إن هذه الدعوات التي نسمعها الآن عن تعديل الدستور ليسمح للسيسي بالبقاء والترشح لمدد قادمة، ليست جديدة فقد سمعناها سابقا؛ فقد سمعنا من يطالب بوضع مادة في الدستور تسمح له بالبقاء في حكم مصر مدى الحياة، والآن تتصاعد الوتيرة وتدخل حيز العمل استباقا للانتخابات القادمة فتوضع جميع الترتيبات التي تبقي الوضع ليس في يد النظام وحسب بل في يد شخص السيسي الذي يخشى قطعا خروجه من السلطة فيتلقفها منافسوه وتنتهي سطوته وسلطانه ويصير كغيره ممن تركوا السلطة بلا قوة تحميه ويتم التعامل معه كما فعل هو مع سامي عنان وغيره مثلا.
رغم أننا لا تعنينا مدة الرئاسة سواء أربعا أو ستا أو حتى مدى الحياة إلا أننا نعلق هنا على ثلاثة أمور:
الأول أن السيسي نفسه هو وأبواقه الإعلامية هم من وصفوا سابقيهم من الإخوان أنهم يطمعون في الحكم مدى الحياة، وعلق السيسي على ذلك قائلا بأنهم (عايزين ياخدوا السلم معاهم فوق) هكذا بالحرف، فأين هو السلم الآن، وهل يستطيع أحد الاقتراب منه مهما بلغت قوته وسلطته في الدولة؟
الأمر الثاني وهو كون هذا الدستور من وضع البشر بكل ما فيه، يقبل الترقيع والتعديل حتى يصبح كما يريد الحكام، ويمنحهم وبطانتهم الحصانة من العقاب وحتى المساءلة، ويستطيعون وضع المواد التي يخدعون بها الشعوب تارة ويكبلونها تارة أخرى، وقد رأينا على مدار السنوات مواد تُستحدث في الدستور والقانون تعطي الحصانة لأشخاص متنفذين في النظام تارة وقوانين تُسن تارة أخرى لتكميم أفواه كل من يعارض قرارات النظام الظالمة، هذا كله ممكن الحدوث فقط في الدساتير الوضعية التي يصوغها البشر بعقولهم العاجزة الناقصة.
والأمر الثالث هو مدة الرئاسة أو الحكم والتي لا يعنينا طولها وقصرها، بل نقول إن الإشكالية الحقيقية ليست في مدة الرئاسة ولكن في النظام الرأسمالي الذي يحكم البلاد والذي هو أصل البلاء الذي تعيشه الكنانة على الحقيقة، ومن غير المتوقع أن ترى مصر أي صلاح أو إصلاح في ظله ولو حكم به من حكم ولو بقي في السلطة ما بقي، فالمشكلة ليست في مدة الحكم بل في النظام الذي سيطبقه الحاكم ومدى قدرته على النهوض بالبلاد من كبوتها، وهذا غير ممكن بغير الإسلام في دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة والتي ليس فيها مدة محددة للحاكم طالما هو قائم بواجباته الشرعية مطبقا للإسلام على الرعية، ولكن إذا خالف الشرع أو أظهر من الكفر البواح ما يوجب خلعه فلا يبقى في الحكم ليلة واحدة بل يخلع ويبايع غيره ليقوم بتطبيق الإسلام بشكله الصحيح.
يا أهل الكنانة! ما يريده حاكم مصر ليس مجرد البقاء في الحكم وإنما البقاء في الحكم خادما للسادة في البيت الأبيض، راعيا لمصالحهم في بلادكم، حارسا أمينا لما ينهبون من ثروتكم جهارا نهارا دون أي بادرة اعتراض منكم، ولو تطلب ذلك أن تدوسكم المجنزرات ويقتلكم الرصاص الذي تدفعون ثمنه من أقواتكم، وقد رأيتم ما فعل ويفعل النظام مع المعارضين والمنافسين له في حكم البلاد.
يا أهل الكنانة! إن المشكلة الحقيقية ليست في تعديل الدستور وتفصيله ليُلبس الحاكم وإنما في هذا الدستور من أصله ومنشئه ولكونه دستورا وضعه البشر حتى لو كانوا مسلمين، فدستوركم يجب أن يكون مصدره وحي الله المنزل على نبيه e، أي مصدره الكتاب والسنة وأساسه وأساس الدولة يجب أن يكون عقيدتكم الإسلامية التي تعتقدونها وتؤمنون بها.
يا أهل الكنانة! إن شخص الحاكم ومدة حكمه لم تكن مشكلة على مدار التاريخ وإنما المشكلة الحقيقية في النظام الذي يحكم به؛ فعمر بن الخطاب حكم ما يقارب العشر سنين ملأ فيهم الأرض عدلا، وعمر بن عبد العزيز حكم ما يزيد عن العامين بقليل بلغ عدله منتهاه حتى طال الطير والشجر والحجر، ولا يصلح لكم ولا يصلح حالكم إلا ما حكم به العُمَران؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة، تحكم الناس بالإسلام الذي لا تستوي إساءة تطبيقه مهما بلغت مع إحسان تطبيق الرأسمالية فتطبيق الإسلام هو العدل المحض وتطبيق الرأسمالية ظلم مهما أحسنوا تطبيقها، فأصل دائها فيها وفي نفعيتها المقيتة المنتنة، فطالبوا يا أهل الكنانة بما فيه صلاحكم وصلاح بلادكم، طالبوا من يحكم إما أن يحكمكم بالإسلام وإلا فليرحل وليترك الحكم لمن يحكمكم بالإسلام كاملا شاملا غير منقوص في دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
أيها الضباط والجنود في جيش الكنانة! إن ما تعانيه مصر ليس بعيدا عن أعينكم وما ينهب من ثرواتها ليس خافيا عليكم، وإنكم مسئولون أمام الله عز وجل عن كل ما ينتهك من حرمات وما يضيع من ثروات، فجهزوا أنفسكم لسؤال الله عز وجل، انفضوا عنكم ثوب الخنوع الذي ألبسه لكم الحكام الخونة واقطعوا حبالهم من أعناقكم وصلوها بالله عز وجل والمخلصين العاملين لتطبيق شرعه وإقامة دولته، حينها يربح بيعكم وتفوزوا بمنزلة الأنصار الذين نصروا الله ورسوله وأقاموا مع النبي دولته الأولى، فافعلوا عسى الله أن يكتب الخير بكم فتكون الدولة التي تعز دينكم وترضي عنكم ربكم خلافة راشدة على منهاج النبوة، اللهم عاجلا غير آجل، اللهم اجعلنا من جنودها وشهودها... اللهم آمين.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
بقلم: الأستاذ عبد الله عبد الرحمن
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع