فرق كبير بين ما يريده الإسلام من أهل مصر وما يحققه لهم، وبين ما تريده الرأسمالية والغرب الذي يحملها، وهذا توضحه بشكل جلي قرون طوال كانت مصر فيها تحت حكم الإسلام لم نسمع فيها عن أزمات تذكر إلا من أبواق الغرب المضبوعين الذين استقوا معلوماتهم عن تاريخ بلادنا من أفواه أساتذتهم من المستشرقين الحاقدين... إلا أن المدقق يرى ويدرك أن الإسلام وحده هو الذي أصلح حال أهل الكنانة وأنهم ما انحدر بهم الحال إلا بعد غيابه وغياب أحكامه وتحول إلى الرأسمالية التي أفسدت البلاد والعباد وأذاقت أهل مصر الويلات...
مصر فعليا خارج إطار الدولة الإسلامية من بداية حكم محمد علي، وإن بقيت شكلا تابعة للدولة العثمانية دولة الإسلام حينها، إلا أنها كانت تخضع لنفوذ فرنسا ثم لنفوذ بريطانيا وأخيرا لنفوذ أمريكا، وهذا لا يجعل فترة الملكية التي سبقت ثورة يوليو بما فيها من فساد شاهدا على حكم الإسلام رغم تطبيق الإسلام ولو بشكل جزئي ورغم أن فساد هؤلاء الملوك لا يقارن بفساد عسكر أمريكا الأحرار ورأسماليتهم المتوحشة، تلك التي كانت كارثة على أهل مصر بالشكل الذي جعل البعض يقول ليت يوم 23 تموز/يوليو لم تطلع له شمس!
وظل الحال بعد الثورة ينحدر من سيئ إلى أسوأ، لا يأتي يوم أفضل من سابقه على أهل مصر بعد حكم الرأسمالية بشكلها الصريح مع النظام الجمهوري الذي أتى به عبد الناصر وزمرته، فبعد أن كان للجنيه المصري غطاء ذهبي وكان الجنيه الذهبي يساوي 97 قرشاً تقريبا، انتهى ارتباط الجنيه بالذهب وتغير الحال حتى وصل الجنيه الذهبي الآن إلى ما يزيد على الـ5000 جنيه مصري، رغم اكتشاف البترول والغاز وتأميم قناة السويس ووجود الذهب وغيره من المعادن والثروات!! مما يعني أن دخل الدولة قد زاد باطراد عما كانت عليه أيام الملك الفاسد الذي ثاروا عليه حسب زعمهم، رغم علمنا طبعا أنها لم تكن إلا ثورة لتغيير النفوذ لصالح سيد جديد، فخرجت بريطانيا ودخلت أمريكا ولم يتبدل الحال، فأصل المشكلة التي تواجه مصر وتمنع الإصلاح فيها ليس في الموارد؛ فمصر على مدار تاريخها من أغنى دول العالم بحدودها القطرية فقط (حدود سايكس بيكو المزعومة) وبما تملكه فيها من ثروات، بل ربما ما تم اكتشافه الآن يفوق ما اكتُشف فيها على مدار التاريخ، ويكفينا أن مصر بزراعة القمح فقط أطعمت الدنيا كلها واستغنت عنها كما يشهد القرآن أيام نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، فالشاهد هنا وفي قصة يوسف عليه السلام هو من يدير الثروات وكيف يديرها؟ فنبي الله يوسف كان يديرها بوحي الله الذي علمه كيف يدخر الثمار حتى تبقى سنوات دون تلف... والآن كل محاولات لإصلاح مصر لا تتخذ وحي الله على نبيه e قاعدة وأساسا هي محاولات فاشلة حتى وإن كانت صادقة مخلصة، ناهيك عن محاولات العملاء التي تصب أصلا في صالح الغرب ورأسماله ولا تجر على أهلنا في الكنانة إلا الويلات، فلم نر لهم عملا أصلا يتم من باب رعاية الشئون ولا النهوض بمصر إلا من باب حماية النظام وديمومة تلك الحماية وفصله وأركانه عن الناس كما يفعل النظام بإنشاء عاصمة جديدة وإيجاد طبقة جديدة دون باقي الشعب من رجال المال والشرطة والجيش والقضاء والإعلام يغدق عليهم من أموال البلاد المنهوبة حتى يكونوا عونا له على باقي الشعب المكلوم، فنرى من يقمع ويقتل ويحكم على الناس بما يراه النظام، ثم نرى من يبرر للنظام قبيح فعاله وينفي عن الدولة أي مسئولية مباشرة أو غير مباشرة عن أزمات البلاد ويطالبهم بالصبر على الجوع والفقر والمرض حتى لا نصبح مثل سوريا وليبيا واليمن!!
يا أهل مصر! هذا هو واقع حكامكم على حقيقته؛ فهم مجرد وكلاء للغرب نواطير على أبواب بلادنا يسمون أنفسهم ملوكا ورؤساء وما يقومون به هو لخدمته ورعاية مصالحه في بلادنا ولو تطلب الأمر أن تدوسنا مجنزرات ويقتلنا رصاص ندفع ثمنه من أقواتنا، بينما كنا يا أهل مصر في رغد عيش وحسن رعاية في ظل الإسلام الذي كانت مصر في عهده درعا ومنارة حتى مع إساءة تطبيقه... فيكفينا أنها سحقت التتار والصليبيين وكانت درعا للأمة، ولم نر هذه الأزمات وهذا التشرذم وهذا الضعف ولا التفرقة بين المسلم وغيره إلا عندما غاب الإسلام عنها بالكلية وصارت الرأسمالية هي التي تحكم وتتحكم بنفعيتها وعدم مراعاتها لحلال الله وحرامه.
يا أهل مصر الكنانة! اعلموا أن صلاح حالكم مرهون بوحي الله وتطبيقه في دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة كما كان صلاح بلادكم منذ البدء عندما دخلها عمرو بن العاص فحرر القبط ورفع عنهم ظلم إخوانهم النصارى المخالفين لهم في المذهب وأعطاهم حقوقهم كاملة، حتى رأيناهم يرسلون طواعية وباختيارهم قافلة تطعم أهل المدينة كما قيل أولها في المدينة وآخرها في مصر، ولم نر أموالهم تجبى عَنوة وتذهب لخزائن خليفة المسلمين عمر الذي لم يورّث أولاده قصورا ولا ذهبا أو فضة، بل كان يربط الحجر على بطنه ويقول "قرقري أو لا تقرقري فوالله لن أذوق اللحم حتى يشبع منه أطفال المسلمين"، ورأينا صلاح الدين الذي فتح القدس وأخرج الصليبيين يموت وما في بيته ما يكفي لتكفينه ودفنه، رغم أنه السلطان قاهر الصليبيين سلطان مصر والشام، هذا هو تاريخنا وهؤلاء هم أجدادنا الذين حكموا فعدلوا ونهضوا بالبلاد فكانت دولة الإسلام ومصر جزء أصيل فيها هي الدولة الأولى سيدة الدنيا مرهوبة الجانب لما يقارب الـ13 قرنا من الزمان، وهذا ما ندعوكم إليه في حزب التحرير؛ دولة تحكمكم بالإسلام الذي يحييكم وينجيكم ويرضي عنكم ربكم ويعيد لكم الخيرات التي سلبتها منكم الرأسمالية وينهي عهودها إلى غير رجعة... اللهم اجعل يوم عز دينك قريبا واجعلنا من جنوده وشهوده.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
بقلم: الأستاذ عبد الله عبد الرحمن
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع