أعلن غوايدو رئيس البرلمان الفنزويلي نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد وأقسم اليمين أمام حشد من أنصاره يوم 23/1/2019! بينما اعتبر الجيش ذلك انقلابا على المؤسسات والديمقراطية والدستور وأعلن تأييده للرئيس مادورو. وكذلك أعلنت المحكمة العليا مثل ذلك. بينما أعلنت أمريكا على لسان رئيسها ترامب اعترافها بغوايدو رئيسا لفنزويلا وطالب وزير خارجيتها بومبيو بحماية غوايدو وعين مبعوثا خاصا للشؤون الفنزويلية ليقوم بالاتصالات هناك،وتقدمت إلى مجلس الأمن يوم 26/1/2019 لتتخذ قرارا دوليا يدعم اعترافها ولكن روسيا والصين رفضتا بحث الموضوع واعتبرتا ذلك اغتصابا للسلطة وتدخلا خارجيا. وأعلن مادورو قطع علاقات بلاده الدبلوماسية مع أمريكا.. واعترفت 11 دولة في المنطقة بغوايدو وهنأه رئيس منظمة الدول الأمريكية وكذلك بريطانيا. بينما أنذرت أوروبا أنه إذا لم تجر انتخابات خلال ثمانية أيام فإنها ستعترف بغوايدو. وحذرت الأمم المتحدة من تفاقم الوضع وخروجه عن السيطرة وإجراء محادثات فورية لنزع فتيل الأجواء الحارقة المتزايدة.
كل ذلك سبب حدوث فوضى في فنزويلا، وانقسامات داخلية وتدخلاً خارجياً خاصة من أمريكا صاحبة الهيمنة في أمريكا اللاتينية والتي تعتبرها حديقتها الخلفية، علما أن أمريكا أكبر مستورد للنفط الفنزويلي بنسبة 39% وإذا فرضت عقوبات على صادراتها النفطية سيكون له تداعيات كارثية على فنزويلا، إلا أن آثارها السلبية ستنعكس على أمريكا نفسها إذ سترتفع الأسعار فيها، فلا تفعله إذن. وقد فرضت عليها بعض العقوبات منها عدم شراء الذهب الفنزويلي. ويعتمد اقتصاد فنزويلا على عائدات النفط بنسبة 90% وكانت تعيش في وضع جيد عندما وصل سعر البرميل 100 دولار وكانت الخاسر الأكبر عند هبوطه وانهارت عملتها وزاد التضخم إلى 147000%. وأضحت أسعار السلع باهظة جدا، ولهذا سيطرت المعارضة على 65% في الانتخابات البرلمانية مما جعل الحزب الحاكم في ورطة حقيقية، وهاجر أكثر من 3 ملايين فنزويلي حسب تقارير الأمم المتحدة. فاقتصادها هش إلى أبعد الحدود وواقع تحت تسلط أمريكا.
مادورو استلم الحكم بعد موت سلفه شافيز عام 2013 وأعيد انتخابه يوم 20/5/2018 واتهمته واشنطن بتزوير الانتخابات. وجرت له محاولة اغتيال يوم 5/8/2018 ومحاولة تمرد داخل الجيش. وهو يتبع سياسة شافيز بمحاولة إزالة الهيمنة الأمريكية أو تخفيفها عن فنزويلا، علما أن أمريكا اللاتينية كلها واقعة تحت النفوذ الأمريكي الذي يحول دون تحررها. وقد دبرت انقلابا ضد شافيز عام 2002، إلا أنه تمكن من الرجوع إلى السلطة. وأسقطت رئيس هايتي المنتخب أرستيد عام 2004. فأمريكا اعتمدت سياسة الانقلابات في أمريكا اللاتينية لتبقيها تحت نفوذها بجانب التدخل العسكري المباشر حيث تدخلت في العديد من دولها واحتلت نصف المكسيك وضمتها إليها. وقد اعتبرت أمريكا اللاتينية منطقة نفوذ لها منذ مبدأ مونرو عام 1823 الذي حذر أوروبا من أن أي تدخل فيها يعتبر تدخلا ضد أمريكا نفسها. فصارت الأعمال السياسية في المنطقة حكرا على أمريكا وتدخلاتها، فتأتي بمن تشاء وتسقط من تشاء حتى لا يخرج أحد عن طاعتها. فأصبحت مفضوحة ومكروهة لدى هذه الشعوب.
