"يزداد شعور الفنزويليين الذين يواجهون أزمة اقتصادية غير مسبوقة، بتأثير العقوبات الأمريكية في سياق حياتهم اليومية من خلال تراجع المبيعات وارتفاع أسعار تذاكر الطائرات ونقص الوقود". هذا ما كتبته فرانس برس يوم 13/6/2019.
إن أمريكا تتبنى قانون الغاب؛ الحق فيه للأقوى! فترى نفسها أنها الأقوى فتريد أن تفعل ما تشاء وتفرض على الآخرين ما تريد. وعليه تشرع القانون في الدولة وفي الأمم المتحدة. ففي داخلها أصحاب رؤوس الأموال هم الأقوياء يشرعون القوانين لحسابهم، وفي مجلس الأمن هي الأقوى فتعمل على إصدار القرارات لحسابها، وتصدر العقوبات من مقاطعة وحصار على الدول الأخرى حتى تستسلم لها، كما فعلت مع العراق حتى احتلته عام 2003. وفعلت مع إيران حتى جعلتها توقع اتفاقاً عام 2015 على برنامجها النووي. فوصف الرئيس الإيراني روحاني يوم 23/6/2015"تلك العقوبات تسببت في مشاكل كثيرة في المجتمع الإيراني". وعندما فرضتها عليها مجددا سقطت عملتها وتسببت بمشاكل اقتصادية لتجعلها توقع على اتفاق جديد معها. وها هي تفعل مثل ذلك في فلسطين فتقطع المساعدات عن اللاجئين وتجعل كيان يهود يصادر أموال السلطة لتضيق الخناق على أهل فلسطين ليقبلوا بصفقة قرنها، وتقول لهم تخلّوا عن الأرض وعن السيادة واقبلوا بالاحتلال وأقروا باغتصاب يهود لفلسطين وعيشوا أغنياء في ذل ومهانة تحت تحكمهم وغطرستهم.
فأمريكا لا يهمها ما يعانيه الناس ولا يهمها مرضهم وجوعهم وموتهم فتقول استسلم لي حتى تعيش ولو ذليلا!
وفي فنزويلا عندما أرادت أن تملي سياستها عليها فرضت عليها عقوبات، فأعلن البيت الأبيض يوم 25/8/2017 أن "الرئيس ترامب وقع مرسوما ينص على فرض عقوبات مالية قاسية جديدة ضد النظام الديكتاتوري في فنزويلا" وادعى البيت الأبيض أن "الديكتاتور مادورو يواصل حرمان شعب البلاد من إمكانية الوصول إلى المواد الغذائية والطبية" فوصف وزير خارجية فنزويلا العقوبات بأنها "أسوأ عمل عدواني ضد بلاده منذ 200 سنة مضت"، وبدأت توسع عقوباتها هذه السنة بعد اعترافها بغوايدو رئيسا للبلاد لتشمل قطاعات النفط ومبيعات الذهب والخدمات الدفاعية والأمنية والتحويلات المالية حتى وضعت يدها على أموال فنزويلا في البنوك الأمريكية، فارتفعت الأسعار بشكل جنوني وتضاعفت نسب البطالة وفرّ الملايين إلى الخارج للبحث عن لقمة العيش.
ومن ثم تقوم أمريكا وتدعي أنها تريد أن ترسل مساعدات إنسانية من مواد غذائية وطبية لتصل إلى فنزويلا عن طريق كولومبيا في خداع ما بعده خداع! فهي تفرض العقوبات وتصادر الأموال وتجوع الناس وتضطرهم إلى الفرار، ومن ثم تقول إن النظام استبدادي يحرم الشعب ويجوعه! وذلك في عنجهية وغطرسة ومباهاة بالباطل الأرعن دون خجل ولا وجل. إذ إن كثيرا من الدول تدرك ذلك، ولكنه لا يهمها ما تفعله أمريكا ولا تعترض عليه إذا تماشى مع مصالحها أو يحقق لها قدرا ولو يسيرا من التزلف والمداهنة لأمريكا كما هو حال أوروبا. وأمريكا لا تهدف من وراء المساعدات إنقاذ الشعب الفنزويلي ومساعدته، بل تهدف إلى فرض سياستها، حتى إن مجلة "ذي أتلانتك" الأمريكية كتبت يوم 26/2/2019 تقر هذه الحقيقة ومراسلها يراقب وصول المساعدات إلى كولومبيا قائلا: "أمريكا تستغل هذا الوضع لكي تتدخل في فنزويلا بشكل غير مباشر من خلال تقديم المساعدات الإنسانية، لتحريض الشعب والجيش لإطاحة الرئيس مادورو". ويضيف: "إن كثيرين في أمريكا اللاتينية متشككون أيضا حيال النتيجة النهائية لأي تدخل أمريكي في الشؤون الإقليمية، إذ تملك واشنطن تاريخا حافلا ومزعجا من النتائج الكارثية الناجمة عن تدخلاتها، والأمثلة عديدة ضد الرئيس الاشتراكي أليندي في سبعينات القرن الماضي وقادت إلى حكم بينوشيه الوحشي 27 عاما، كذلك استخدمت برنامج المساعدات الإنسانية في نيكاراغوا في ثمانينات القرن الماضي لإخفاء عمليات إرسال أسلحة بقيمة 27 مليون دولار للجماعات اليمينية التي تقاتل الحكومة اليسارية الأمر الذي أدى إلى تأجيج الحرب الأهلية، وفي عام 1989 أسفر غزو القوات الأمريكية لبنما من أجل الإطاحة بنورييغا عن مقتل المئات من المدنيين".
