كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، وبحضور رئيس وزراء كيان يهود بنيامين نتنياهو، عن خطته الموعودة لتحقيق السلام بين الفلسطينيين ويهود والتي عُرفت بصفقة القرن.
من يرى هذين الرجلين المقيتين جنباً إلى جنب عند إعلان صفقتهما المجرمة بكل وقاحة وسفاهة، يعلم علم اليقين أنّ لا خير فيها ولن يكون، فهما أعداء الإسلام والمسلمين.
ومن يسمع بنود هذه الصفقة المشؤومة يظن وكأن هناك صراعا قائما بين السلطة الفلسطينية العميلة وبين كيان يهود المحتل، وها قد أتى عرّاب السلام قاتل الأطفال والنساء في سوريا واليمن والعراق وليبيا وأفغانستان والسودان وغيرها من مناطق الصراع في البلاد الإسلامية، ليضع بنود السلام بل الاستسلام الفاضح ليس فقط لسلطة العار بل لجميع حكام الشنار.
وأما من يقرأ مقرراتها بإمعان وعين مستبصرة، فيرى أنها مجرد توصيف لواقع مؤلم يعيشه المسلمون في فلسطين منذ احتلال يهود لأراضيهم ومقدساتهم وامتلاك كافة زمام أمورهم.
فأين الجديد بأن تكون الدولة الفلسطينية المستقبلية منزوعة السلاح؟! فلا سلاح موجود يهدد أمن كيان يهود ليومنا هذا، وإن وُجد فهو موجود لقمع أهل فلسطين وللقتال الداخلي بين الفصائل الفلسطينية.
وأين الجديد بتعهد يهود بالحد من النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية؟! فكل القوانين والاتفاقيات الدولية السابقة قد ضُرب بها عرض الحائط وأُنشئت عشرات بل مئات المستوطنات العشوائية دون رادع لا من أمريكا صانعة هذا السلام المزيف ولا من السلطة حاملة راية الخنوع والتزلّف. مع التنبه أنه لم يتم ذكر كلمة "منع" إنشاء المستوطنات بل "الحد" منها فقط!! فهل تتجرأ أمريكا منع طفلها المدلل عن شيء يريده؟!
وما الجديد في إبقاء الأردن مسؤولا عن المسجد الأقصى؟! فمن أخلص وأوفى من النظام الأردني في عمله الموكل له، فهو الأصم والأبكم والأعمى عن كل الانتهاكات الحاصلة في الأقصى طوال السنوات الفائتة.
إنها صفقة أعطت الضمان الدولي لاستمرار الاحتلال وسيطرة يهود على كامل الأرض المباركة، هذا بالإضافة إلى توقيت إعلانها مما يجعلها أيضاً بمثابة مشروع انتخابي لكلا الرجلين في غمار خوضهما لمعركتيهما الانتخابية المقبلة هذا العام.
فقد حرص ترامب على إعلانها كإنجاز سياسي له، لا سيما وأن هناك قائمة لا حصر لها من القضايا السياسية الرئيسية التي تعتمد على ما إذا كان شعار ترامب "أمريكا أولاً" سيتواصل لمدة أربع سنوات أخرى. فجاء إعلانه لصفقة القرن قبل أيام من بدء الانتخابات التمهيدية لاختيار المرشحين والتي ستجرى في كل الولايات الأمريكية ابتداء من 3 شباط/فبراير 2020، ليخوض المرشحان المتنافسان الفائزان بترشيح حزبيهما، الجمهوري والديمقراطي، الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2020.
والجدير ذكره أن الرئيس دونالد ترامب قد أعلن رسمياً وفي وقت سابق إطلاق حملته للفوز بفترة ولاية ثانية في تجمع جماهيري صاخب في ولاية فلوريدا الجنوبية تحت شعار "لنجعل أمريكا عظيمة مجددا".
والأمر اللافت هو تحديد الفترة الممنوحة للسلطة الفلسطينية بأربع سنوات كي تقرر الدخول في مفاوضات مع كيان يهود لتطبيق الخطة. وهي الفترة التي تتوافق مع مدة ولاية ترامب الثانية في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية نهاية عام 2020.
أما بالنسبة لرئيس وزراء كيان يهود بنيامين نتنياهو الذي كان قد توجه إلى الإدارة الأمريكية للحصول على موافقتها بشأن تطلعه للإعلان عن ضم منطقة الأغوار ومنطقة شمال البحر الميت إلى سيادة كيانه المسخ، جاء إعلان هذه الصفقة:
- بعد فشل نتنياهو مرتين في تشكيل حكومة ائتلافية مع الأحزاب المنافسة، تكون ذات أغلبية تسيطر على 61 مقعداً على الأقل في البرلمان، وذلك خلال انتخابات تمهيدية جرت في نيسان/أبريل الماضي وفي 17 أيلول/سبتمبر الماضي من عام 2019 م.
- وقبل انتخابات الكنيست التي ستجري في الثاني من آذار/مارس المقبل، إذ تحول ضم غور الأردن ومناطق أخرى في الضفة الغربية إلى حالة سجال وتنافس محموم في الحملات الانتخابية للأحزاب في كيان يهود، بعد أن كانت غائبة عن المشهد الانتخابي الذي استحوذ عليه فساد نتنياهو ومسألة استحصاله على الحصانة.
فجاءت هذه الصفقة لتتوافق مع تطلعات نتنياهو التي ترجمتها حملته الانتخابية لحزب الليكود، إذ تعهد بضم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية (تُعد غير شرعية بنظر القانون الدولي لأنها بُنيت على أراضٍ محتلة)، بالإضافة إلى فرض سيادة يهود على غور الأردن وشمال البحر الميت، مع رفضه القاطع في قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة تمتلك سلطات وقوة عسكرية مثل أي دولة أخرى في العالم، كل ذلك من أجل اجتذاب أصوات قطاع كبير من المستوطنين والمتشددين.
خسئت صفقتهم الملعونة وخسئت برامجهم الانتخابية، وهي القائمة على استعمار الشعوب واحتلال بلادهم وسفك دمائهم واستباحة أعراضهم، والقائمة على الظلم والدكتاتورية والاستعباد، والتحكم بمقدرات البلاد وبأحوال العباد تحت مسمى نشر العدل والسلام وهم يصنفون من أرذل الخلق اللئام.
حفل خطابي لكلام سقيم، تفوّه به الحاقد والمتعجرف ترامب وصفق له الغاصب والمحتل نتنياهو، وحكام المسلمين صمٌ بكمٌ عميٌ صامتون لا يعقلون وعلى أسيادهم لا يعترضون بل وبحمدهم يُسبحون وهم على كراسيهم متربعون، وعلى بيع الأقصى والقدس الشريف شاهدون بحفنة من المال الملعون.
فاعلموا أعداء الإسلام والمسلمين، بأن الأيام دول، فكما مكّن ترامب كيان يهود من قضم فلسطين كاملة ظلماً وعدوانا، سيتم بإذن الله وبصدق المسلمين وإخلاصهم، تحقيق بشرى رسول الله e بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، والتي ستقتلع جذورهم العفنة بجيش مسلم جرّار، يُطهّر الأرض المباركة من دنس يهود كما طهرها سابقاً صلاح الدين من دنس الصليبيين... ﴿لِمِثلِ هَذَا فَليَعمَلِ العَامِلُون﴾.
بقلم: الأستاذة رنا مصطفى
رأيك في الموضوع