حكومة رئيس وزراء الحكومة الانتقالية، عبد الله حمدوك، المشكّلة من 18 وزيراً بدلاً من 20 وزيرا، أدت اليمين الدستورية، يوم الأحد 08/09/2019م، وشرعت في مباشرة مهامها، فهل هذه الحكومة تشكل طوقاً للنجاة لأهل السودان من البؤس والشقاء والفقر وضنك العيش؟ أم هي امتداد لسياسات النظام البائد؟ قال رئيس الوزراء بأنه اعتمد أربعة معايير أساسية في اختيار حكومته، هي الكفاءة، وتمثيل الأقاليم، والتمثيل العادل للنساء، وتمثيل الشباب. فما هي حقيقة هذه المعايير؟ لا شك أن معرفة حقيقة هؤلاء الوزراء سوف تكشف عن حقيقة هذه المعايير.
أما الكفاءة، فيقصد بها الدرجات الأكاديمية، والتحضير في جامعات الغرب، بالإضافة إلى الخبرة العملية في المنظمات الدولية. إن جامعات الغرب، وحتى الجامعات في بلاد المسلمين، تدرّس الحضارة الغربية ووجهة النظر الغربية عن الحياة في الحكم والاقتصاد والتشريع وغيرها.
أما الخبرة، فتعني التطبيق العملي والتدريب على إنزال هذه الحضارة الآسنة في واقع الحياة، لذلك فعندما ندرس السيرة الذاتية لطاقم الحكم الجديد، نجد أن أركانه هم من موظفي المنظمات الدولية؛ الأمم المتحدة والبنك وصندوق النقد الدوليين، لذلك فإن نظرتهم للحكم وعلاج المشاكل مبنية على وجهة النظر الغربية، وتسوّل المعالجات على أبواب المنظمات المسماة دولية، وهي المعنية بتحقيق مصالح الغرب الكافر في حركاتها وسكناتها، لذلك يبدأ المطاف وينتهي بهؤلاء الجدد بإرضاء الغرب الكافر لعله يرفع السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية، أو يلغون ديون السودان الخارجية بموجب مبادرة الهيبك، أو يجمعون مبلغ 8 مليار دولار التي يحتاجها رئيس الوزراء (حمدوك) لعلاج المشكلة الاقتصادية، أو التطبيع مع البنك الدولي لأخذ مزيد من القروض الربوية، أو فتح البلاد للشركات الرأسمالية الضخمة لترتع في ثروات البلاد البكر... هذا هو تفكير من يسمون بالكفاءات، وهو نفسه تفكير رجالات النظام البائد، بل هو تفكير الوسط السياسي الوطني الذي صنعه الكافر المستعمر على عين بصيرة، وقد جنى الناس من هذه العقليات بؤس الحياة وضنك العيش! قال حمدوك: (بدأنا محادثات مع أمريكا لرفع السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب ومع صندوق النقد الدولي لمناقشة إعادة هيكلة الديون) (قناة العربية 24/08/2019م)، وتابع: (على صندوق النقد والبنك الدوليين مساعدة السودانيين عبر تفهم أولوياتهم). وذكر مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية في تصريح للصحفيين مشترطا عدم نشر اسمه أن رئيس الوزراء السوداني الجديد عبد الله حمدوك سيكون نقطة الاتصال الرئيسية، وقال: (أظهرت هذه الحكومة الجديدة الالتزام حتى الآن. وسنواصل اختبار هذا الالتزام) (العربي الجديد 07/08/2019م).
أما فيما يتعلق بتمثيل كل الأقاليم، فقد قال حمدوك في مؤتمره الصحفي الخميس 05/09/2019م: (إنه أراد تشكيل مجلس وزراء يرى فيه كل السودانيين أنفسهم، خصوصاً في المناطق المتأثرة بالحرب)، لذلك أجّل تسمية وزيري الثروة الحيوانية والبنى التحتية بحثاً عن ممثلين من شرق السودان والنيل الأزرق! هذا الواقع هو عينه المحاصصة الجهوية التي دخلت على المسرح السياسي بقوة خلال فترة النظام البائد، وأس هذه المحاصصات هو قضية النظر إلى الحكم بوصفه مغنما (كيكة)، ليحوز من خلالها الحاكم على السلطة والثروة، ويسعى لإرضاء أكبر عدد من المؤثرين ليستتب له الأمر، وهذه هي نظرة الغرب الكافر للحكم، وهي إحدى مظاهر انحطاط الوسط السياسي، وهو المنهج القديم نفسه الذي لفظه أهل السودان. إن الحكومة التي يرى فيها كل الناس أنفسهم، هي تلك التي تقوم على الفكر الحق، وليس على الباطل، تقوم على عقيدة الناس، فتضمن إشباع حاجاتهم الأساسية، من مأكل وملبس ومسكن، وتوفر بالمجان التعليم والصحة والأمن للجميع، فيعيش الناس حياة كريمة في طاعة الله، فالإنسان في شرق السودان أو دارفور أو في غيرهما لا يعنيه حقيقة أن يكون الحاكم من منطقته أو من منطقة غيرها. فلم يخرج الناس ثائرين لأن البشير وطاقمه البائد ليسوا من مناطقهم! إنه التضليل والتفكير بعقلية النظام البائد نفسه، وهو القاسم المشترك، وتجريب المجرب، وحتماً سوف تنتهي إلى النتائج الكارثية نفسها.
أما المعيار الثالث، وهو التمثيل العادل للنساء، والمعيار الرابع، تمثيل الشباب، فإنهما يعبران عن النفاق السياسي الواقعي الذي يفتقر إلى فكرة سياسية مبدئية قادرة على علاج المشكلات، لذلك ينصرف السياسيون لإرضاء هذه الفئة أو تلك، كما أن أصحاب هذه الدعاوى ينافقون الغرب الكافر الأفاك الأثيم، الذي يدعي مظلومية المرأة إذلالا للمسلمين حتى يجلسوا المرأة على كراسي الحكم، ويتخلوا عن الأحكام الشرعية، أحكام رب العالمين التي جاء بها النبي e، وهو القائل: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ اِمْرَأَةً»، وهكذا كان يفعل النظام البائد، يمزج بين نفاق قطاعات الشعب وطاعة الغرب الكافر.
إن حكومة حمدوك هي الحكومة القديمة نفسها، بمعاييرها، ونظرتها إلى الحكم، وليس فيها جديد سوى الوجوه، ولا شك أن أهل السودان لم يثوروا لأجل الوجوه، بل خرجوا يلتمسون حياة كريمة في ظل حكم رشيد. وإن الحياة الكريمة لن يراها الناس في أرجاء المعمورة إلا في ظل أحكام الإسلام، تطبقها دولة الخلافة على منهاج النبوة، التي يعمل لأجلها حزب التحرير، ويستنفر لها طاقات المسلمين، فأروا الله، أيها المسلمون، من أنفسكم خيراً بالعمل الجاد مع هذا الحزب الذي يصل الليل بالنهار لإقامتها، فهي التغيير الحقيقي الذي ينشده الناس، الذي يقطع حبال الغرب الكافر، ويمددكم بسبب إلى السماء.
بقلم: الأستاذ حاتم جعفر (أبو أواب)
رأيك في الموضوع