اعتبر الرئيس الأمريكي ترامب أن اقتصاد بلاده قد يكون متجها نحو الانكماش بسبب فيروس كورونا الجديد، وكذلك صرح بنك أوف أمريكا الخميس أن أمريكا سقطت في هوة الركود بفعل التداعيات الاقتصادية السلبية لفيروس كورونا، وأن الركود الناجم عنه لم يعد يمكن تجنبه.
فيما قال مايكل ماير، الخبير الاقتصادي في بنك أوف أمريكا: "نحن نعلن بشكل رسمي سقوط الاقتصاد الأمريكي في هوة الركود لننضم إلى بقية دول العالم. السقوط كان مدويا وعميقا". وتابع: "1- سيتم التخلص من الوظائف و2- سيتم تدمير الثروات 3- والقضاء على الثقة".
ويتوقع البنك انهيار الاقتصاد في الربع الثاني والانكماش بنسبة 12%.
لن أسترسل كثيرا بذكر الأخبار التي تؤكد حقيقة الهبوط والانكماش والركود، فبعد إلغاء الغطاء الذهبي للعملة في أمريكا عام 1971 التي كانت أكبر احتيال وترحيل عالمي لأزمة كبيرة، بدأت فقاعة الائتمان في النمو، وارتفع الاستهلاك بشكل اصطناعي بمساعدة القروض، وهو ما تبعه نمو في الصناعة. وارتفعت الديون التي لن تجد في المستقبل من يسددها حيث تشير مؤشرات أخرى إلى أن حوالي 30% من الشركات الغربية، بما في ذلك شركات أمريكية، هي شركات مفلسة فعليا، ولكنها تعيش على "جهاز التنفس الاصطناعي"، بمساعدة قروض ميسّرة لأبعد حد، والتي يمكن الحصول عليها إلى ما لا نهاية، حتى لحظة انهيار النظام الاقتصادي بأكمله. معلوم أن البنوك المركزية تقوم بخفض نسبة الربا وتطبع مزيدا من النقود وهي غير مغطاة بالبضائع، تعطيها للشركات في صور قروض ميسرة، وهذه النقود التي طبعت بقرار دون غطاء لن تمنع الانهيارات والأزمات لكن تستطيع تأجيلها، على حساب تضخيم حجم الأزمة، بل إن بعضهم فقد الحل في الأرض، فهذا رئيس وزراء إيطاليا يقول إيطاليا تفقد السيطرة كلياً عن احتواء فيروس كورونا، انتهت حلول الأرض، الحلُّ متروكٌ للسماء!
وحتى لا يكون البحث ركضا خلف أحلام ولا دغدغة للمشاعر وتصويرا للأزمة بسقوط ذاتي ونغرق في الأحلام الوردية ونخالف سنن الله الكونية بالتدافع. فالمبدأ الرأسمالي هو مبدأ الأزمات منذ نشأته وليس جديدا عليه منذ الكساد العظيم عام 1929 وحتى 2008 وإلى الآن، لكنه كان يجد بعض الحلول المؤقتة ويقوم بترحيل أزمات على حساب أخرى لكن سيبقى السؤال الحتمي إلى متى؟ لأن السقوط الحقيقي والحتمي سيكون بإذن الله على يد دولة قادمة تزيح هذه الكيانات، فمثلا ما سقط المبدأ الشيوعي وكيانه السياسي دون صراع مرير واستنزاف من أطراف أخرى وذلك بعد سقوط المبدأ الرأسمالي كفكر ومبدأ في ممارسات الدول الرأسمالية، أصبح الحديث الآن منصبا على الكيانات السياسية المتحكمة عالميا وذات النفوذ العالمي أو الإقليمي أو قوة المركز في ذاته بعيدا عن تأثيره ونفوذه خارجيا، نقول وبثقة عالية إن توالي الأزمات لهذه الكيانات حتما سيجعلها ضعيفة بتفاوت، مما سيخرج بعضها من حلبة الصراع أو الوجود نتيجة للصراع بينهم مخلفة وجودا لمن بقي مثخنا بالجراح مكبلا بالقيود والأزمات؛ لأن إنكار تأثير هذه الأزمات وقوتها على هذه الكيانات هو أيضا معضلة في التفكير السياسي، وقراءة خاطئة للأحداث، وأثرها على تلك الكيانات القائمة لا شك كبير مع بقاء أسباب ومقومات الانهيار السابقة التي لم تعالج أصلا لكنه لا شك ينتظر كيانا سياسيا آخر مخالفا له في أسسه الفكرية والحضارية، حاملا الصراع الفكري معه إن بقى للغرب أفكار تناقش بعد أن تخلى هو عن أفكاره ونظرياته ومدارسه وفقدت شعوبه الثقة به، ومصارعا له سياسيا وماديا في كافة الميادين.
إذاً هي مرحلة حساسة ودقيقة تحتاج منا وقفة بعيدا عن الانتظار والأحلام، وهذا ما عليه حملة الدعوة رجال الأمة السياسيون - ولله الحمد والفضل - الذين أتبعوا الوعي بالعمل مؤمنين أن نجاح القيادة الفكرية الإسلامية في استئناف الحياة الإسلامية وتحقيق وعد الله بالنصر بإقامة الخلافة أمور لا يعلم وقتها المحدد إلا الله سبحانه وتعالى. إلا أن العمل ويسبقه الوعي الفكري والسياسي فروض في عملية التغيير يتوقف عليها النصر مصداقا لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾. وهو أمر يتوقف على مدى إرادتهم الواعية في الأخذ بأسباب النصر ﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾. ولتحقيق نصر الله وعودة الإسلام لا بُد من توفر الوعي بنوعيه مع الأخذ بأسباب وسنن الله في التغيير وتوفر إرادة التغيير.
وختاما فإنه مهما تعاظمت قوى الكفر برغم الهزات التي أصابته وأضعفته مرحليا حتى لو جعلته طريح الفراش وهو يئن من أزماته، لكن السقوط الكلي وهو الموت لن يكون إلا على يد كيان سياسي مبدئي؛ لأن البحث الآن هو بحث كيانات وليس مبادئ بعد سقوط الفكر الغربي، فإن الأمة الإسلامية تحت قيادة الخلافة القائمة قريبا بإذن الله هي أقوى من تلك القوى في عز قوتها، فكيف وقد أصابها الضعف والوهن؛ وذلك راجع لثلاثة أسباب؛
أولاً: أن الأمة تملك فكرة كلية سياسية روحية عن الكون والإنسان والحياة تعالج كافة مشاكل الإنسان كإنسان وهي فكرة صحيحة أقنعت العقل ووافقت الفطرة فملأت القلب طمأنينة. وهي فكرة نضالية ودينامية تخيف الغرب الرأسمالي وتقضّ مضاجعه.
ثانياً: إن الأمة تملك من القوى المادية من ثروات وطاقات ما لا يملكه سواها.
ثالثا: وجود القيادة السياسية المبدئية في الحكم والوسط السياسي والأحزاب والأمة بمجموعها إن لم يكن بإجماعها.
إن وجود هذه الثلاثة في الكيان السياسي القائم قريبا بإذن الله سيحدث انقلاباً جذرياً ونوعياً في ميزان القوى الدولي، وحينئد سيقضي هذا الكيان على ما تبقى من كيانات الغرب الرأسمالي بسهولة وقد أثخنتها الجراح والأزمات ولم تعد قادرة على تحملها، ويجعلها أثرا بعد عين، وما ذلك على الله بعزيز. قال تعالى: ﴿الم* غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾
رأيك في الموضوع