هذا نزر يسير من سجل أمريكا الأسود في أمريكا اللاتينية، فالمساعدات الإنسانية هي ذريعة للتدخل عدا أنها قاتلة غير إنسانية، فتقوم وتفرض العقوبات والحصار حتى تحصل المعاناة، ومن ثم تأتي وتقول أريد إرسال مساعدات إنسانية فهي التي تسبب المشكلة وهي التي تريد أن تحلها حسبما يحقق مصالحها الاستعمارية. علما أنها بدأت حروبها الاستعمارية في تلك القارة بعد 44 عاما من إرساء قواعدها عام 1789 فغزت نيكاراغوا عام 1833 والبيرو عام 1835، والمكسيك فاقتطعت منها ولاية تكساس وكاليفورنيا ونيومكسيكو عام 1848، ونيكاراغوا مرة أخرى عام 1857 وأورغواي عام 1855 وقناة بنما، وتلتها بغزو كولومبيا عام 1873 وغزت كوبا واقتطعت منها خليج غوانتانامو عام 1898 الذي "تحتجز فيه مئات المسلمين في أسوأ ظروف وحشية وبريرية عرفها التاريخ". وتدخلت في هندوراس واقتطعت منها ست مدن عام 1907 وقامت بإنزال جوي عام 1914 في هايتي فسرقت كل الأموال في البنك المركزي ومن ثم احتلتها. وتدخلها مستمر حتى اليوم. فأمريكا دولة استعمارية همجية من الطراز الأول لا تقل عن أسلافها الإنجليز والأوروبيين.
إن أمريكا تهيمن على أمريكا اللاتينية، وأي اعتراض على سياستها يلقى منها عقوبات وتدخلات وإحداث ثورات وانقلابات. فجعلت القارة الجنوبية متأخرة مضطربة متناحرة تعيش في فوضى وفساد وفقر وجوع وأمراض. ولم تهتد هذه القارة إلى طريق التحرير والتخلص من ربقة الاستعمار الأمريكي. فليس لديها فكر ينهض بها وليست لديها حركات فكرية سياسية تعمل على نهضتها. فقامت فيها حركات يسارية تتبنى أفكارا اشتراكية ولكنها لم تتمكن من تغيير المجتمعات ولم تستطع أن تطبق أفكارها، فما إن تصل حركة إلى الحكم حتى تسقطها أمريكا أو تكون ترقيعية كحركة شافيز ووريثه مادورو في فنزويلا فلا تستطيع أن تطبق الأفكار الاشتراكية، فتطبق أجزاء منها مع بقاء النظام الرأسمالي فتكون ترقيعات اشتراكية في النظام، فذلك لا يحدث تغييرا ولا نهضة ولا يخلص البلاد من الاستعمار ومن هيمنة أمريكا.
إن شعوب أمريكا اللاتينية تتوق لمن يخلصها من براثن الاستعمار الأمريكي ومن مبدئه الرأسمالي الجائر، والجميع يعاني الأمرين من ذلك. والاشتراكية فاشلة في تحقيق ذلك. فما بقي غير الإسلام دين الله الذي أنقذ البشرية لقرون طويلة، إلى أن جاءت الرأسمالية ودولها الاستعمارية فعاثت في الأرض فسادا، فأهلكت الحرث والنسل. والإسلام لا يُرى إلا بدولة تحمل رسالته وتطبق نظامه العادل، وتلك هي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع