أشرفت ثورة الشام على إتمام عامها الثامن، ولم تحقق أهدافها؛ ولم تتمكن بعد من إعلان انتصارها، ولا زالت تخشى من تآمر العالم عليها.
لم تعد أهداف الثورة موضع نقاش وجدال؛ بل صارت ثوابت يعرفها الصغير والكبير؛ ويعلمها العدو قبل الصديق، فإسقاط النظام المجرم بكافة أركانه ورموزه وإقامة حكم الإسلام خلافة على منهاج النبوة كما وعد الله وبشر نبيه e، فهذه أهداف ثورة الأمة في الشام.
بالتأكيد لا يمكن إقامة حكم الإسلام قبل إسقاط النظام المجرم؛ فهذه حقيقة أولى يعي عليها أهل الشام، فعدم انشغالهم بكيفية إقامة الخلافة لا يعني إلا شيئا واحدا عندهم وهو التركيز على الخطوة الأولى لاجتيازها للخطوة الثانية.
غير أن أهل الشام الذين انتزعوا قرارهم بثورتهم؛ وخرجوا في وجه عدوهم يتحدون قوته؛ يعلنون أنهم استعادوا سلطانهم، وهم عازمون على إسقاط النظام المجرم وإقامة حكم الإسلام؛ شاهدوا بعين الرضا الفصائل تتصدر الثورة وتتولى قرارها، ولحبهم للفصائل وتقديرهم لجهاد عناصرها؛ ترك أهل الشام لها الحبل على الغارب، فاحتكرت الفصائل القرار واستبدت به ثم لاحقا أعادت اغتصاب قرار أهل الشام.
والحقيقة الثانية أن قيادات الفصائل (وهي المنوط بها تحقيق الخطوة الأولى) قد فشلت فشلا ذريعا في قيادة الثورة لإيصالها لإسقاط النظام المجرم، وهذا الفشل لم يكن بسبب غياب القدرة عند فصائلها؛ بل أهل الشام لم يبخلوا بشيء على الفصائل؛ فهم من حبهم للثورة قدموا لها أبناءهم وأموالهم ودورهم وقرارهم، بل لم يكترث أهل الشام بدمار ولا بتهجير ولا بفقر ولا بتشريد؛ بل قدموا كل ما لديهم للثورة؛ وجعلوه في يد قيادات الفصائل التي أساءت استخدام إمكانات الثورة؛ وضيعت الأمانة وأهدرت الطاقات وفرطت بالمسؤوليات ولم ترع الثقة التي وضعت فيها.
والحقيقة الثالثة أن قيادات الفصائل لم تحمل يوما مشروع الأمة؛ ولا همّ الثورة، وإنما حملت همها ومصالحها، فتركيبة الفصائل تشبه إلى حد بعيد تركيبة الأنظمة العربية؛ من حيث إنها لا تملك بناء تقوم هيكليته على أفكار محددة تجعل قرارها باتجاه تحقيق الأهداف التي وجدت لأجلها، وإنما قرار الفصيل هو قرار قائده وبعض من بطانته كحال الحكام؛ وهو يتركز على مصالح القادة الشخصية بعيدا عن مصالح وأهداف الأمة.
وهذا الأمر هو الذي سهل على الدول الداعمة استمالة قادة الفصائل بتحقيق مصالحهم الشخصية؛ لتمسك عليهم أوراقا تضغط بها عند اللزوم كي تجعلهم يسيرون في ركاب مصالحها، فالمجرم بشار كان يتطلع للرحيل منذ الأيام الأولى للثورة؛ ولكن أمريكا لم تربِّه عميلا لينجو بنفسه بل ليحقق مصالحها.
لقد غرقت قيادات الفصائل في مستنقعات الدعم ووحول التمويل وفخاخ الارتباطات، فلم تعد صاحبة قرار؛ بل صارت تنفذ ما يطلب منها؛ وأما ما يطلب منها فهو يقرَّر في مؤتمرات دولية جنيف وأستانة وسوتشي، لقد غدرت قيادات الفصائل بثورة الشام؛ وأسلمت أهلها لمكر الدول تساوم عليهم.
الحقيقة الرابعة أن أهل الشام كانوا يتحاشون أن يروا ثورتهم في مواجهة دول العالم؛ وهم غير مستعدين بعد لمثل هذه المواجهة، لكن الحقيقة أن ثورة الشام طوال ثماني سنين كانت في قلب المواجهة مع دول العالم؛ من أمريكا وروسيا والأمم المتحدة؛ إلى دول الجوار ودول الخليج وإيران وحتى تركيا التي لا تزال تتظاهر بلبوس الحمل الوديع.
والحقيقة الخامسة أن أهل الشام صمدوا وصبروا وثبتوا على ثورتهم فهم لا يزالون يحتضنونها ولا يستبدلون بها غيرها؛ ولكن قيادات الفصائل هي التي اغتصبت قرار الثورة، فينبغي عليهم إن كان عندهم قليل الخوف من الله وقليل حس بالمسؤولية أن يتوقفوا عن اغتصاب قرار الثورة ويتنحوا جانبا، أو يعدوا العدة للجهاد فهذا عملهم ولهذا وجدوا ولهذا لا زال أهل الشام يتحملونهم.
والحقيقة السادسة أن الثورات بالرغم من كونها مكلفة على الأمة؛ إلا أن الأمة رأتها السبيل الوحيد للخلاص من أنظمة الحكم الجبري، ولأن الأمة تدين لربها بدين الإسلام فهي مستعدة للتضحية في سبيله بلا حدود وهي راضية بذلك؛ بل وتتقرب إلى الله به، لكن ولأن الأنظمة المجرمة أحكمت قبضتها الأمنية على القوة الرئيسية في البلاد وهي الجيش؛ لذلك كانت الأمة تشعر بعجزها عن هدم الأنظمة الحاكمة، فلما ولجت طريق الثورات سارت فيها بقوة واندفاع فاسترجعت قرارها المسلوب ولم تكترث كثيراً لحجم التضحيات فهي أمة التضحيات.
والحقيقة السابعة أن دول العالم شعرت بالرعب لما شاهدت الأمة تنتزع قرارها في ثوراتها، فأخذت تدعم قيادات الفصائل حتى تمكنت من جعلها تغتصب قرار أهل الثورة؛ ولتعود الأمة ثانية مسلوبة القرار، فهي اليوم تشاهد الفصائل تصول وتجول تقرر عن أهل الشام كيف تشاء، فاقترفت الاقتتالات وسفكت الدم الحرام وسلمت البلدان وهي اليوم تسعى لتسليم الطرقات وما خفي أعظم.
والحقيقة الثامنة أنه وإن كانت الثورة انحسرت شكلاً في المحرَّر؛ إلا أن في المحرر ملايين المسلمين وهم حاضنة الثورة ولا يرضون بغير إسقاط النظام المجرم وإقامة حكم الإسلام، حاضنة تدربت على الحروب؛ ومارست التهجير وتحملت الحر والقر وشظف العيش، رضيت بالقليل وتأقلمت مع ظروف المخيمات الصعبة، لم تبدل ولم تغير؛ أغلب أهلها من الرجال والشبان، تطمع أعظم الدول أن يكون لديها مثل هذه التركيبة السكانية، نعم فالثورة اليوم لا تزال تمتلك كل الإمكانيات لتنتصر على أعدائها، ولا تزال تملك الإرادة للوصول إلى أهدافها... ولكن ماذا تحتاج الثورة لتنتصر؟
ما تحتاجه الثورة لتنتصر نستعرضه بالنقاط التالية:
1- أن يتكتل المخلصون من المجاهدين الصادقين فيما بينهم على ثوابت الثورة، يحصل هذا في كل بلد ثم في كل منطقة.
2- أن يتكتل القادة المخلصون مع بعضهم ليكونوا القيادة العسكرية التي تقود تكتل المجاهدين.
3- أن يتكتل الوجهاء الثوريون والمؤثرون من الثوار مع بعضهم على ثوابت الثورة في كل بلد ثم يتلاقوا في مناطقهم ليكونوا القيادات الشعبية التي تقود الحاضنة.
4- أن يتوجه الوجهاء الثوريون إلى حواضنهم ليكتلوها حولهم على ثوابت الثورة، ويقودوها لاحتضان تكتل المخلصين المجاهدين.
5- إذا حصلت هذه التكتلات في حاضنة الثورة يكون قد حصل البناء المطلوب في الأمة.
6- أن يقوم تكتل الوجهاء بالطلب من حزب التحرير كي يدلهم كيف يسيرون بأهلهم ليصلوا إلى أهدافهم؛ إسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام، وهذا يعني أن يتخذوا حزب التحرير قيادة سياسية للثورة؛ يسير بهم على مشروع الخلافة الراشدة برؤية وبصيرة ويجنبهم مطبات الدول وشراكها.
هذه حقائق عن ثورة الشام أنها قادرة على أن تنتصر بمقدراتها لو تكتلت على ثوابت ثورتها؛ وسارت بتوفيق ربها مؤمنة به مستجيبة لأمره، فالنصر من عنده وهو وعد به، فقال الله سبحانه: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾.
بقلم: الأستاذ أحمد عبد الوهاب
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع