عقدت قمة منظمة شنغهاي للتعاون في بيشكيك يومي 13 و14 حزيران/يونيو. ونشرت وسائل الإعلام مجموعة واسعة من المعلومات حول هذا الموضوع بالتكييف مع مصالحهم. ونحن نود أن نلفت الانتباه إلى بعض الحقائق التي لم يتم الكشف عنها.
بادئ ذي بدء، فلنلق نظرة على مقترحات رؤساء الدول في القمة.
قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن الاقتصاد الإقليمي يجب أن يكون أكثر انفتاحاً وتسامحاً ومرونة مقارنة مع السابق.كما دعا إلى استمرار التجارة وجذب الاستثمار. ولفت النظر إلى تهيئة الظروف للاحتلال الاقتصادي الصيني.
وقال: "يجب علينا أن نؤيد "روح شنغهاي" كقيمة أساسية؛ لأنها لا بد أن تستجيب لروح الزمن والوضع المتغير الدولي". وأكد أن الصين يمكنها التأثير على الوضع الدولي من خلال قيادة منظمة شنغهاي للتعاون.
والرئيس الروسيفلاديمير بوتين حوَّل الكلمة إلى القضية الأمنية؛ لأن هدف روسيا من إنشاء منظمة شنغهاي للتعاون هو مقاومة التحركات الاستعمارية الأمريكية. ولذلك يحاول بوتين استعادة المنظمة لهذا الهدف.
وقال: "نحن نعتقد أنه من المهم اتخاذُ جميع الاحتياطات لتطوير التعاون في إطار مقاومة (الإرهاب) لمنظمة شنغهاي للتعاون وإيقافُ تمويل (الإرهاب) عبر تهريب المخدرات، ومنعُ وصول أسلحة الدمار الشامل الكيميائية والبيولوجية وغيرها إلى أيديهم".
وقد قصد الرئيس الروسي منها المواجهة ضد أمريكا التي تريد إيجاد عدم الاستقرار في المنطقة باستخدام بعض المنظمات. لأن "مجيّر الإرهاب" ومُستخدِم أسلحة الدمار الشامل ضد المدنيين هي أمريكا وروسيا نفسيهما، وقد شاهدنا هذا بِأَعيُنِنَا في العراق وسوريا.
وقال بوتين أيضاً: "إن روسيا ترحب بأمُورٍ تمت بالتعاون الوثيق مع الدول الأعضاء في المنظمة لمنع دعاية (الإرهاب) والتطرف عبر الإنترنت"، وأشار بقوله هذا أولا إلى الصراع العقدي مع الإسلام، وثانياً، إلى مواجهة التأثير الأمريكي على الإنترنت، كما أشار إلى أن روسيا دولة ذات شهرة عالمية. وحاول إظهار روسيا كأنها تحل مشاكل العالم، ومع ذلك أراد أن يلفت النظر إلى أن روسيا تستحق قيادة منظمة شنغهاي للتعاون. وقد تناول بوتين "النجاحات" التي أحرزتها روسيا في سوريا، وفي الواقع فإن روسيا دخلت سوريا بطلب من أمريكا. كما تناول بوتين القضية الإيرانية وفي الحقيقة أيضا أن حلها ليس في يد روسيا.
والرئيس الإيراني لم يأت إلى القمة ليطلب المساعدة من روسيا، بل أتى رجاء التخلص من الضغوط الاقتصادية الأمريكية ولا تستطيع روسيا مساعدة إيران في هذا الموضوع، لأن روسيا وإيران تعيشان بتصدير النفط والغاز. ولذلك إيران أتت رجاء من الصين في هذه المسألة.
قال بوتين: "نريد تركيز الاهتمام على تعميق العلاقات الاقتصادية المفيدة بين الدول الأعضاء". واقترح أيضاً إنشاء "منتدى" داخل منظمة شنغهاي للتعاون لتوسيع التجارة والاستثمار.
هذا يعني أن لدى روسيا اعترافا جبريا لاحتلال الصين الاقتصادي في المنطقة. وفي الواقع ليس لروسيا خيار سوى الاعتراف بذلك. لأن اعتماد روسيا من الناحية الاقتصادية على الصين يزداد. على سبيل المثال فإن الصين تحتل مركز الصدارة بالنسبة لروسيا في الميزان التجاري (الصادرات والواردات). وفي عام 2018 تجاوز حجم التجارة الثنائية 100 مليار دولار. وصادرات روسيا إلى الصين هي المنتجات المعدنية (76٪)، والمنتجات الخشبية والورقية (11٪). وواردات روسيا من الصين هي الآلات والمعدات ووسائل النقل (57٪) والمنسوجات والأحذية (11٪) والمنتجات الكيماوية (10٪). وقد وافقت هذه الدول على زيادة حجم التجارة إلى 200 مليار دولار في المنتدى الاقتصادي في بطرسبرغ. وهذا ما يُري أن روسيا تحتاج الصين اقتصاديا.
ويدل على ذلك تصريحُ بوتين: "نحن نعتقد أن مقارنة الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي مع البرنامج الصيني "مكان واحد، طريق واحد" واعِدةٌ في المستقبل".
وأما بالنسبة للقضايا التي اقترحها حكام البلاد الإسلامية فنرى أنهم يتبعون المستعمرين الكافرين في محاربتهم الإسلام ويتملقون الصين وروسيا للدفاع عن سيادتهم.
فقد قال الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف: "إن مشكلة (الإرهاب) لها شبكة عالمية والأمن السيبراني يتطلب المزيد من الجهود. إن إنشاء مركز لأمن المعلومات داخل منظمة شنغهاي للتعاون سوف يسهم إسهاماً كبيراً في حماية مساحة المعلومات للمنظمة". وقد دعم تصريحات بوتين حول هذه القضية وأَمَّلَ مَنْعَ شعب كازاخستان من الإسلام وحمايةَ السلطة من الهجوم الإعلامِيّ لأمريكا.
وقال رئيس أوزبيكستان شوكت ميرزياييف "إننا نعتبر برنامج الحزام الأخضر لمنظمة شنغهاي للتعاون في آسيا الوسطى قضية مهمة. والهدف من ذلك هو إدخال التقنيات الحديثة النظيفة بيئياً في بلداننا". وقال أيضاً "إننا نقترح توسيع التعاون بين رجال الأعمال في الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون".
كما اقترح ميرزياييف عقد المنتدى الاقتصادي الأول لمنظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند. وكل هذا من ترغيب الأهداف الاقتصادية للصين.
وقال الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمون: "من المهم مقاومة الجهود الرامية إلى القضاء على عدم الاستقرار في المنطقةمعا. وسلطات طاجيكستان مستعدة لتعزيز التعاون في مكافحة الأخطار والتحديات الجديدة في مجال الإعلام". كما أنه أظهر نفسه كأنه يطبع مع بوتين. وفي اليوم التالي وقعت 18 وثيقة مع الصين بعد القمة في دوشنبي.
لقد وصل الزعيم الصيني إلى قرغيزستان قبل يوم واحد من انعقاد القمة. وقدّم له رئيس قرغيزستان خيانته للمسلمين في تركستان الشرقية كهدية. حيث قال: "نحن نعتبر أن قضية (الأقليات) القومية في الصين هي مسألة داخلية للدولة". إن إدخالَ هذا النوع من المواقف في روع المسلمين خطِر جدا. لأن الصين إذا احتلت قرغيزستان غداً فلن يهتم المسلمون الآخرون بأنه شأن بين الصين وقرغيزستان.
وفي 13 حزيران/يونيو عُقد منتدى الأعمال القرغيزي الصيني، حيث وقعت فيه 24 وثيقة في مجال الموارد المعدنية سيما الذهب في قرغيزستان بقيمة 8 مليارات دولار.
من الواضح من كل الكلمات والأحداث خلال الزيارة والقمة أن السلطات القرغيزية قد فتحت الباب أمام الاحتلال الاقتصادي الصيني. وللأسف فهي تتفاخر بذلك!
خلال القمة، أكد جينبيكوف على أن هناك حاجة إلى تعزيز علاقات النقل واللوجستيات داخل المنظمة وقال: "نحن ندعم تسريع إنشاء مشروع السكة الحديدية بين الصين وقرغيزستان وأوزبيكستان".
أما بالنسبة للهند فقد أدخلتها أمريكا في منظمة شنغهاي لإحداث مشكلة. فقد قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في القمة: "إن الدول التي تساعدالإرهابيين وترعاهم يجب تسليمهم للعدالة" في إشارة إلى باكستان. وهذه هي الخطوة الأولى نحو إدخال المشكلة الهندية-الباكستانية في منظمة شنغهاي (من المتوقع أن الهند وباكستان تشكّلان مشاكل مشتركة في المنظمة). كما أن مودي أكّد بأن القضية الأفغانية لها أهمية خاصة في ضمان الأمن في المنطقة. وكان يشير إلى المشروع الأمريكي "تكامل آسيا الوسطى عبر أفغانستان إلى دول آسيوية أخرى". وعُقد منتدى الأعمال القرغيزي الهندي في 14 حزيران/يونيو ووقّعت حكومة مودي مع قرغيزستان 11 وثيقة وخصصت قرضاً لقرغيزستان بقيمة 200 مليون دولار.
الخلاصة:
من أهم الوثائق الموقعة في قمة منظمة شنغهاي للتعاون ما يلي:
- ترقيم الدول الأعضاء في المنظمة والموافقة على مفهوم التعاون في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. (إن روسيا شجعت هذه المبادرة من خلال قرغيزستان، كما أن فيها مصالح للصين).
- الموافقة على برنامج التعاون بين الأقاليم للدول الأعضاء في المنظمة (هذه هي المبادرة الصينية، التي تخدم القمع الاقتصادي الصيني).
كما رأينا بالفعل، فإن منظمة شنغهاي للتعاون تخدم فقط المصالح الاستعمارية. يمكن للمسلمين التخلص من هذا الاستعمار من خلال العودة إلى إسلامهم فقط. إن الكافرين المستعمرين وعملاءهم يدركون ذلك جيداً، ولذلك يحاربون الإسلام والمسلمين بذريعة محاربة (الإرهاب والتطرف).
بقلم: الأستاذ عبد الحكيم كاراهاني
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في قرغيزستان
رأيك في الموضوع