الدعامة المركزية لحزمة إنقاذ صندوق النقد الدولي لباكستان هي بتخفيض قيمة الروبية، وهي تهدف إلى زيادة الصادرات مقابل العملات الأجنبية. وعلى الرغم من أنه يبدو أن "الحلول" الاقتصادية التي استخدمها صندوق النقد الدولي لم تتسبب في حرب عملة عالمية، إلا أنّه من المرجّح أن يؤدي ذلك إلى عرقلة جهود صندوق النقد الدولي لسد العجز في حساب باكستان على المدى البعيد.
وأحد عواقب النزاع التجاري المستمر بين أمريكا والصين هي بداية حرب العملة العالمية، فقبل بضعة أسابيع، خفّض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وللمرة الأولى منذ عام 2008، خفّض من نسبة الربا، من 2.25٪ إلى 2٪، وكانت الزيادة التي تحققت في الاتجاه العام لارتفاع نسبة الربا قد بدأت لأول مرة في عام 2016، وهي تبشّر بضعف الدولار الذي سيؤثر على العملات في جميع أنحاء العالم.
وكان رد فعل الصين على التعريفات التجارية المجحفة التي تفرضها أمريكا عليها هو السماح لليوان بالنزول إلى حد كبير، مما أثار قلق ترامب الذي اتهم الصين على الفور بأنها "تتلاعب بالعملات"، وبالإضافة إلى الاقتصادين الرئيسيين في العالم، فقد قام 20 مصرفاً مركزياً حول العالم بتخفيض نسبة الربا، وانضموا إلى عربة تخفيض قيمة عملاتهم، بما في ذلك الهند وتركيا والبرازيل، بينما تفكر منطقة اليورو في خفض نسبة الربا السلبية في أيلول/سبتمبر 2019م.
يشير التخفيف المفاجئ للسياسة النقدية إلى أن حرب العملات العالمية التي تلوح في الأفق، ستكون تداعياتها أسوأ من التخفيضات التنافسية التي حصلت في الثلاثينات من القرن الماضي. وهذا التطور له آثار خطيرة على وصفات صندوق النقد الدولي فيما يتعلق باقتصاد باكستان. فبموجب وصفات صندوق النقد الدولي، تم تخفيض قيمة الروبية بسرعة لزيادة الصادرات الباكستانية إلى الأسواق العالمية الرئيسية مثل أمريكا وبريطانيا وألمانيا والصين. وكان السبب وراء انخفاض قيمة الروبية هو زيادة الصادرات إلى الأسواق الرئيسية مقابل جني العملات الصعبة مثل الدولار والإسترليني واليورو واليوان، وعندها تستخدم حكومة خان هذه العملات الصعبة لسداد قروض الدائنين.
إنّ صادرات باكستان الرئيسية هي المنسوجات، والتي تبلغ قيمتها 4.1 مليار دولار أمريكي، وتمثّل 17.1٪ من إجمالي الصادرات، بحسب إحصائيات عام 2018. وإذا بدأت البلاد المنافسة لصادرات باكستان للأسواق الرئيسية بتخفيض عملاتها، فإن هذا سيفرض حتماً على باكستان تخفيض قيمة عملتها. والمنافسون الرئيسيون لباكستان في تجارة المنسوجات هم الهند وفيتنام وبنغلادش، وقد قامت كل من الهند وفيتنام بخفض نسبة الربا مؤخراً، مما يهدد من حصة باكستان من سوق المنسوجات العالمية. لذلك كان مصير صناعة النسيج الباكستانية على المحك بسبب حقيقة أن الروبية الضعيفة تزيد من تكلفة الإنتاج مثل الآلات والطاقة، وتكلفة الطاقة أعلى بنسبة 30٪ على الأقل منها في الهند وبنغلادش وفيتنام، مما يجعل المنسوجات الباكستانية أقل قدرة على المنافسة.
كانت حصة باكستان من سوق المنسوجات الأمريكية منذ عام 2017 أقل من فيتنام بنسبة 2٪، أي بنسبة 10.74٪ والهند 7٪ وبنغلادش 4.66٪، أي قبل حروب العملة، وكانت حكومة خان تأمل في زيادة حصتها في السوق الأمريكية عن طريق تخفيض قيمة الروبية. ولكن ليس أمام باكستان الآن خيار سوى تقوية عملتها أكثر، وليس مجرد الدفاع عن حصتها البالغة 2٪ من سوق المنسوجات الأمريكي. وبمعنى آخر، من غير المرجح أن يؤدي تخفيض قيمة العملة إلى توليد عملة صعبة إضافية كما يتصور صندوق النقد الدولي في المناخ الدولي الحالي.
وحال الروبية الضعيف وتكاليف الإنتاج العالية تضع حكومة خان في مأزق، ويتعين على باكستان تخفيض قيمة الروبية للحفاظ على حصتها في السوق، ولكن إذا زاد تخفيض قيمة العملة عن الحد المعقول، فإن خان سيواجه خطر تدمير صناعة الغزل والنسيج، وفقدان مصدر رئيسي من العملات الأجنبية، وسيواجه بطالة جماعية، وسيدفع البلاد إلى حالة خطيرة، نحو التخلف عن سداد ديون باكستان. إن تحقيق التوازن الاقتصادي بشكل صحيح ليس علماً اقتصادياً، بل هو سياسة مرهونة بمجموعة من الضغوط الداخلية والخارجية، وهذا ينطبق على صناعات التصدير الأخرى في باكستان، وهي مهددة بشكل خطير.
لقد أوجب الإسلام على الدولة أن تكون القاعدة الصناعية للبلد قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للناس، وأن تحمي أمنها الداخلي والخارجي. وهذا يعني أن يكون اقتصاد البلد موجها نحو سد الاستهلاك المحلي قبل النظر إلى الصادرات، وهذا يقلل من أزمات ميزان المدفوعات فلا يُلجئ الدولة إلى البحث عن قروض خارجية. وبالإضافة إلى ذلك، تتبنى الدولة العملة المدعومة بالذهب والفضة، مما يجعلها محصّنة من ضغوط التضخم والانكماش.
ولو أن خان وأسلافه من حكام باكستان اتبعوا هذه الأحكام الأساسية التي شرعها الإسلام، لما وجب على باكستان أن تقلق بشأن زيادة الصادرات لجني العملات الأجنبية من أجل سداد القروض الاستعمارية وسط حرب العملة العالمية.
بقلم: الأستاذ عبد المجيد بهاتي
رأيك في الموضوع