خرجت جموع كثيرة من المتظاهرين من أهل السودان إلى القيادة العامة لقوات الجيش السوداني يوم السبت 6 نيسان/أبريل 2019م، قدرت بالآلاف، حيث أغلقت تقريبا كل الطرق المؤدية إلى القيادة العامة، وقد أطلقت الشرطة والأجهزة الأمنية الغاز المسيل للدموع بكثافة، وهي تحاول إغلاق الكباري والطرق المؤدية إلى القيادة، والقيام بعمليات تفتيش واعتقال للشباب من على الطرقات، كل ذلك لم يمنع الشباب من الوصول إلى القيادة العامة للجيش، وقد نشر ناشطون فيديوهات مباشرة على موقع الفيس بوك تنقل اقتحام قوات أمنية المتظاهرين المعتصمين أمام القيادة العامة في الساعة الثالثة فجراً، مستخدمة الرصاص الحي، ونقل ناشطون أن هذه القوات تتبع للأجهزة الأمنية، وتم قتل عدد من المتظاهرين وسقوط عدد من الجرحى جراء هذا الاقتحام، أسال الله الرحمة للقتلى، والشفاء العاجل للجرحى وإطلاق سراح المعتقلين.
أما الحكومة فقد ظلت ساكنة ولم تقدم جديداً، ولم تعطِ حلولاً للمشاكل الموجودة فالناس ما زالوا صفوفاً لأخذ الرغيف، وأمام البنوك والصرافات للحصول على أموالهم، وأمام محطات الوقود مع ندرة في البنزين، وارتفاع واضح في أسعار كثير من السلع مثل السكر والدقيق...إلخ. وقد كان خطاب الحكومة ضعيفاً ليلة الاعتصام، حيث نشرت صحف يوم الأحد 7/4/2019م بالخطوط العريضة: وزير الإعلام والناطق الرسمي للحكومة (يشيد بتعامل القوات النظامية مع المتظاهرين أمام القيادة).
إن هذا الوضع يشير إلى أن الحكومة عاجزة تماماً عن تقديم معالجات، وحلول، وهذا اعتراف واضح بالفشل والعجز.
ومع هذا الواقع فإن المرء يتساءل إلى أين تسير الأوضاع؟ وما الذي يجعل الشباب يصبر ويثبت على مواجهة الرصاص بالصدور العارية، حتما إن هذا الواقع التعيس صنع حالة الإحباط بسبب الحالة المزرية التي يعيشها أهل السودان من فساد في منظومة الحكم، وغياب المعالجات السياسية والتشريعية، وضيق اقتصادي وغلاء في الأسعار، وصفوف للحصول على كثير من الاحتياجات، مع المحسوبية والواسطة التي تفشت في البلاد، مع العطالة وعدم وجود فرص عمل للشباب، وتدخل الكافر المستعمر في شؤون الحياة السياسية والاقتصادية، هذا مع الثروات والخيرات التي يتمتع بها السودان. لذا كان لا بد من التغيير الحقيقي لهذا الواقع الفاسد، والإسلام هو الضمانة الوحيدة للخروج من هذا الواقع المرير، فإن الإسلام يمتلك تشريعاً واضحاً يحقق العدل والأمن والاستقرار للناس، حيث وضع قواعد واضحة في أمر الحكم والسياسة تمنع من الانحراف والاستبداد السياسي وهي:
1) السيادة للشرع لا للشعب.
2) السلطان للأمة، فهي التي تختار حاكمها.
3) نصب خليفة واحد فرض على المسلمين.
4) للخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية
وأوجب الإسلام على الحاكم أن يحكم بالإسلام فقط، قال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾.
وبيّن الإسلام أن التشريع الإسلامي كاملٌ لا يحتاج إلى إضافة من أحد كائناً من كان، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾. وقال سبحانه: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾.
وبيَّن الله تعالى أن هذه الشريعة واجبة الاتباع والتنفيذ، وأنها بصائر ورحمة لمن يطبقها، قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ * هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ﴾.
ونظر الإسلام إلى أي حكمٍ غير حكم الله تعالى باعتباره جاهلية: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾. وجعل الإسلام العدل نتيجة طبيعية لتطبيق الأحكام الشرعية في الدولة والمجتمع.
وجعل الإسلام الحاكم الذي يحكم بغير الإسلام إما كافراً أو ظالماً أو فاسقاً، قال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿... فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿... فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. وأوجب الإسلام وحدة القيادة السياسية للأمة فحرَّم أن يكون للمسلمين أكثر من حاكم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا» أخرجه مسلم. وقال e: «مَنْ بَايَعَ إِمَاماً فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ»، كناية عن حرمة تفرق المسلمين وتمزيق بلادهم.
ومن كل ما سبق يتضح أن الإسلام نظام متكامل للحياة يقدم الحلول والمعالجات للمشاكل التي يعيشها أهل السودان، بل كل العالم، لذلك يجب أن يعلم الثوار المتظاهرون أن سارقي الثورات كثيرون، فلا بد أن يكونوا واعين على أن هذا التغيير القادم لا بد أن يكون تغييراً جذريا يزيل كل النظام مع إرث المستعمر من جمهورية وديمقراطية، وهذا التغيير يجب أن يستهدف إيصال الإسلام إلى سُدة الحكم بإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، لا دولة ديمقراطية ولا دولة مدنية علمانية، إنما دولة تكون السيادة فيها لشرع الله تعالى والسلطان للأمة بأن تختار من يحكمها إذا تحققت فيه شروط الخلافة عن طريق البيعة الشرعية تحقيقاً للحكم الشرعي وتنفيذاً لأمر النبي عليه الصلاة والسلام القائل: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» رواه مسلم، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. والبيعة شرعاً لا تكون إلا لخليفة المسلمين، فبنظام الخلافة تتحقق به للأمة كل الخيرات والبركات من الاستخلاف في الأرض، وتمكين الدين وإبدال الخوف أمنا، وفوق ذلك كله عبادة الله عز وجل وتوحيده بإقامة حكمه وتطبيق شرعه، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾.
نسأل الله تعالى أن يعجل لأمة الإسلام بالفتح والنصر القريب بأن يكرمنا بخلافة راشدة على منهاج النبوة تعز الإسلام وأهله وتذل الكفر وأهله، وتطبق شرع الله المتين، فتوحد المسلمين، وتنتصر للمستضعفين في كل مكان، اللهم اجعل ذلك اليوم قريباً يا رب العالمين.
بقلم: الأستاذ محمد جامع (أبو أيمن)
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع