رئيسها بأنه إن حصل ذلك فإنهم في حل من الاتفاقيات والتفاهمات! وكأن ذلك سيمنع كيان يهود أو سيجعله يتراجع إن حصل ونفذ الضم! ولشدة ضعف السلطة وخنوعها وعدم امتلاكها لأمرها حتى الاجتماع الذي أعلن عنه لبحث آلية التصدي وجعل له هالة إعلامية ضخمة على لسان قياداتها وأنه سيخرج بقرارات مهمة ومصيرية وإذا بالاجتماع يؤجل إلى أجل غير مسمى، وكما يقال تمخض الجبل فولد فأرا فقد تمخضت السلطة فخرجت باجتماع لم يعقد!
أما حركة حماس فقد رأت بأن التصدي يكون بالمقاومة الشعبية "حيث دعا رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية إلى مقاومة شعبية في كل من غزة والضفة لمواجهة مخطط ما تسمى صفقة القرن" (الجزيرة نت 13/5/2020)، وهي المقاومة ذاتها التي كانوا يسخرون منها عندما كان يطالب بها محمود عباس تحت شعار المقاومة السلمية، والعجيب أنه عندما يتعلق الأمر بأهل فلسطين العزل يكون الحديث عن مقاومة وعندما يتعلق الأمر ببلاد المسلمين والتي فيها جيوش جرارة وطائرات ودبابات قادرة على اقتلاع كيان يهود في أقل من معركة يكون الحديث عن دعم سياسي ودبلوماسي ومالي ويصبح الحديث عن العلاقات الطيبة مع جميع الأنظمة ومنها السعودي والمصري والإيراني والتركي كما صرح هنية في لقائه ببرنامج بلا حدود!
إن المؤامرة على قضية فلسطين مؤامرة كبيرة وأمريكا تريد بمساعدة الأنظمة الخائنة في بلاد المسلمين والسلطة الذليلة في فلسطين، تريد تصفية القضية وإنهاءها لصالح كيان يهود، وهذه المؤامرة لشدة إجرامها فإنها تحرك أذهان المسلمين وتستفز مشاعرهم بمن فيهم أولئك الذين كانوا مخدوعين بمؤتمرات السلام وحل الدولتين والمؤسسات الدولية وغير ذلك من أدوات الاستعمار، فالجميع بات يرى تصفية واضحة علنية عنصرية لقضية فلسطين، وبالتالي فإن أذهان المسلمين وأنظارهم متجهة إلى أهل فلسطين وإلى القضية وسبيل إنقاذها، وهنا يقع على عاتق أهل فلسطين تصويب هذا الغضب ليثمر في تحريك الشعوب لإسقاط الحكام الخونة وتحريك الجيوش والكف عن المناداة بالوطنية وبفلسطينية القضية وغيرها من الشعارات التي تُضيع القضية بيد أهلها، وكذلك الحذر والتوقف عن التضليل وكيل المديح للأنظمة والتستر على خيانتها فهذا يحرف بوصلة الأمة ويمتص غضبها تجاه حكامها ويؤخر تحركها تجاه قضاياها ويجعل دعمها ينصب في الجوانب التي لا تحرك جيشا ولا تحرر أرضا ولا تقتلع عدوا ولا تسقط خائنا.
بقلم: الدكتور إبراهيم التميمي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين
رأيك في الموضوع