ولهذا حاولت أمريكا على عهد أوباما أن تتصالح مع هذه الشعوب وتحسن صورتها لديها فأعادت العلاقات مع فنزويلا، ولاحقا مع كوبا. وقام نائب الرئيس بايدن بزيارة العديد من دولها، فقال وهو في زيارته لتشيلي يوم 28/3/2009: "انتهى الزمن الذي تأمر فيه الولايات المتحدة، إنها تريد تعاونا وإجراء حوار مع أمريكا اللاتينية". وقد أرادت توقيع اتفاقية لإقامة منطقة تجارية حرة بين الأمريكيتين على عهد بوش الابن في قمة الأمريكيتين التي عقدت في ميامي بأمريكا عام 2003 ففشلت. وقد وصفها يومئذ تشافيز بأنها أداة للاستعمار، واتهم أمريكا بأنها تجبر الدول الأمريكية على توقيع اتفاقية إقامة منطقة تجارية حرة بين الأمريكيتين. وانتهت تلك القمة دون إحراز أي تقدم وتجمدت العلاقات بين الأمريكيتين. ولم تستطع أمريكا مرة أخرى أن تقنع دول أمريكا اللاتينية بعقد مثل هذه الاتفاقية بين الطرفين، حيث حاولت مرة أخرى في قمة الأمريكيتين التي عقدت في الأرجنتين عام 2005 ففشلت. فمن أهداف أمريكا في القارة الجنوبية جعلها منطقة تجارية حرة لتواصل نهب خيراتها برضاها تحت مسمى اتفاقية ولتصرف منتوجاتها فيها، ولتبقيها فقيرة وتحت تسلطها تتحكم فيها كما نجحت في ذلك مع المكسيك، وتحول دون انعتاقها من ربقة استعمارها. وحاولت إدارة أوباما فرض ذلك بتغيير الأسلوب والاسم بدعوتها إلى إقامة "شراكة متكافئة". وعندما جاء ترامب بدأ باستخدام أسلوبه الهمجي بأن يفرض سياسة أمريكا الاستعمارية عليها بصورة علنية وفظة فيتدخل في كل دولة ويهين حكامها ولو كانوا أتباعا مثلما أهان حكام المكسيك والسعودية وتركيا، وأعلن حربه على مادورو.
وقال مادورو "إنه ليس ضد أمريكا ولكنه ضد الاستعمار، وإنه لم يقطع العلاقات مع الشعب الأمريكي بل مع حكومة ترامب، وإنه مستعد لبيع البطاطا والنفط والبصل والدجاج لأمريكا". علما أنه قال عقب تأديته اليمين ليبدأ ولايته الثانية يوم 10/1/2019: "لقد ظهر عالم جديد يرفض أن تتحكم فيه النظم الاستعمارية المهيمنة بدولة واحدة أو ببلدان تدور في فلكها". فواقعه الآن حرج حيث الضغوط عليه من الداخل والخارج رغم تأييد الجيش له حتى الآن. وتأييد روسيا والصين ليس مؤثرا في داخل فنزويلا. فأمريكا هي المؤثرة فيها، وهي الآن تهدد بالتدخل حيث قال رئيسها ترامب: "كل الخيارات مطروحة"، ودول أوروبا ليس لها وجود هناك، وهي دول استعمارية حاولت اتخاذ موقف مغاير فأعلنت أنها ستعترف بغوادرو إذا لم تجرِ انتخابات خلال ثمانية أيام. واستعد مادورو للحوار مع المعارضة ومع أمريكا وهو يدرك قوة تأثيرها. وليس من المستبعد أن تجري انتخابات جديدة.
وتعنينا فنزويلا وأمريكا اللاتينية بأن شعوبها تعاني الفقر والتخلف وتعيش في شقاء وضلال، وهي واقعة تحت ربقة الاستعمار الأمريكي وتريد أن تتخلص منه فلا تستطيع، وأنظمتها فاسدة، وليس لديها فكر ينقذها. فصار حتما علينا ونحن خير أمة أخرجت للناس أن نقوم لنخلص هذه الشعوب والبشرية جمعاء من الاستعمار وهيمنة دوله وتسلطها على الشعوب الضعيفة ونخلصها من أنظمتها الظالمة الخاضعة للمستعمر، وقد حان وقت سقوط أمريكا، ولقد أصبحت مفضوحة ومكروهة لدى شعوب العالم. وهذا لن يتحقق إلا بنا، ونحن نحمل المبدأ الحق المخلص، فحق علينا أن نسرع الخطا لنقيم دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؛ لنخرج تلك الشعوب والبشرية جمعاء من جور الاستعمار إلى عدل الإسلام.
رأيك في الموضوع